حرية – (26/12/2023)
تتعدد الفنون التي ترتبط بالتراث القبطي، والأيقونات واحدة من أشهرها، فلا تخلو كنيسة حول العالم من هذا الفن، والأيقونة كلمة يونانية تعني الصورة، وبدأ رسمها على يد الفنانين الفطريين، الذين لا يزالون يبدعونها حتى يومنا هذا، إلى جانب المتخصصين الدارسين للفنون.
وشهد فن الأيقونات مراحل مختلفة، وتطور باختلاف العصور، متأثراً بالأنماط الفنية المختلفة التي سادت في عصر معين، ومنطقة بعينها، فعلى سبيل المثال تأثر فن الأيقونة في مصر، التي كان فنانوها من أوائل من رسم الأيقونات، بطابع الحضارة المصرية القديمة بصورة عامة، وتأثر خصوصاً بما يطلق عليه “بورتريهات الفيوم”، التي جاءت في عصر لاحق، ليخلق نمطه الخاص، الذي أصبح جزءاً من التراث الثقافي للبلاد.
وتأثر فن الأيقونة لاحقاً بالمدارس الفنية الأوروبية، ولا يزال كثير من الفنانين يبذلون جهداً كبيراً، للحفاظ على الطابع القديم للأيقونة، باعتبار أنه جزء من التراث والثقافة، إلى جانب قيمته الدينية.
مراسم تكريس خاصة
وللأيقونة أغراض متعددة، فهي ليست فقط صورة ذات طابع جمالي تضم رسوماً للعذراء والمسيح والقديسين والملائكة، أو تصوراً لقصة معينة مرتبطة بحدث بعينه، لكن لها أهدافاً متعددة، وعنها يقول أستاذ اللغة القبطية بجامعة سوهاج المصرية إبراهيم ساويرس “الأيقونة أغراضها متعددة، فإلى جانب شرح وتفسير بعض أحداث الكتاب المقدس، هناك أيضاً الغرض الليتورجي المرتبط بالصلوات، وكذلك قيام جموع الناس بإشعال الشموع أمامها في الكنائس والتبرك بها، والتشفع بالقديسين الذين تضمنهم، وهناك بعض الصلوات تكون مرتبطة بأيقونات معينة، فيكون لها علاقة أو ارتباط بعيد معين أو مناسبة بعينها تقام لها صلوات خاصة”.
تعرضت بعض الأيقونات القبطية القديمة لأضرار بفعل الزمن والفنانون يستنسخونها في كنائس حديثة
ويضيف ساويرس “ليست كل صورة أيقونة، لكنها تتحول إلى أيقونة رسمياً بعد مراسم تكريس خاصة يؤديها الأساقفة، ويعتقد أن الأيقونة الأولى للسيدة مريم العذراء رسمها القديس لوقا، الذي كان مصوراً بارعاً، ومن بعدها جرى تناقلها، لينتشر فن الأيقونات بمراحله المختلفة الممتدة منذ بداية العصر المسيحي وحتى الآن”.
حرب الأيقونات
على رغم وجود فن الأيقونات منذ بداية ظهور المسيحية فإنه لم يأخذ في الانتشار بصورة كبيرة إلا بحلول القرن الرابع الميلادي، لأسباب متعددة، وعن ذلك يقول ساويرس “فن الأيقونة معروف قبل المسيحية، وكانت له صور متعددة، من بينها تماثيل رؤوس الأباطرة التي كانت تستخدم في الاحتفالات الدينية المختلفة، لكنها تطورت مع العصر المسيحي، وعلى رغم ازدهار الأيقونات في الكنائس القبطية على مدى فترة طويلة، فإن الفترة منذ القرن الثامن وحتى منتصف القرن التاسع الميلادي شهدت ما يطلق عليه (حرب الأيقونات) التي انتشرت بصورة كبيرة في أوروبا، إذ ظهر اتجاه بأن هذه الأيقونات تمثل صورة من صور الارتداد للوثنية، ليترتب على ذلك تدمير كثير من الأيقونات، إضافة إلى جمعها من الكنائس وحرقها، واستمر هذا الوضع ما يقارب قرناً ونصف القرن”.
ويضيف “هذه الفترة المعروفة بحرب الأيقونات شهدتها كثير من مدن أوروبا، إلا أن صداها لم يمتد إلى الشرق بدرجة كبيرة، فعلى سبيل المثال لم تتأثر بها مصر على الإطلاق، بل على العكس ففي خلال هذه الفترة كان رسم الأيقونات مزدهراً، ولم يشهد أي تراجع، وظهر كثير من رسامي الأيقونات الذين حظوا بشهرة كبيرة مثل إبراهيم الناسخ”.
