حرية – 11/1/2024
سارة طالب السهيل
الجد والاجتهاد والذكاء والتعلم المستمر للمرأة لتطوير أدواتها وتوظيف مواهبها في اثبات ذاتها وتحقيق طموحاتها عمليا ، لا يشفع لدى المجتمع العربي المعاصر كي يعترف بنجاحها ومجهودها وذكائها وينسب شرف هذا النجاح اليها ، بل غالبا ما ينسب نجاح المرأة في أي من مجالات الحياة العلمية والعملية والسياسية الأدبية الى
دعم زوجها أو والدها أو لجمالها ونسبها او مالها أو حتى للكوتة السياسية و اكثر من يلصق هذه الاسباب لنجاح امراة هي امراة اخرى اقل نجاحا منها او رجل يشعر بالنقص وعدم الثقة بالنفس و المنجزات التي لم ينجزها.
وهذا يفرغ هذا النجاح من مضمونه ، ويسلب حق المرأة في الفخر والاعتزاز بجهودها وقدرتها على تحدي الصعاب لتحقيق طموحاتها ونجاحها فيه ، وفي ذلك اجحافا متعمدا للتقليل من شأن المرأة ونبوغها لصالح تفوق الرجل في غياب صريح للعدالة .
والغريب في الامر ان المرأة تتمتع بإرادة قوية وعندما تضع نصب أعينها هدفا فإنها تظل ورائه مهما كلفها الامر من مجهود وطاقة حتى تصل إلى تحقيقه ، وهي في ذلك لا تسعى الي منافسة الرجل في عمله او أدواره اطلاقا ، بل هي تنظر ذاتها وتستشعر كوامن الطاقات العقلية والفكرية والابداعية التي وهبها الله من كنوز ومواهب فتسعى الى تطويرها واخراجها الى النور وتوظيفها في عمل يشبع احتياجها لتحقيق الذات والتفوق ، بغض النظر عن أية عوامل نفسية اخرى او اية نظرة اجتماعية قد تنتقد تطلعاتها .
يحفل التاريخ الانساني بنماذج نسائية تكشف قدرات المرأة على الصبر والتحلي بالإيمان ، كما في قصة آسيا بنت مزاحم الذي ذبح فرعون ابنيها ، وأوتد لها أوتادا فشد يديها ورجليها استعدادا لقلتها بينما ذكائها الحاد في النظرة المستقبلية في الجنة جعلها تدعو الله ( رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ) متحملة صنوف العذاب حتى لقت ربها ضاحكة بمقعدها من الجنة وسط ذهول فرعون وحاشيته .
فعندما تملك المرأة اليقين لا تهاب شيء وتثق في قدرة الله على حمايتها وتحقيق أحلامها ، كما حدث في قصة هاجر زوجة خليل الله ابراهيم عندما تركها مع طفلاهما الصغير نبي الله اسماعيل في أرض لا زرع فيها ولا ماء ، ليختبر الله قدرتها على الصمود والايمان واليقين بالله ، وعندما سألت زوجها ألله أمرك بهذا ، اي ان تضعنا في هذه الصحراء الموحشة بمفردنا فأجابها نعم فقالت بعين اليقين اذن لن يضيعنا ، وهذا اليقين بالله والصبر في قلبها كان سببا في خروج ماء زمزم الشافي من الأمراض لكي نشربه بإذن الله حتى يومنا هذا .
بموجب ذلك ، فانه لا يجب حصر الذكاء والعبقرية في علوم محددة أو مواهب بعينها ، فالعبقريات متنوعة الاشكال والمواقف والخبرات ، والصبر واليقين من النجاح اذا استقرا في قلب المرأة وعقلها فإنها تتحول إلى أسد جسور يعبر التحديات و يتخطى النيران ليصيب هدفه ويحقق نجاحات مذهلة اسوة بالرجل دونما منافسة منها له ، بل هو استجابة لحاجة نفسية وعقلية تشبعها وتسعدها .
