حرية – (30/12/2023)
“كبسوا” “كبسوا” تصرخ شابة عربية، وهي تطلب من المشاهدين دعمها، عبر إرسال الهدايا خلال منافستها لشابة أخرى في لعبة “التحدي”، تحاول كل واحدة منهما إقناع جمهورها بإرسال الهدايا إليها والحصول على “الداعمين”.
تنتشر ثقافة “الشهرة” و”المال” عبر “تيك توك” في المجتمعات العربية، لا سيما بعد نشر مشاهير “تيك توك” لفيديوهات توثق لممتلكاتهم من خلال نشاطها على التطبيق المذكور.
“من بث مباشر مدته ساعتين، حصلت على مبلغ مالي قدره 32 ألف يورو،” تصريح لواحدة من مشاهير “تيك توك” بالمغرب، أثار جدلاً حول ما الذي يقدمه مشاهير “تيك توك” للحصول على هذا المبلغ المالي، ومن يكون الداعمون الذين يدفعون المال؟
“تيك توك والهروب من البطالة”
“الناس لن تشاهدك إذا كنت عادياً، يجب أن تتناسب مع ما يريدون، حتى لو كنت في حياتك الطبيعية فتاة عادية، فأنت تتظاهرين في الفيديوهات على تيك توك بأنك جريئة ويمكنك الرقص واستعمال كلمات إباحية، ويجب إظهار أجزاء من الجسد، والحديث بشكل مثير لجذب الداعمين،” تقول مريم ( 17 سنة) وهي صانعة محتوى على “تيك توك”.
حلم مريم وغيرها من صنّاع المحتوى في “تيك توك” هو تحقيق الربح من هذه المنصة، ولو على حساب سمعتهن، لهذا تعرض الفتيات على منصة “تيك توك” أجسادهن، ويتنافسن حول من يمكنها جذب أكبر عدد من الداعمين.
تيك توك” من منصة لتسلية إلى الاتجار بالقاصرين
وتضيف مريم، “أغلب من يحصلن على الهدايا هن من يظهرن بشكل جرئ، ويقمن بتلبية رغبات المعلقين، مثلاً يطلب منهم المشاهدون الوقوف لرؤية أجسادهن، وكلما نجحت في الترويج لجسدها، زاد عدد الهدايا، من خلال “الداعمين” الذي يطلبون من الفتيات القيام بحركات مثيرة، لأجل الحصول على تلك الهدايا”. وتتابع، “تيك توك أصبح وسيلة مهمة للهروب من البطالة، لا أحد مستعد للعمل ساعات طويلة مقابل مبلغ زهيد، أغلب صديقاتي لديهن حساب على تيك توك”.
فمن هم الداعمين؟ ولماذا يقدمون الهدايا للمراهقات، سؤال طرحناه على حكيم الهشومي، وهو مخرج وخبير في مواقع التواصل الاجتماعي في ألمانيا. فيجيب قائلاً، إن تفسير النجاح في “تيك توك” ليس سهلاً، لهذا يجب ألا نركز على القاصرة التي تنشر الفيديوهات وتحصل على الهدايا، بل على هؤلاء المشاهدين.
الهدايا وتملك القاصر
ويضيف الباحث في مواقع التواصل الاجتماعي، “إن إمكانية عدم الظهور، توفر للمشاهدين مكاناً يمكّنهم من تلبية بعض غرائزهم الجنسية حتى لو كانت شاذة من دون أن يكشفهم أحد. إن إمكانية الاختفاء هي نقطة مهمة جداً حيث يمكن للشخص أن يحقق ما يرغب فيه من دون أن يكشف عن نفسه”.
ويرى الهشومي أن “هذه المنصة تضع في نفسية المتفرج ذلك الإحساس بالتملك عبر المنافسة، فهو من خلال الدفع ومنافسة الآخرين الذين يدفعون، يشعر وكأنه في مباراة للحصول على ما يرغب فيه وحده ويبدأ في الدفع، ليتملك تلك الفتاة القاصرة وتلبي حاجاته”.
ويعتبر الباحث في مواقع التواصل، “أن التواصل المباشر الذي يحدث بين المتفرج والفتاة خلال فترة طويلة، يشعر فيها المشاهد أن القاصر تحت تصرفه وهذا مهم جداً وهو ما يختلف عن الذهاب إلى نادٍ للتعري أو مشاهدة منصات، كما أن التواصل المباشر من المنزل من دون عناء الخروج، يمنح المشاهد حرية غير مقيدة كما في الخارج وأيضاً يحفظ هويته وهذا أيضاً من أسباب نجاح المنصة”.
ويشدد الهشومي، “على أن خاصية الهدايا في “تيك توك” تحقق للمتفرج شعور التنافس للفوز وتملّك فتاة قاصر حتى لو كان سنه أكبر بكثير منها، المهم أن يبقى مختفياً من دون أن يعرفه أحد، ويمكنه أن يحقق رغباته من خلال تقديمه للهدايا، وكل ذلك من دون أن تتم معاقبته”.
