حرية – (11/1/2024)
يتساءل البعض: لماذا حرب غزة؟ فأجابت المقاومة الفلسطينية أنها ما خرجت تقاتل، يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلا من أجل فلسطين كاملة، وعلى رأسها حماية المقدسات الإسلامية في القدس، وثالث الحرمين الشريفين المسجد الأقصى، والحرم الإبراهيمي الذي صادرته إسرائيل من المسلمين.
ويظل الأقصى، الذي هو عنوان معارك وتضحيات كثيرة للفلسطينيين، مجهولاً إلى حد ما بالنسبة للمسلمين، فلا تعرف معالمه، وقد لا يتسع مقال واحد لشرح تفاصيل المعالم التي توجد بالأقصى، إلا أن التأكيد عليها في هذا الوقت ضروري، خصوصاً أن حجم المأساة والدمار والقتل في غزة قد يعيق المشهد الحقيقي من أن جيش الاحتلال يسعى لاستئصال المقاومة من أجل هدم الأقصى وبناء الهيكل.
هناك في المسجد الأقصى معالم غير معروفة عند الكثيرين، منها ما هو تحت الأرض مثل المسجد المرواني، ومسجد البراق، ومنها ما هو فوق الأرض مثل سبيل قايتباي وقبة السلسلة، والزخارف المتنوعة على قبة الصخرة التي لم نتأملها بالطبع لأن الكثير من المسلمين لا يستطيعون زيارته وهو تحت ظل الاحتلال؛ إذ ليست قبة الصخرة والمسجد القبلي فقط هي معالم المسجد الأقصى.
التسويات أسفل المسجد الأقصى
مساحة المسجد الأقصى 144 ألف متر مربع، ويوجد المسجد على تلة مرتفعة من الشمال ومنخفضة في القطاع الجنوبي، وعلى الرغم من ذلك فنحن نرى المسجد بشكل مستوٍ، وقد جرى على مدار سنين عمل تسويات بغية جعل المسجد على مستوى واحد أفقياً، وقد نفذت 5 تسويات، ويوجد تحت تلك التسويات مستوى آخر، وفي كل مستوى مساحات جرى استغلالها، إما في وجود قنوات المياه التي تدخل إلى المسجد أو في بناء مصلى ومساجد.
هناك 5 تسويات: الأولى تسوية المرواني الشرقي، والثانية تسوية الأقصى القديم وهي في الوسط، والثالث التسوية الغربية واستخدمت كصهاريج للمياه، وقد بناها الأمويون لتدعيم الجزء الغربي للمسجد الأقصى على شكل قناطر. بالإضافة إلى تسوية مصلى باب الرحمة ومصلى البراق.
أما بالنسبة للمستويات فالمستوى الأول الأعمق تحت الأرض يمكن الإشارة له بسالب 2، كما أسماه الدكتور محمود الشجراوي عضو هيئة علماء فلسطين. يوجد في المستوى العميق هذا قنوات المياه، وفيها أقدم قناة تغذي المسجد منذ آلاف السنين قد تصل إلى 6 آلاف عام قبل الميلاد، وهي “قناة مياه عين سلوان”.
في هذا المستوى وصلت أيدي الاحتلال إلى قنوات أخرى جفت مع مرور السنين، فدخل الاحتلال وأسس فيها كنساً يهودية، وتوسع في الحفر أسفل المسجد الأقصى بحثاً عن أية آثار للهيكل المزعوم لسليمان عليه السلام، هذه الحفريات بدأت في عهد الانتداب البريطاني للبحث عن الهيكل ومحاولة إثبات أحقية اليهود في القدس وفلسطين.
يعتبر نفق الحشمونائيم -آل عمران- أكبر تلك الأنفاق التي حفرت في هذا المستوى تحت الأقصى، فيه كنيس يهودي، ونصب لكل سبط من أسباط اليهود الاثني عشر، كما توجد فيه مؤثرات صوتية وضوئية. ويوجد تحت الأقصى وجنوبه وغربه أكثر من 55 حفرية ونفقاً.
المصليات أسفل سطح المسجد الأقصى
أما طبقة التسويات الخمس ويمكن تسميتها بسالب 1 وفيها المصلى المرواني الشرقي والأقصى القديم ومصلى البراق، كل ذلك تحت الأرض لا يُرى في الصور التي تلتقط لسطح المسجد الأقصى. والأقصى القديم عبارة عن نفقين يمتدان من الباب المزدوج وحتى أروقة المسجد القبلي فوق السطح؛ إذ يخرج إلى الرواق الرابع.
