حرية – (6/1/2024)
في قلب القاهرة بمنطقة باب الخلق يقع متحف الفن الإسلامي الذي يصنف كأكبر متحف للآثار الإسلامية في العالم، إذ يضم ما يزيد على 100 ألف قطعة أثرية من الفنون الإسلامية المختلفة.
افتتح المتحف في موقعه الحالي في الـ28 من ديسمبر (كانون الأول) 1903، في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، ولاحقاً تم تطويره مرات عدة وإضافة كثير من القطع الأثرية النادرة ليكون قبلة للمهتمين للفنون الإسلامية من كل أنحاء العالم على مدار 120 عاماً هي عمر المتحف.
مراحل متعددة سبقت افتتاح المتحف في مطلع القرن الـ20، وعنها يقول محمد عبداللطيف أستاذ الآثار وعميد كلية السياحة والفنادق بجامعة المنصورة، “بدأ التفكير في إنشاء متحف للفنون الإسلامية في عهد الخديوي توفيق، مع إنشاء لجنة حفظ الآثار العربية التي عنيت بالحفاظ على الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، إذ كان الاهتمام في هذه الحقبة يتركز بشكل أكبر على الآثار التي تعود للحضارة المصرية القديمة”.
على الطراز الأندلسي
ومع إنشاء لجنة حفظ الآثار، يضيف أستاذ الآثار أنه “جمعت بعض القطع الأثرية التي تعود للعصر الإسلامي من المساجد الكبرى في مصر ووضعت في جانب من مسجد الحاكم بأمر الله الواقع بشارع المعز لدين الله الفاطمي، ومع توالى زيادة الآثار من مصادر متعددة جاء التفكير في إنشاء متحف تجمع فيه الآثار الإسلامية”.
ويتابع “وقع الاختيار على موقع المتحف الحالي باعتباره يقع في منطقة قريبة من كثير من مواقع الآثار الإسلامية في القاهرة، وبني المبنى على الطراز الأندلسي وافتتح في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1903، وأطلق على المتحف وقتها دار الآثار العربية، ثم تغير الاسم لاحقاً إلى متحف الآثار العربية، وفي خمسينيات القرن الماضي أطلق عليه اسمه الحالي (متحف الفن الإسلامي) باعتبار أن مقتنياته لا تعود فقط للدول العربية وإنما لجميع البلدان التي وجد بها مسلمون وفنون إسلامية، فهناك قطع أثرية من الهند ومن دول وسط آسيا وتركيا وغيرها كثير من البلدان”.
يحوي قسم الفخار والخزف نتائج حفائر الفسطاط والخزف الإيراني
ويستكمل “من أبرز القطع التي يضمها المتحف ولا مثيل لها في العالم مفتاح الكعبة، وإبريق مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين الذي يعود للطراز الساساني، وكثير من الأسلحة والسيوف التي تعود للقادة المسلمين العظام، وباب الحاكم بأمر الله، ومجموعات من المشكاوات، إضافة إلى عملات ودنانير ذهبية نادرة تعود لأقدم العصر الإسلامية”.
فنون إسلامية عدة
ينقسم المتحف إلى أقسام عدة ترتبط بالفنون الإسلامية المختلفة، من أبرزها أقسام للفخار والخزف والزجاج والنسيج والمخطوطات والعملات والأسلحة وغيرها، وتضم قطعاً تعكس التراث الفني الإسلامي من أقطار متنوعة.
يحوي قسم الفخار والخزف نتائج حفائر الفسطاط، والخزف ذو البريق المعدني الذي اشتهر في العصر الفاطمي والمملوكي بمصر، والفخار العثماني، والخزف الإيراني طراز سلطان آباد، والبورسلين الصيني.
أطلق على المتحف في البداية “دار الآثار العربية” ثم تغير الاسم لاحقاً
أما قسم النسيج فيضم مجموعة نادرة من المنسوجات والسجاجيد التركية والإيرانية ترجع إلى الدولة السلجوقية والمغولية والصفوية والهندية المغولية في فترة القرون الوسطى الميلادية.
