حرية – (15/1/2024)
لطالما اشتهر مناخ مكة المكرمة بكونه من بين الأدفأ والأكثر جفافاً في مدن المملكة العربية السعودية؛ فعلى مدار العام تقريباً تتعاقب فصول السنة باختلافاتها، دون أن تتسبب في الكثير من التغيير بدرجة حرارة مكة، التي تتراوح بين المعتدلة إلى الدافئة شتاءً، والمرتفعة بشكل حاد في فصل الصيف.
أسباب دفء مكة في فصل الشتاء
حول أسباب دفء مكة المكرمة في فصل الشتاء، يوضح أستاذ المناخ بجامعة القصيم سابقاً، ونائب رئيس جمعية الطقس والمناخ السعودية، عبد الله المسند، أن الأمر يرجع بشكل رئيسي للطبيعة الجيولوجية التي تتمتع بها هذه المدينة.
وقال المسند عبر حسابه الرسمي على منصة “إكس”، إن “من عوامل دفء مكة في الشتاء وجود المصدات الجبلية العملاقة، والمتمثلة بجبال الحجاز، والتي تحجب الكتل الباردة والقادمة من الشمال والوسط عن الوصول لمكة المكرمة”.
وتابع في منشوره الذي تم تداوله بشكل واسع عبر الموقع، أنه بسبب ارتفاع المنطقة عن مستوى سطح البحر بحوالي 300 متر فقط تقريباً، يتواصل دفء هذه المنطقة على مدى العام.
وأوضح المسند أنه لكون مكة المكرمة مدينة جنوبية نسبياً، وبعيدة عن المؤثرات الشمالية الباردة، والتي تؤثر على المناطق الشمالية والوسطى على سبيل المثال، فهي تتمتع بالدفء المستمر حتى في فصول الشتاء الأشد قسوة.
تأثير آلية نسيم البحر على مناخ مكة المكرمة
علاوة على ما سبق، يرى المتخصص السعودي أن قرب مدينة مكة المكرمة من البحر الأحمر يلعب دوراً في طبيعتها المناخية الدافئة، حيث يُسهم هذا القرب في فترة المساء بتدفئة السواحل، وتدفئة المناطق القريبة منها عبر آلية نسيم البحر.
وآلية نسيم البحر تلك تحدث نتيجة لتأثير فارق درجات الحرارة بين اليابسة والبحر. ففي فترة النهار يصبح سطح اليابسة أدفأ بشكل أسرع من سطح الماء، ما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الهواء فوق اليابسة، وفي الوقت نفسه يبقى سطح الماء بارداً نسبياً.
نتيجة لهذا الاختلاف في درجات الحرارة يتم توليد تيارات هوائية تنتقل من فوق البحر إلى اليابسة لتعويض فارق الحرارة. ويُعتبر هذا التيار الهوائي المتجه نحو اليابسة جزءاً من نسيم البحر، ويكون هذا النسيم رطباً نسبياً ولطيفاً، حيث يتم تلطيفه بفعل الماء البارد.
في المقابل، في فترة الليل يحدث العكس. يتم تبريد سطح اليابسة بشكل أسرع من سطح الماء، ما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الهواء فوق البحر. في هذا الوقت ينتقل التيار الهوائي من فوق اليابسة إلى البحر، ويكون هذا الهواء الذي يهبّ من اليابسة إلى البحر جافاً ودافئاً.
بالتالي تلعب آلية نسيم البحر دوراً مهماً في توزيع درجات الحرارة والرطوبة على المناطق الساحلية، وهي ظاهرة جوية تحدث بشكل يومي، وتؤثر على المناخ المحلي لهذه المناطق، والتي تُعد مدينة مكة من بينها.
اختلافات مناخية غير مسبوقة
رغم هذه الطبيعة الدافئة التي تتمتع بها مكة على مرّ التاريخ تقريباً، شهدت المنطقة اختلافات جذرية خلال الشهور الأخيرة؛ نتيجةً لتغير العوامل المناخية التي يشهدها العالم بسبب الاحتباس الحراري وتبعاته.
ففي يناير/كانون الثاني 2023، اكتست جبال وسهول مكة المكرمة بالخضرة، بعد هطول موجات غير مسبوقة من الأمطار على المنطقة، إضافة للحالة المطرية “مدرار”، التي هطلت تحديداً على منطقة مكة، ونتج عنها ظهور مساحات شاسعة من النباتات الخضراء على مد البصر، في حالة لم تشهدها هذه البقعة الجبلية الجافة من قبل.
وقد أرجع مدير المراعي في المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر بالسعودية، مشعل الحربي، أسباب هذه الموجة من الخضرة التي اكتست بها جبال منطقة مكة إلى الحالات المطرية المتتابعة التي شهدتها المنطقة لأيام عدة، والتي ساعدت على النمو السريع والكثيف للأعشاب الحولية والربيعية.
من جهته، أوضح عبد الله المسند، عبر حسابه الشخصي في “إكس” آنذاك، أن موجة الاخضرار تلك هي عبارة عن صورة ومشهد لما كانت عليه أرض العرب في آخر عصر الهولوسين، عندما كانت الرياح الموسمية الجنوبية الرطبة نشطة، وتبلغ أواسط أرض العرب، وتجلب الأمطار في فصل الصيف.
بدوره، اعتبر الأكاديمي البيئي، فرحان الجعيدي، أن الظاهرة المناخية التي تشهدها دول الخليج ليست بسبب تحولات مدارية، ولكن هناك تذبذب مناخي طبيعي لا يزال العلماء يطورون النماذج التي تساعد في فهم ديناميكيته.