وفي الأقصى القديم توجد الأعمدة الجرانيتية التي تحمل فوقها منبر ومحراب المسجد القبلي فوق السطح، وتوجد بها المكتبة الختنية التي أنشأها صلاح الدين الأيوبي ووقفها على الشيخ جلال الدين الشاشي، أما البناء فهو موجود من زمن الروم، وسميت بهذا الاسم نسبة للشيخ الخُتني، ووصفها السخاوي بأنها مدرسة وتولاها عدد كبير من أكابر العلماء.
ويوجد في هذا المستوى أول مسجد مسقوف بالمسجد الأقصى، وهو المصلى المرواني، ومساحته 4 آلاف متر مربع، سَقَفَها الأمويون لعمل تسوية بحيث يظهر الأقصى كله على مستوى واحد، وبنيت في جهة الجنوب الشرقي للأقصى، أي شرق المسجد القبلي.
أغلق المصلى المرواني 820 عاماً على يد صلاح الدين، وحاول الصهاينة في عهد إيهود باراك أن يحولوه إلى كنيس، فقامت الحركة الإسلامية في الداخل بقيادة رائد صلاح بفتح المسجد ورفع أطنان من الطين والأتربة وتجهيزه لمدة 4 سنوات وافتتح عام 2000م. سُمي الدرج الذي يهبط إلى المصلى باسم الشيخ رائد صلاح.
ويقع في التسوية سالب 1 مصلى البراق، وهو يقع في المنطقة الغربية للمسجد القبلي، يتسع مصلى البراق لثلاثين مصلياً فقط، وتوجد في هذه التسوية الحلقة التي يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم ربط فيها دابته البراق، وقد نزعها الصهاينة قبل أن تعيدها الحركة الإسلامية إلى مكانها والإصرار على الصلاة فيها.
أما التسوية الرابعة فهي مصلى باب الرحمة، وقد أغلق في الانتفاضة الثانية في 2003، وافتتح في أحداث ما عرف بـ”هبّة باب الرحمة”؛ إذ استجابت سلطات الاحتلال لضغوط المرابطين وافتتحت عام 2019، وقد كانت إسرائيل تحاول أن تحوله إلى كنيس فيما عرف بالتقسيم المكاني للمسجد الأقصى بين المسلمين واليهود. وقد كان المصلى قبل إغلاقه عبارة عن مكاتب إدارية للوقف والزكوات، لكنه بعد 2019 عاد لطبيعته كمصلى وأصبح يعتكف فيه المسلمون بشكل دائم في رمضان. وهو المصلى الذي اعتكف فيه أبو حامد الغزالي وألف فيه كتاب إحياء علوم الدين.
ليست حجارة بل تاريخ.. الطابق الأرضي
بالنسبة للطبقة الأرضية (0) والتي تظهر في الصور، فيوجد للأقصى 15 باباً، 10 أبواب مفتوحة و5 مغلقة، المغلقة هي: باب الرحمة والجنائز شرقي الأقصى، وباب المنفرد والمزدوج، والثلاثي جنوبي الأقصى، وقد أغلقت بأمر من صلاح الدين الأيوبي بالحجارة. أما المفتوحة فثلاثة شمالي المسجد (باب الأسباط وباب حطة وباب العتم “الملك فيصل”)، وباب الأسباط هو الباب الوحيد الذي تدخل منه سيارات للمسجد، وقد شهد هذا الباب “هبة باب الأسباط” عام 2017، وهو يطل على ساحة الإمام الغزالي، وتوجد 7 أبواب غرباً (الغوانمة، الناظر، الحديد، القطانين، المطهرة، السلسلة، المغاربة).
ويوجد في هذا المستوى أكثر من 200 معلم تاريخي شاهد على التوسعات وتاريخ الاهتمام المرواني والفاطمي والمملوكي والعثماني بالمسجد الأقصى، وبعضها لا يزال قائماً حتى يومنا هذا برونقه الذي بني، وقد أضاف له الزمن قوة الشهادة على الأحداث، ورصداً للتاريخ، وعبقاً للذكرى والسير.
يوجد في هذا المستوى مسجد قبة الصخرة، والمصلى القبلي الجامع والذي يقال له خطأً المسجد الأقصى، فكل ما هو داخل حدود السور هو المسجد الأقصى، بما فيها التسويات التي أسفله، ويوجد به مسجد النساء ومسجد المغاربة، وتوجد به 13 مدرسة، و15 قبة أبرزها قبة الصخرة المذهبة التي تعد المعلم الأبرز في الأقصى، وقبة السلسلة التي بجوارها، والعديد من القباب التاريخية التي تشهد كل منهما عن عصر أو خليفة أو أمير مختلف.
كما يحتوي المسجد 8 بوائك، وهي البوابات التي بنيت بشكل قناطر عنقودية في عهد المماليك لأغراض جمالية، وكذلك يحتوي على 4 مآذن و3 أروقة أبرزها الشمالي والغربي، وأكثر من 16 سبيل ماء للوضوء والشرب، أشهرها سبيل الكأس، وبنيت في العهد الأيوبي والمملوكي والعثماني، أبرزها سبيل قايتباي السلطان المملوكي، وسبيل سليمان القانوني الخليفة العثماني الثاني.
