حرية – (20/1/2024)
شهدت منطقة غرب باكستان تصعيداً خطيراً بين باكستان وإيران، جراء قيام إيران باستهداف إقليم بلوشستان، إذ استهدفت يوم الثلاثاء 16 يناير/كانون الثاني 2024، منظمة جيش العدل الانفصالي ذي المرجعية الإسلامية السنّية، ويدعو التنظيم إلى وحدة الشعب البلوشي واستقلاله عن إيران وباكستان وأفغانستان.
سحبت باكستان سفيرها من إيران وأغلقت الحدود معها، وعززت قوات عسكرية، فيما يبدو، إمكانية نزاع بين البلدين، إذ اعتبرت باكستان قصف جيش العدل اختراقاً لأعمال السيادة الوطنية. وقد قامت بالرد باستهداف جيش تحرير بلوشستان ذي المرجعية اليسارية المدعوم هندياً، داخل إيران دون إخطارها كما كان التنسيق بينهم في مواجهة التمرد البلوشي على حدود البلدين.
لباكستان وإيران تاريخ طويل في الصراع مع البلوش، إذ تستوطن عرقية البلوش إيران وأفغانستان وباكستان بصورة أساسية.
ولمنطقة البلوش تاريخ من الصراع والتهميش، إذ تطل على الخليج العربي وبحر عمان، وقد خضع الجزء الساحلي من الإقليم لحكم البوسعيديين في مسقط، إذ تعتبر مكران وجوادر جزءاً أساسياً من أمن الملاحة في الخليج.
من هم سكان بلوشستان؟
يسكن الإقليم عرقية البلوش، وهم مسلمون سنّة، وتنتشر العرقية غرب باكستان وجنوب غرب أفغانستان وشرق إيران، يعتبر التواجد الأكبر لهم في باكستان، غير معروف عددهم على وجه التحديد، إلا أن عددهم يتجاوز تقريباً 7 ملايين نسمة، يتواجد في إقليم بلوشستان 50% من عرقية البلوش الباكستانيين، و40% من بلوش متواجدين في إقليم السند.
أما إيران، ويتراوح عدد البلوش فيها بين 2.6 و3 ملايين نسمة، وفي أفغانستان يتجاوز 600 ألف نسمة، أما سلطنة عمان ويشكلون 300 ألف نسمة، والإمارات العربية ما يقرب من 100 ألف نسمة.
يعتقد أن تسمية البلوش جاءت من عرقية “بالاشيك” التي كانت تعيش بين بحر قزوين وبحيرة فان في تركيا، وانتقلوا جنوباً في عهد الدولة الساسانية 226-651م، يعتقد آخرون أن تسميتهم جاءت من اللغة السنسكريتية من مقطعين، الأول يعني القوة، والثاني يعني العلو والرفعة.
وسمى الهنود جيش الفاتحين المسلمين “الأجانب البلوش” ومن الوارد أنهم أسلموا بشكل مبكر مع انهيار الإمبراطورية الساسانية الفارسية، أو أن المعنى الفعلي للكلمة أن البلوش هم سكان هاجروا إلى المنطقة وينظر لهم كأجانب، وكل أجنبي يحمل نفس اللقب. وهذه فرضية ضعيفة، نظراً لأن التداخل الجيني للبلوش مشترك.
ويعتقد البلوش أنفسهم أنهم من نسل حمزة ابن عبد المطلب، عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم عرب انتقلوا من حلب إلى هنالك، ويتحدث البلوش اللغة البلوشية، وهي لغة محورة من الفارسية، بالإضافة إلى تحدثهم باللغة الفارسية، ويُعتقد أنهم موجودون منذ قديم الأزل في تلك المنطقة أي منذ حضارة وادي السند قبل 9 آلاف عام.
خلال صدر الإسلام كانت بلوشستان تخضع لسيطرة الإمبراطورية الساسانية الفارسية، وخضعت لمملكة “الراي” التي انتصر عليها المسلمون عام 644 م في معركة مكران بقيادة سهيل الخزرجي، التي أنهى بها عمر بن الخطاب حدود المسلمين وقتها عند نهر السند.
تاريخ بلوشستان الحديث
كان لبقية الإقليم مسيرة أخرى، إذ كانت السيطرة العمانية على ساحل بلوشستان، لكنها لم تشمل كل أراضي الإقليم. يُعتقد أن أصول الحركة الانفصالية بدأت بسبب خانية قلات، وهو نظام حكم الذي أنشأه مير أحمد الأول عام 1666. وهو أول توحيد سياسي لعرقية البلوش عبر سلطة مركزية في قلات.
احتلت خانية قلات أجزاء مركزية من الأراضي في بلوشستان الحالية، وكانت واحدة من الولايات الأميرية الأربع في المقاطعة الحديثة الخاضعة للحكم البريطاني، وهي مكران ولاس بيلا وخاران وقلات.
