حرية – 10/1/2024
أحمد الحمداني
عندما نتفحص تاريخ الحكم في العراق ونجد أن عدد رؤساء الوزراء وصل إلى 77 رئيساً من احزاب مختلفة، نجد صعوبة في تحديد مسار واضح للتقدم وإنشاء بيئة اجتماعية تحترم القانون وتعزز مفهوم الدولة.
هذا يكشف عن انحراف واضح في الساحة السياسية العراقية، ويرجع ذلك جزئياً إلى تعقيدات التركيبة المجتمعية في العراق، حيث تظهر دائمًا بصورة ذات قطبين أو أكثر.
في سياق مشابه، تجاوزت المملكة العراقية عقبات جسيمة تنبع من نشأتها الأولى بفعل تأثير القوى العالمية التي سعت إلى السيطرة على مصائرها، وكانت بريطانيا في مقدمة هذه القوى.
وبالنظر إلى الواقع الراهن، نجد نفس السيناريو يتكرر مع تفوق دول أخرى في محاولة للهيمنة والتحكم، ليس فقط بريطانيا.
وفيما يتعلق بالديناميات الداخلية، يمكننا استخلاص من رسائل عبد الوهاب النعيمي، عضو المجلس التأسيسي، الصراعات السياسية الناجمة عن التباين الفكري بين القوى المنقسمة إلى تيارين، مما يمثل القوة الدافعة الرئيسية في المشهد السياسي.
هناك تباين بين طبقة النخبة الوطنية في تأسيس الدولة العراقية، فقد كانت تضمّ سياسيين وضباطًا ينتمون إلى جمعيات سرية تدعو لاستقلال العراق عن الدولة العثمانية.
هؤلاء كانوا يرون أن العراق يجب أن يكون مرتبطًا بالولايات العربية الأخرى بدلاً من ارتباطه بالدولة التركية.
وعمل هذا التيار على استقلال العراق عن التأثير السياسي لبريطانيا وهيمنتها على مصالحه الاقتصادية.
أما التيار الآخر، فكان يمثل مجموعة أخرى من السياسيين والضباط الذين أيدوا ارتباط العراق ببريطانيا. كانوا يشجعون على هيمنتها على الاقتصاد والسياسة العراقية، وكانوا متأثرين بالمندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس وممثلة المصالح البريطانية في العراق، مس بيل. لعبت هذه الشخصيات دورًا كبيرًا في توجيه السياسة العراقية في المدن الكبرى مثل بغداد والموصل والبصرة قبل (استقلال العراق) في عام 1921 وتولي الملك فيصل الأول العرش، بينما عارضها أعضاء في المجلس التأسيسي ورئيسه عبد الرحمن النقيب الذي أصبح أول رئيس وزراء للعراق في فترة ما عرفت بالحكومة الانتقالية.
كذلك، هناك بعض المناطق في الجنوب تؤكد أن القبائل المسيطرة على الأرض هي من تسيطر على المنطقة.
عندما تختلف الرغبات مع ما يرغبون به القبائل، يحدث قطع للطرق وتنشأ تظاهرات أو أعمال عنف أو حتى استهداف مسلح.
وكذلك في المناطق الغربية، بعض أجزائها تعمل في تهريب البضائع وتخضع لسيطرة غير مباشرة للدولة، وكان معظم سكان هذه المناطق يبحثون عن السلطة ويرفضون السيطرة الشيعية.
بالنظر إلى كل ما تم ذكره سابقًا، يجب على السياسيين الاتفاق على نظام فدرالي.
ليس لأنني مؤمن بالفدرالية بل لأنني وصلت إلى استنتاج أنه لا يمكن السيطرة على كل جوانب الدولة من دون تقسيم المناطق وإدارتها من قبل سكانها.
وبغداد تظل المدينة والمركز السياسي، حيث يحكم محافظها ويديرها امينها على ان يكونوا من سكانها الأصليين.
قد ينزعج البعض من مضمون هذا المقال ويتبنى شعارات راسخة مثل “العراق واحد ولا يمكن تقسيمه”. هناك أشخاص يخرجون في وسائل الإعلام ويدعون إلى استعادة الحكم من الشيعة، بينما يدعي آخرون أنهم الأصل في العراق ويعتبرون الآخرين دخلاء هذا شروكي وهذا معيدي وهذا كردي وهذا تركماني وكل واحد من هؤلاء يميل إلى انتماء خارجي غير دولته الأصلية تحت مظلة المذهب أو الانتماء القومي.
المثير أكثر هو أن الجميع، على الرغم من معرفتهم بما يعنيه العمل لصالح دول أخرى، يتباهون بهذا الأمر.
بل تجد رئيس يُعلن عن تقريب شخص كونه مفتاح الربط لدولة اخرى ليس لأنه يحتفظ بعلاقات معها، بل لأنه يعمل اجير لهم.
هذا الواقع المرير يعكس حقيقة مُحزنة: أن 77 رئيسًا لم ينجحوا في ترسيخ الشعور بالمسؤولية والانتماء الوطني في الوطن.
صدقوني اننا بحاجة الى بناء انسان يقتنع بمفهوم الوطن لكي يستطيع ان يكون وطني لوطنه فقط