حرية – (16/1/2024)
اعتبر معهد “المجلس الأطلسي” الأمريكي أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يرسل رسائل “متضاربة” حول انسحاب أو بقاء القوات الأمريكية في العراق، محذراً من أن العلاقات بين بغداد وواشنطن تقترب بسرعة من ديناميكيات حقبة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عندما قرر اغتيال نائب رئيس الحشد الشعبي (أبو مهدي المهندس) وقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني.
وبداية اعتبر التقرير الأمريكي الذي ترجمته ، أنه بعد عام من الاستقرار والتسامح المتبادل بين بغداد وواشنطن، فإن العلاقات بين البلدين دخلت منعطفاً نحو الأسوأ خلال الشهرين الماضيين.
وذكّر التقرير بأنه عندما تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه في العام 2021، كان التصور العام هو أن السياسة الأمريكية تجاه العراق ستتحدد من خلال الدبلوماسية، بخلاف النهج الصارم لإدارة ترامب، الذي تضمن التهديد بفرض عقوبات ومصادرة الأموال واستخدام القوة في تصفية الحسابات على الأراضي العراقية من دون موافقة بغداد.
السوداني والكاظمي
وبعدما لفت التقرير إلى أن رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي كان من أشد مؤيدي العمل بشكل وثيق مع الأطراف الفاعلة الدولية كافة، خصوصاً الولايات المتحدة، وأنه قام بتحويل العراق بمثابة لاعب إقليمي وعامل استقرار، أوضح أن العراق تمكن بنجاح من التوسط في نزاعات معقدة، كالنزاع بين إيران والسعودية.
كما أشار إلى أنه كنتيجة لذلك، فإن الكاظمي تمتع بعلاقة قوية مع إدارة بايدن، إلا أن خليفة الكاظمي، أي السوداني، لم يتمتع بدرجة مماثلة من الثقة خلال فترة رئاسته للحكومة منذ بدايتها في تشرين الأول/ أكتوبر 2022.
وأوضح التقرير أنه برغم تمكنه من تأمين هدنة مدتها عام بين الولايات المتحدة والفصائل السياسية والمسلحة العراقية التي ترفض الوجود العسكري الأمريكي في العراق، وتلقيه الدعم المعلن من إدارة بايدن، إلا أن السوداني لم يسافر إلى واشنطن حتى الآن، في حين أن الهدنة الأمنية انتهت بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، مستبعداً أن يتم استقبال السوداني في البيت الأبيض قريباً.
الاغتيالات الأمريكية
ورأى التقرير أنه “لن يكون من المبالغة القول إن العلاقات العراقية الأمريكية تتسارع باقترابها من الديناميكيات التي سجلت في ظل إدارة ترامب في العام 2020، عندما قتلت غارة أمريكية بطائرة مسيرة المهندس وسليماني، وهو ما دفع مجلس النواب إلى إصدار قرار يدعو إلى انسحاب القوات الأمريكية”.
والآن، يقول التقرير إن غارة أمريكية في 4 كانون الثاني/ يناير الجاري، قتلت داخل بغداد القيادي في الحشد الشعبي مشتاق جواد السعيدي، وذلك بالتزامن مع ذكرى اغتيال المهندس وسليماني.
وذكّر التقرير بأن الرئاسة العراقية ومكتب رئيس الوزراء ووزارة الخارجية أصدرت ثلاثة بيانات تدين الغارة الجديدة، واصفة إياها بأنها “انتهاك للسيادة وخرق للاتفاق الثنائي بشأن قواعد الاشتباك وشروط تواجد القوات الأمريكية في العراق”، ووصفها المتحدث باسم القوات المسلحة اللواء يحيى رسول، بأنها “عدوان سافر.. وعمل يشبه الأنشطة الإرهابية”.
كما أشار إلى تصريح المتحدث باسم البنتاغون عندما قال “موجودون في البلاد بدعوة من الحكومة العراقية متمركزون هناك لسبب واحد، وهو دعم مهمة هزيمة داعش. وأنه عندما تتعرض تلك القوات للتهديد، تماماً كما نفعل في أي مكان آخر في العالم، فسوف نحتفظ بالحق الأصيل في الدفاع عن النفس لحماية قواتنا”.
رسائل تهدئة
إلا أن التقرير أشار إلى أن عبارة هذا “الحق الأصيل في الدفاع عن النفس” هي التي كانت تخلق أزمة ثنائية في كل مرة تطبق في العراق، مضيفاً أن ردة فعل الحكومة العراقية عبر عنها السوداني عندما وصف الغارة الأمريكية الجديدة بأنها “جريمة”، متعهداً بإنهاء وجود قوات التحالف الدولي من خلال الحوار في اللجنة الثنائية المشتركة.
إلا أن السوداني وبرغم التصريحات القوية العديدة التي تم الإدلاء بها في الأيام القليلة الماضية، فإنه وجّه رسالة مهدئة إلى الولايات المتحدة عندما قال لوكالة “رويترز” إن المحادثات المقبلة للتفاوض على إنهاء وجود القوات في العراق لا تعني نهاية الشراكة بين العراق والتحالف الدولي، وأنما بداية لعلاقات ثنائية بين العراق والولايات المتحدة ودول أخرى، بما في ذلك العلاقات الأمنية.
وتابع التقرير أن الشهور القليلة المقبلة هي التي ستكشف ما إذا كانت الحكومة العراقية تعتزم التمسك بالموقف الذي أعلنه السوداني وما إذا كان سيقدم طلباً رسمياً بسحب القوات الأمريكية، أم أن تصريحه هذا، مثلما يدعي المشككون، جاء بهدف الاستهلاك المحلي.
وختم التقرير بالقول إنه من الصعب تفسير فشل المسؤولين الأمريكيين الذين يشددون على أن تواجد القوات الأمريكية في العراق قائم على دعوة من الحكومة العراقية، في رؤية المفارقة في الإدانات الجماعية لأفعالهم الصادرة عن أطراف القيادة العراقية كافة.
وتابع التقرير قائلاً إنه في الوقت نفسه، فإن من الصعب أيضاً تفسير سبب فشل الحكومة العراقية، التي تؤكد حماية “ضيوفها” من القوات الأمريكية من الهجمات التي تشنها الفصائل تصفها الحكومة بأنها تنتمي إلى قوات الأمن العراقية، والتي من المفترض أنها تعمل وفق الصلاحيات التي يمنحها لهم القائد الأعلى.
وخلص التقرير الأمريكي إلى القول إن الوقت قد حان بالنسبة إلى حكومتيّ العراق والولايات المتحدة لكي تراجعا التزاماتهما، وتوفيان بها، بدلاً من الخلط ما بين الشراكة والعدوان.