بلغت خانية قلات أكبر تمدد لها في عهد مير نوري ناصر خان الأول عام 1758، إذ أبرم لأول مرة حلف مع الأفغان، واشتركا في قتال السيخ والفرس الصفويين والمراثا في الهند، وامتدت حدود قلات حتى ديرا غازي خان في الشرق وبندر عباس في الغرب وإلى مدينة كراتشي.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1839، غزا البريطانيون قلات قتل الخان أثناء الغزو هو وأغلب جيشه، ساعدت سلطنة البوسعيديين في الاحتلال البريطاني للإقليم، إذ كانت تسيطر على الساحل في بلوشستان، وظلت تسيطر عليه.
بعدها تزايد النفوذ البريطاني في المنطقة تدريجياً، في عام 1869 انتهى الوكيل السياسي البريطاني روبرت جروفز ساندمان بالتوسط في نزاع بين خان قلات وساردار بلوشستان، وأنشأ التفوق البريطاني في المنطقة، وضم مقاطعات أخرى إلى سلطة المعتمد البريطاني.
سعت الرابطة الإسلامية بقيادة محمد علي جناح في الفترة 1927-1947 إلى إدخال إصلاحات في بلوشستان لجعلها على قدم المساواة مع المقاطعات الأخرى في الهند البريطانية.
في القرن العشرين كان لدى الطبقة الوسطى البلوشية المتعلمة آمال في استقلالها عن الحكم الاستعماري البريطاني. لقد شكلوا حركة قومية الأنجومان “اتحاد بلوشستان” في عام 1931، إذ كانت مطالبهم إنشاء حكومة دستورية تحت قيادة عزام جان.
نجحوا في تنصيب عزام جان باعتباره الخان، لكن الخان الجديد وقف إلى جانب السردار وأدار ظهره للأنجومان. كان خليفته مير أحمد يار خان أكثر تعاطفاً مع أنجومان، لكنه لا يفضل الإخلال بعلاقاته مع البريطانيين.
واصل أنوجمان، الذي تحول إلى الحزب الوطني لولاية قلات (KSNP)، النضال من أجل الاستقلال عن البريطانيين. وأعلن الخان أنها غير قانونية في عام 1939 وتم نفي قادتها ونشطائها. مهد هذا الطريق لتشكيل أحزاب سياسية جديدة، تحالف رابطة مسلمي بلوشستان مع الرابطة الإسلامية في يونيو/حزيران 1939، وتحالف أنجومان الوطن مع المؤتمر الوطني الهندي في نفس العام بقيادة عبد الصمد خان أشاكزاي.
عارضت أنجومان الوطن تقسيم الهند، وأرادت الهند الموحدة بعد حصول البلاد على استقلالها من بريطانيا، وبذلك حدث انقسام بين من يريد الوحدة مع باكستان، وأغلبهم ذوو توجه حركي إسلامي، وآخرين فضلوا الوحدة مع الهند.
خلال فترة حركة الاستقلال الهندية، كان الرأي العام في بلوشستان، على الأقل في كويتا وغيرها من المدن الصغيرة في شمال بلوشستان، لصالح باكستان بأغلبية ساحقة. بدأ الكونغرس المؤيد للهند، والذي استقطب الدعم من الهندوس وبعض المسلمين، بعد أن شعر أن الدوافع الجغرافية والديموغرافية لن تسمح بضم الإقليم إلى الهند المستقلة حديثاً.
شجّعت الهند العناصر الانفصالية في بلوشستان وغيرها من المقاطعات ذات الأغلبية المسلمة مثل الحدود الشمالية الغربية. كان البلوش يستندون أن خان دولة ذات سيادة استناداً إلى اتفاق أبرم عام 1876 مع بريطانيا، وأنها تستحق الاستقلال وهو ما قبله المفوض البريطاني مونتباتن، ولم تقبله باكستان، وفي ظل نزاع بيروقراطي باكستاني، قبلت بريطانيا أن تضم إقليم بلوشستان إلى باكستان.
بلوشستان جزء من سلطنة عمان
يقع ميناء جوادر على ساحل مكران في بلوشستان، وحصل العُمانيون عليه لأول مرة في سنة 1784 عندما تنازل حاكمه ناصر خان قلات عن المنطقة إلى سلطان بن أحمد بن سعيد، إذ قام بثورة ضد أخيه، متخذا من مكران وميناء جوادر كقاعدة للثورة، موحداً بين بلوشستان والبحرين وعمان، حتى نال عرش مسقط.
