حرية – (6/1/2024)
أعاد تنظيم”داعش” خلط الأوراق، وأحدث إرباكاً والتباسات لدى جميع الأطراف، عبر تبنّيه المسؤولية عن التفجيرين اللذين استهدفا زوار مرقد قاسم سليماني في مدينة كرمان في إيران يوم الأربعاء الماضي، والذي كانت السلطات الإيرانية قد حمّلت مسؤوليتهما إلى كلّ من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، مع تصاعد التوتر بين الفريقين على خلفية صراع غزة أولاً، وموجة الاغتيالات التي طالت قادة من محور المقاومة في المنطقة ثانياً.
وجاء التسجيل الصوتي للمتحدث الرسمي باسم تنظيم “داعش” أبو حذيفة الأنصاري، والذي بُثّ يوم أمس الخميس تحت عنوان “فاقتلوهم حيث ثقفتموهم”، ليؤكّد وجود نيّة لدى التنظيم للعمل على استغلال الأوضاع الحالية، في محاولة لكسب نقاط وتسجيل حضور إقليمي، بعد أن كاد نشاطه في الأشهر الأخيرة منذ تعيين أبو حفض الهاشمي خليفةً جديداً له في أعقاب اغتيال أبو الحسين الهاشمي القرشي في آب (أغسطس) الماضي، قد اقتصر على القيام ببعض العمليات النوعية في البادية السورية.
وهدف التسجيل الصوتي لأبو حذيفة لتبيان موقف تنظيم “داعش” من الصراع الدائر في غزة بين حركة “حماس” وإسرائيل، وذلك بعد صمت دام حوالى ثلاثة أشهر لم يصدر فيه عن التنظيم أي إشارة إلى الأحداث التي تشهدها الأراضي الفلسطينية. وكان من الواضح أنّ الخطاب جاء معادياً لمختلف الأطراف، “حماس” وإسرائيل وإيران والولايات المتحدة، إلاّ أنّه حاول التركيز على نقطة أساسية، وهي وقوف التنظيم مع من أسمّاهم المستضعفين من المسلمين في فلسطين، داعياً أنصاره إلى تنفيذ عمليات مختلفة ضدّ مصالح الدول التي تشارك في العدوان على غزة.
وجاء في الخطاب المسجّل، “إنّ تنظيم “الدولة الإسلامية يقف داعمًا لمسلمي فلسطين، معترضاً على الأهداف المعلنة لـ”حماس” التي تقاتل من “مبدأ وطني لا ديني”.
ودعا مقاتلي “حماس” إلى إعادة النظر في تبعيتهم للفصيل، معتبراً أنّه “لا فرق إذا حكم الضفة وغزة أولياء أميركا أو أولياء إيران، وأنّ قتال إسرائيل وحده ليس كافيًا للدلالة على صحة الطريق”.
وفي إشارة لافتة، وصف الخطاب التحالف الذي يجمع “حماس” بإيران بأنّه “خطيئة إخوانية” نشأ منذ الثورة الإسلامية، والتي وصفها الخطاب بـ “الفتنة الخمينية” في إيران.
وانتقد المتحدث باسم التنظيم ما أسماه “ارتماء الفصائل الفلسطينية في الحضن الإيراني، وإعلان ما أسموه محور المقاومة الذي سمح لإيران بتصدّر المشهد، والظهور بمظهر المخلّص والمدافع عن فلسطين”.
وعن “حزب الله” اللبناني، قال الأنصاري إنّ المناوشات التي يجريها على الحدود مع فلسطين المحتلة، ما هي إلاّ “مداراة” لاستكمال مشروع إيران، الذي يطمح لجعل الفصائل الفلسطينية وغيرها تدخل “حربًا بالوكالة” نيابة عن إيران.
واعتبر التنظيم أنّ تاريخ إيران حافل بـ”الجرائم” ضدّ الفلسطينيين بشكل خاص، سواءً في العراق أو سوريا أو لبنان.