وهتاك من النساء عبر التاريخ من أوتين الحكمة والحنكة السياسية والادارة الناجحة “بلقيس“ ملكة سبأ وخبرتها بشئون السياسة والادارة واعتمادها مشاورة وزرائها برغم خبرتها في عرض نبي الله سليمان بأن تسلم لأمره وتنقاد ، وخشيتها على قومها من التعرض للذل والمهانة اذا حاربوا سليمان وجنوده .
فهذه الرؤية السياسية والخبرة بالإدارة والخوف على الوطن التي تتراسه يعكس عبقرية بلقيس ملكة سبأ .
و “ زينب تا فنزوات،” أشهر النساء الأمازيغيات في عهد المرابطين و” إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرئاسة ” ولقبها ابن خلدون . بزوجة الملوك ، ومن أجلها بنى السلطان أبي بكر بن عمر اللمتوني مدينة مراكش ، واستكمل يوسف بن تا شفين، الذي اتخذها زوجة له فيما بعد ، بناء العاصمة مراكش . عرفت بمهندسة توسع دولة المرابطين ومثبتة أركان الدولة المرابطية التي اخترقت شبه الجزيرة الإيبيرية وسيطرت على بلاد الأندلس .
أما “ خناثة بنت بكار “ ، زوجة المولى إسماعيل وأم السلطان عبد الله بن إسماعيل . هي أول امرأة تتولى الوزارة في المغرب وفي التاريخ الحديث ابان حكم الدولة العلوية ق 18، وساهمت سياسيا في صلح السلطان عبد الله مع قبائل الودايا ، ونسب إليها تثبيت اتفاقية السلام والتجارة مع بريطانيا العظمى ، وفقا لما ذكرته المراجع الإنجليزية باسم “كوينتا”.
مع استعراض بهذه النماذج البسيطة لذكاء المرأة ونجاحاتها وجدنا أن الازمان القديمة كانت تحتفي بإنجاز المرأة ولا تهدره ولا تسلبها فخرها به ، بل انها كانت تفخر بمنجز المرأة وتفوقها في أي من الميادين العلمية والعملية والفكرية والسياسية .
بينما ونحن في الألفية الثالثة للميلاد ، الذي قطعت فيه المرأة أشواطا كبيرة في التعلم ، فإنها تعاني من جاهلية اجتماعية وثقافية متعمدة تقصيها من قائمة الشرف الذي تستحقه ومن الاعتزاز بنجاحها الخاص الذي هو نتاج تعبها .
فهذا مرض اجتماعي وثقافي خطير ينخر في المجتمعات العربية ويعكس الرغبة الكامنة في الانفس البشرية في اضطهاد المرأة ووصمها بقلة الذكاء لصالح طغيان العاطفة لديها ، وهوما ينبغي معالجته فورا حتى تستقيم أخلاق المجتمع ويعطي كل ذي حق حقه من التقدير والانصاف .
وعمليا أثبت تقرير صادر عن مكتب أنشطة أصحاب العمل في منظمة العمل الدولية ، ان مشاركة المرأة للرجل في مجال الاعمال يحسن نتائج الاعمال التجارية ويجتذب ذوي الكفاءات ، التقرير معنون ب ” المرأة في الأعمال التجارية والإدارة : دراسة جدوى التغيير” استطلعت آراء 13 ألف شركة في 70 بلداً . وقد اتفق أكثر 57 % منهم علي أن مبادرات التنوع بين الجنسين حسنت نتائج الأعمال التجارية وأن الأرباح زادت بنسبة 5-20 بالمئة .
وفي تقديري ، ان احترام المجتمع لنجاح المرأة هو احترام لقيم المجتمع في العدل والمساواة ، وعندما يمنحها المجتمع حقها في النجاح وابرازه فان ذلك يكرس قيم الثقة في النفس لدى المرأة ويشجعها على مزيد من بذل الجهد لنجاحها ونجاح مجتمعها معا .