كما توجد في المسجد 26 مصطبة بدأ بناؤها في عهد المماليك، ثم بني الباقي في عهد العثمانيين، والغاية منها استخدامها كمدارس للعلماء في فصل الصيف تستخدم في الصباح حتى الظهر، ومن العصر حتى المغرب، إذ تكون بشكل مربع أو مستطيل، ولا تكون مسورة ولا مسقوفة، وترتفع عن الأرض متراً.
أيقونات المسجد الأقصى
وهنا نرصد أحد أبرز معالم المسجد الأقصى؛ إذ توجد في المسجد الأقصى المدرسة التنكزية، حيث جزء كبير منها خارج حدود المسجد، وقد بناها سيف الدين أبو سعيد تنكز الأشرفي الناصري نائب السلطان في بلاد الشام في عهد السلطان المملوكي الملك الناصر محمد بن قلاوون، وقد صادر الاحتلال المدرسة وحولها إلى قسم شرطة.
وباب القطانين أحد أبرز الأبواب التي تلتقط عندها الصور، والذي عند الدخول منه تجد سبيل السلطان المملوكي قايتباي، كذلك باب المطهرة تدخل منه إلى قبة الصخرة مباشرة، وباب السلسلة هو أحد أهم أبواب المسجد الأقصى؛ لأن المقتحمين الصهاينة يخرجون من هذا الباب عند اقتحامهم للمسجد.
ويوجد باب المغاربة، وهو الباب الذي يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل منه بيت المقدس عندما أسري به، ويُسمى أيضاً بباب المغاربة وباب اليمن نسبة للطوائف التي سكنت إلى جواره، فقد أسكن صلاح الدين المغاربة الحي إلى جوار المسجد، وأقطعه لهم أبو الحسن علي بن يوسف بن أيوب ابن صلاح الدين، وسمي بحارة المغاربة، وبنوا فيها 135 بيتاً و4 مصليات وتكية سيدي بومدين الغوث، وقد هدمت في 3 أيام عام 1967 بعد احتلال القدس، ويسمي اليهود الباب باسم حاخام يهودي، الداخل منه على يمينه مسجد المغاربة، وعلى يساره مصلى البراق، وأمامه المسجد القبلي.
بنى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (المتوفى 96هـ) المسجد القبلي ذا القبة الرصاصية على 15 رواقاً، لم يبقَ منها إلا 7 أروقة، وذلك بسبب الزلازل، وقد كان أسفل المنطقة الشرقية منه مسجد عمر بن الخطاب الذي بناه بالخشب، ويقع اليوم تحديداً في مكان التسوية سالب واحد عند الأقصى القديم.
وفيه مكان أطلق عليه محراب زكريا. وبُنيت في المسجد القبلي دار المعرفة التي هدمت في عشرينيات القرن الماضي. ويوجد يمين المسجد القبلي مسجد النساء وكذلك مكتب الإمام، ومساحته 4 آلاف و400 متر، وهو مسقوف كاملاً، وقد يظن أنه المسجد الأقصى لكنه جزء صغير منه.
وفي المسجد القبلي عند المحراب نقش على الرخام، يذكر مآثر التحرير واسترداد القدس على يد صلاح الدين الأيوبي والقائم حتى يومنا هذا، وقد كان إلى جوار المحراب منبر نور الدين زنكي الذي أحرقه الصهاينة عام 1969م.
وبنى عبد الملك بن مروان مسجد قبة الصخرة الذي استغرق بناؤه أكثر من 3 سنوات، وانتهى البناء فيه عام 72هـ/691م، ومساحته 2050 متراً، وله 4 أبواب، وقبته الضخمة محمولة على 12 سارية و4 أعمدة كبيرة، مبنية على شكل مثمن منتظم، طول كل ضلع 20 متراً و60 سنتيمتراً بالضبط لكل ضلع، وقد كساها العثمانيون باللون الأزرق، فلم يكن في عهد الأيوبيين أو الأمويين أو العباسيين بهذا اللون.
وكتبت على كل وجه من الثمانية سورة ياسين، وكتبوا على رقبة القبة الآيات الأولى من سورة الإسراء، ولكل وجه من الثمانية نقش مختلف عن الآخر، إذاً فكل جدار له رسم ونقش زخرفي مختلف، وتحت القبة تقع الصخرة التي كانت هي مركز القبلة الأولى للمسلمين، وداخل تلك الصخرة الكبيرة التي يصل عرضها لـ18 متراً توجد مغارة ويوجد داخلها محرابان أحدهما بني في عهد الأمويين والآخر بناه الفاطميون.