ويحتوي المتحف على فنون نادرة من الأخشاب تعود للعصر الأموي، إذ توجد قطع من الخشب الذي زخرفه المصريون بطرق التطعيم والتلوين بأشرطة من الجلد والحفر، ومنها أفاريز خشبية من جامع عمرو بن العاص ترجع إلى عام 212 للهجرة.
وفي ما يتعلق بالعملات يضم المتحف ديناراً من الذهب يعود لعام 77 للهجرة، ويعد أقدم دينار إسلامي عثر عليه، وفي المتحف أيضاً أقدم شاهد قبر مؤرخ بعام 31 للهجرة، ومجموعة من المصاحف النادرة تعود للعصر المملوكي والأموي كتبت على رق الغزال.
إلى جانب المعروضات من القطع الأثرية الفريدة يضم متحف الفن الإسلامي بالقاهرة مكتبة تضم نحو 13 ألف كتاب تتعلق بكل ما يخص الفنون الإسلامية، وتعتبر مرجعاً للدارسين والمهتمين بهذا المجال.
مبني فريد الطراز
إلى جانب القيمة الكبيرة للقطع الأثرية المعروضة في المتحف فإن المبنى ذاته له أهمية كبيرة، فهو مصمم على طراز بديع تزين واجهته الزخارف الإسلامية، وشهد تطويرات عدة كان أبرزها عام 1982، إذ تمت إضافة حديقة متحفية وتطوير الساحة المؤدية إليه، ولاحقاً جرى تطوير سيناريو العرض المتحفي بما يتلاءم مع التوجهات الحديثة في مجال المتاحف.
ينقسم المتحف إلى أقسام عدة ترتبط بالفنون الإسلامية المختلفة
وعن سيناريو العرض المتحفي يقول جمال عبدالرحيم، أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة، “سيناريو العرض المتحفي من الأشياء المميزة في هذا المتحف، فهو ينقسم إلى قسمين: الأول له علاقة بالتسلسل الزمني وتعرض فيه القطع الأثرية من الأقدم للأحدث مما يعكس تطور الفنون الإسلامية على مر العصور، والقسم الثاني هو القاعات المتخصصة بحسب الموضوع، التي تضم أقساماً للنسيج والطب والفلك وغيرها من الفنون والعلوم التي ازدهرت في العصور الإسلامية، ومن بين أبرز ما يضمه المتحف القاعات الخاصة بالفن الإسلامي في العصر المملوكي والفاطمي، فكلاهما من الفترات التي شهدت ذروة تألق الفنون الإسلامية، والآثار التي تعود لهذه الحقبة من أجمل وأرقى ما أنتجته الفنون الإسلامية على مر العصور”.
ويضيف “مبنى المتحف ذاته له قيمة كبيرة بطرازه المعماري الفريد، وما يميز متحف الفن الإسلامي أنه يجمع آلاف القطع التي تعود لجميع الدول الإسلامية، أو التي مر الإسلام عليها مثل المجموعة الخاصة بالأندلس، وكنتيجة لهذا فإن المجموعات الأثرية التي يضمها المتحف تعكس أنواعاً وأشكالاً مختلفة من الفنون الإسلامية التي تعود لجميع العصور من بداية الإسلام وحتى العصر الحديث”.
إرهاب في الجوار
في الـ24 من يناير (كانون ثاني) 2014 تضرر متحف الفن الإسلامي جراء تفجير إرهابي وقع بالقرب منه، وكان يستهدف مديرية أمن القاهرة، إذ انفجرت سيارة مفخخة أدت إلى تدمير جزء من واجهة المتحف وتضررت بعض القطع الأثرية، للقيام بعملية ترميم شاملة لإصلاح الأضرار بالمشاركة مع منظمة “يونيسكو” وجهات ودول عدة ليتم إغلاق المتحف فترة امتدت ثلاث سنوات، قبل أن يعاد افتتاحه عام 2017 بعد عملية التطوير الشامل، سواء للمبنى ذاته أم للآثار التي تضررت من التفجير.