واستعرض الخطاب ما قال إنّها جرائم “الرافضة” ضدّ المسلمين عبر التاريخ القديم وصولاً إلى التاريخ المعاصر في اليمن والعراق والشام، مشيراً إلى أنّ لهم (أي الرافضة) تاريخاً اسودَ مع الفلسطينيين بشكل خاص، مذكّراً بما قال إنّها جرائم الميليشيات “الرافضة” في بغداد ضدّ فلسطينيي العراق، وجرائم حركة أمل ضدّ فلسطينيي لبنان.
وقال “إنّ “الرافضة” قديماً وحديثاً ما زالوا يشنّون حرباً على الإسلام والمسلمين، وإن مشاريعهم وخططهم التوسعية لا تقلّ خطورة عن مؤامرات اليهود والصليبيين”.
ونوّه الخطاب بضرورة التبرّع بالأموال للتنظيم، عوضًا عن إرسالها إلى منظمات دولية.
واستنفر التنظيم مقاتليه حول العالم، لتنفيذ هجمات ضدّ إسرائيل والدول التي تدعمها، وإعادة تفعيل نشاطهم، ونقل هذه الهجمات إلى العواصم الغربية، في أميركا وأوروبا. وقال الأنصاري مخاطباً أنصار التنظيم وجنوده: “نستنفركم اليوم لتجديد نشاطكم وإحياء العمليات المباركة في عقر دار اليهود والنصارى، وطاردوا “فرائسكم” في شوارع وطرقات أميركا وأوروبا والعالم، واقتحموا بيوتهم … واقتلوهم ونكّلوا بهم، واعلموا أنكم اليوم يد الدولة الإسلامية التي تضرب في عقر الكافرين”.
وطالبهم بإحكام الخطط وتنويع العمليات من “النسف بالمتفجرات” إلى “الحرق بالقنابل الحراقات” إلى “الرمي بالطلقات الفالقات” وكذلك “النحر بالسكاكين القاطعات” و”دهساً بالحافلات”.
وشدّد الخطاب على ضرورة عدم التمييز بين مدني وعسكري أثناء تنفيذ التهديدات السابقة، لأنّ الجميع كفار بحسب قوله وحكمهم حكم واحد، ولأنّ طائرات التحالف لا تميّز بين مدني وعسكري أثناء قصفها بلاد المسلمين.
ومن التعليمات التي تضمنها التهديد “أن يجري العمل على استهداف الأهداف السهلة قبل الصعبة والمدنية قبل العسكرية، والأهداف الدينية كالكنيسات والكنائس قبل غيرها، فإنّ ذلك أسفى للصدر وأوضح لمعالم المعركة التي هي معركة دينية وليست معركة وطنية أو قومية”.
وقبل صدور التسجيل الصوتي بساعات قليلة أعلنت وكالة “أعماق” التابعة لتنظيم “داعش” عن مسؤولية الأخير عن التفجيرين اللذين ضربا مدينة كرمان الإيرانية عشية الذكرى الرابعة لاغتيال قاسم سليماني، واسفرا عن سقوط مئات القتلى والجرحى.
وقالت “أعماق” في تقريرها “إنّ اثنين من مقاتلي الدولة الإسلامية هما عمر الموحد وسيف الله الموحد نفّذا هجوماً استشهادياً مزدوجاً يوم الأربعاء، ضرب تجمعاً كبيراً للشيعة في محافظة “كرمان”.
وقالت مصادر وفق الوكالة، إنّ المقاتلين تمكنا من الوصول إلى الحشد الذي ضمّ الآلاف من الشيعة كانوا يؤدون طقوساً على مقربة من قبر “قاسم سليماني” في ذكرى مقتله، والمتورط بعشرات المجازر بحق مسلمي العراق وسوريا.
وأوضحت أنّ الاستشهادي الأول فجّر حزامه الناسف وسط الجموع الشيعية تبعه تفجير الاستشهادي الثاني حزامه بفارق نحو 20 دقيقة عن التفجير الأول.