فن يعتمد على الرمزية
وحول رسام الأيقونات، وإذا ما كان لا بد من أن يمتاز بسمات خاصة، باعتبار أن ما يقدمه لا يمثل فقط الجانب الفني، لكنه يحمل قيماً دينية وروحية يعمل ويهدف بصورة رئيسة إلى أن تصل إلى جموع المشاهدين. يقول رسام الأيقونات الفنان أيمن نبيه “الفن القبطي يمتاز بالرمزية، وفي البداية كان فناً ارتجالياً، يمكن أن نجد نسب رسم الأشخاص غير دقيقة أو غير متناسب بعضها مع بعض، لأن الهدف الأساس توصيل الفكرة أو الرمز”.
توجد أيقونات أساسية لا تخلو منها أي كنيسة مثل أيقونة العشاء الأخير
ويوضح نبيه “الأيقونة القبطية القديمة كانت ثنائية الأبعاد، تراها من أي جانب بالصورة نفسها بعكس الاتجاه الحديث المستوحى من الفن الأوروبي، فتكون ثلاثية الأبعاد، ولها طول وعرض وعمق، وهناك أيقونات أساسية لا تخلو منها أي كنيسة، مثل أيقونة التلاميذ، وأيقونة العشاء الأخير، وبعض أيقونات المعجزات، وما عدا ذلك تختلف الأيقونات الموجودة في الكنائس، من جهة الموضوع والطابع، وبصورة عامة فنان الأيقونة يحق له العمل على التطوير في الجانب الفني، لكن شرط ألا يخرج عن الفكرة العامة للأيقونة”.
ويضيف “الفن القبطي عامة تأثر بالطابع العام للفنون في المناطق المختلفة، وفي المراحل الزمنية المتوالية، فالفن القبطي في مصر على سبيل المثال مرت عليه مراحل متعددة، ففي البداية كان امتداداً للفن الفرعوني، وهناك أشياء معينة تقدم دليلاً على ذلك، مثل صورة معينة للصليب مستوحاة من رمز (عنخ) مفتاح الحياة في مصر القديمة، ويعرف بالصليب ذي العروة، ووجد في رسوم بمنطقة الواحات، وبداية من القرن الرابع تأثر الفن القبطي بالفن البيزنطي، ولاحقاً بالفن الروماني، وفي مراحل أحدث تأثر بالمدارس الفنية الأوروبية وعلى رأسها الإيطالية”.
استنساخ الأيقونات
الانتشار الكبير للأيقونات ذات الطابع الغربي كان دافعاً لبعض فناني الأيقونة إلى العمل على إعادة إحياء الأيقونات القبطية القديمة، التي تمثل أساس التراث في ما يتعلق بهذا الفن، ليظهر من هنا اتجاه لاستنساخ الأيقونات كمحاولة لإبقائها في دائرة الضوء، بخاصة عندما تشاهدها الأجيال الجديدة في الكنائس والأديرة، وتتعرف إلى تاريخها وسماتها وطابعها الفني.
تمتاز الأيقونة القبطية بالرمزية وبدأت فناً ارتجالياً على يد الفنانين الفطريين
يقول نبيه “استنساخ الأيقونات يعنى بالأساس رسم أيقونة مطابقة لأخرى قديمة، وهناك نوعان من الاستنساخ: الأول هو الكلي يعني نقل الأيقونة بصورة طبق الأصل حتى في الأشياء المفقودة أو الشروخ أو أي تفاصيل غير واضحة محيت بفعل الزمن، والنوع الثاني الاستنساخ الجزئي بمعنى نقل الأيقونة بالصورة نفسها، مع محاولة استكمال الأجزاء المفقودة، فقد يكون هناك وجه غير ظاهر على سبيل المثال، أو جزء مفقود فيجري استكماله، ويحتاج هذا إلى جهد كبير من الرسام، باعتبار أنه لا بد أن يرجع إلى أيقونات متعددة للعصر نفسه للتعرف إلى النمط السائد ليرسم الأجزاء المفقودة بصورة متوافقة معه”.
ويضيف “الأيقونات القديمة هي الأصل في الفن القبطي، وهي الجذور التي يجب أن نتمسك بها، وهي تعتمد على الرموز بصورة أساسية، فالمشاهد لها يحتاج إلى فك الرموز للتعرف إلى جوهر المضمون والفكرة، وهناك رموز متعددة في الأيقونات القديمة منها الطاووس والسمكة وعنقود العنب، والواقع حالياً أن معظم الأيقونات في الكنائس الحديثة ابتعدت عن روح الفن القبطي القديم، واتجهت إلى الأسلوب الأوروبي، وهو قد يكون جذاباً للمشاهد، لكنه في النهاية مختلف عن هويتنا الفنية القبطية، ومن هنا فإن الاتجاه لاستنساخ الأيقونات في الكنائس هو وسيلة من وسائل الحفاظ على هذا التراث الفني الغني”.