“وسيلة للاتجار جنسياً بالقاصرات”
عند تصفح فيديوهات “تيك توك” المباشرة في عدد من دول العربية، يتعامل صناع المحتوى مع رغبات الجمهور بالتسلية، فمثلاً في فيديو، يطلب أحد المشاهدين، رؤية لباس صانعة المحتوى التي تبلغ من العمر 16 سنة، هي تنهض من مكانها وتعرض جسدها بالكامل، وتتفاعل مع هذا الطلب بالابتسامة مقابل أن يرسل لها هدية.
ويمكن لمستخدمي “تيك توك” تقديم هدايا افتراضية لصنّاع المحتوى المفضّلين لديهم مباشرة في مقاطع الفيديو، لكن هذه ليست افتراضية إلى هذا الحد فهي تكلف أموالاً حقيقية. صناع المحتوى الذين لديهم أكثر من مليون متابع يمكنهم أن يكسبوا بسرعة ما بين 20 ألف إلى 30 ألف يورو شهرياً، بيد أنهم لا يربحون كل الأموال المحولة لهم من خلال الهدايا، فالشركة الصينية مالكة التطبيق تحتفظ بنصف الأرباح، وأحياناً بنسبة 70 في المئة منها، بحسب أنيكو ميلز، الخبيرة الألمانية في مجال التسويق على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبحسب مجلة “فوربس،” “يمكن لصنّاع المحتوى ذوي النوايا الخبيثة خداع متابعيهم من خلال إرسال أموال إليهم مقابل أرقام هواتفهم الشخصية أو صور جنسية صريحة لأنفسهم، وهنا ينتقل تيك توك من كونه مجرد منصة للتسلية إلى الاتجار بالقاصرين والتغرير بهم عبر الهدايا”. وتضيف المجلة أن “الهدايا هي أيضاً وسيلة للاتجار جنسياً بالقاصرات، وهذا ما يكشف عن عملية تبادل الخدمات الجنسية مقابل المال ما يجعل البث المباشر في “تيك توك” مكاناً شائعاً للرجال للتربص بالفتيات الصغيرات وإغرائهن بالمال والهدايا لتقديم عمليات تتضمن الإيحاءات الجنسية”.
“نادٍ للتعري”
وبحسب ليا بلونكيت الباحثة بجامعة هارفارد في الإنترنت والمجتمع، “إن الأمر يشبه النزول إلى الشارع إلى نادٍ للتعري مليء بالفتيات في سن 15 سنة”. وتضيف في ذات الصدد، “تخيل شركة تضع مجموعة من القاصرات على خشبة المسرح أمام جمهور مباشرة عبر منحهم المال لأداء الأنشطة التي يطلبونها، هذا بالضبط هو الاستغلال الجنسي”. وتصبح أجساد الفتيات مهمة في “تيك توك” للحصول على الدعم والهدايا، ويتم جمع الفيديوهات ذات الإيحاءات الجنسية من منصة “تيك توك” وإعادة بيعها ونشرها في الشبكات المظلمة، وبذلك يصعب على صناع المحتوى في “تيك توك” التخلص من بصمتهم الإلكترونية وحذف هذه الفيديوهات.
بنقرة واحدة يمكن للمتفرج “دعم” صناع المحتوى على “تيك توك” بالهدايا المالية. وبعض الهدايا يكلف ما يصل إلى 500 يورو، بخاصة في ما يسمى بالمباريات المباشرة، حيث يدعم المشاهدون المتنافسين عبر إرسال الهدايا ويصدر الفائز “حكماً” على المهزوم، ويطلب منه القيام بفعل غريب، مثل الاستحمام بالملابس الداخلية أو تقبيل الحائط، وهناك عدد كبير من الفيديوهات التي تظهر فيها شابات أو شباب يقومون بأعمال تحط من كرامتهم.
“مطالب بحماية المراهقين”
وفي المغرب، وجه البرلماني نبيل الدخش عن الفريق الحركي، سؤالاً مكتوباً لوزير الثقافة والشباب والتواصل المهدي بنسعيد، بهدف التدخل لتقنين التطبيق المثير للجدل. وجاء في السؤال، أن “استخدام منصة تيك توك انتشر في الآونة الأخيرة مما دفع بالعديد من الدول، إلى اتخاذ إجراءات سواء بتقنين المنصة أو منعها نهائياً، وذلك حمايةً للأطفال والمراهقين والشباب والمواطنين الذين أدمنوا الولوج إليها”.
وحذر الدخش من الأخطار الاجتماعية والصحية لـ “تيك توك” وبقية المنصات، وانعكاساتها النفسية والمعرفية على مستخدميها، مطالباً وزير الثقافة والتواصل باتخاذ إجراءات لتقنين استعمالها.