وفي صراعه الطويل مع القواسم في رأس الخيمة، ومع آل سعود في نجد، توصل سلطان بن أحمد إلى اتفاق تحالف مع بريطانيا 1798 تقوم بموجبه بدعمه في تلك الصراعات، وهو أحد أسباب النفوذ البريطاني المتعاظم في إقليم بلوشستان.
وظلت جوادر في معظم تاريخها تتكون من مجتمع صغير يقوم اقتصاده على الصيد. وفي سنة 1863 حاول خان قلات “الحاكم لإقليم قلات في بلوشستان” إعادة ضم جوادر إلى الأراضي الخاضعة لحكمه، وأن ينهي الوضع الشاذ لهذه المقاطعة العُمانية على ساحل بلوشستان ولكن البريطانيين وقفوا له بالمرصاد.
وحاولت الهند وحاكم قلات لإغراء بريطانيا بشراء ميناء جوادر من العُمانيين، وذلك لما تتمتع به المنطقة من النفوذ على ممرات حيوية تتعلق بشركة الهند الشرقية، والتي تسمح لأي نافذ على الخليج بنفوذ سياسي وعسكري في منطقة بحر العرب.
المال مقابل ساحل بلوشستان
لم تتخلَّ عمان عن ساحل مكران وميناء جوادر للعروض الإقليمية، لكنها تنازلت عن جزء من سيادتها لبريطانيا عام في 19 أبريل/نيسان 1914، إذ طلبت بريطانيا التنقيب عن النفط في المنطقة عبر شركة بورما للنفط، وقد وافق السلطان تيمور بن فيصل على التنازل عن التنقيب فيها مقابل دعمه عسكرياً ضد المتمردين.
وتكرر الأمر عام 1939 مع الوكيل البريطاني في مسقط توم هيكينبوثام، والسلطان سعيد بن تيمور، إذ اقترح التنازل على جوادر والساحل البلوشي للهند مقابل الحصول على أموال لمنع تآكل شرعيته مقابل التنافس مع إمامة “نزوي” التي كان يتولاها آنذاك محمد بن عبد الله الخليلي، إمام الإباضية في عُمان.
وقد تناولت بريطانيا المقترح على ثلاثة مستويات: عدم إعطاء مبلغ وضم جوادر إلى الهند، أو احتلال مسقط وجوادر كليهما والسيطرة على الكاملة على بحر عمان والخليج العربي، أو دفع المبلغ الكبير مع أن المردود لا يكفي.
لكنها لم تتم؛ إذ بقي الوضع على ما هو عليه بسبب الحرب العالمية الثانية، كما تتمتع بريطانيا بالسيادة نسبياً في تلك المنطقة، أضف إلى ذلك احتلالها لإيران بمشاركة الاتحاد السوفييتي، فلم تكن بحاجة لإنفاق أي مبلغ في ذلك الوقت ولا تغيير الوضع العام لساحل بلوشستان الذي ما زالت تسيطر عليه سلطنة عمان حتى وقتها.
انتهى الدور البريطاني في هذه المسألة عام 1947 عندما نالت الهند استقلالها، وحلت قضية جوادر العُمانية أخيراً في عام 1958، عندما تنازل السلطان سعيد بن تيمور عن المقاطعة إلى باكستان مقابل ثلاثة ملايين دولار أمريكي. لم يكن الساحل ذا أهمية تذكر فلم تكتشف احتياطيات النفط بعد.
على الرغم من ذلك، قررت الحكومة الباكستانية في تسعينيات القرن العشرين الاستفادة من الإمكانيات الاستراتيجية لجوادر عن طريق تطويرها كميناء رئيسي في أعماق البحر مع ربطه بالبنية الأساسية للطرق والسكك الحديدية في البلد. وقد تلقت جوادر منذ ذلك الحين استثمارات صينية كبيرة، وهي اليمن ضمن استراتيجية الحزام والطريق.
تاريخ الصراع في بلوشستان
انضمت ولايات مكران ولاس بيلا وخاران في إقليم بلوشستان إلى باكستان في 29 يونيو/حزيران 1947م، لكن حاكم ولاية قلات أحمد يار خان، أعلن استقلال قلات ذلك للخيار الذي منحه رئيس الوزراء البريطاني كليمنت أتلي للولايات بإعلان استقلالها.
انضمت قلات أخيراً إلى باكستان في 27 مارس/آذار 1948 بعد ضغوط غربية. أدى توقيع أحمد يار خان على وثيقة الانضمام إلى قيام أخيه الأمير عبد الكريم بالثورة ضد قرار أخيه في يوليو/تموز 1948. رفض الأمراء آغا عبد الكريم بلوش ومحمد رحيم إلقاء السلاح، وقادا دوشت جلاوان في هجمات غير تقليدية على الجيش حتى عام 1950. خاض الأمراء معركة منفردة دون دعم من بقية بلوشستان، سمح الرئيس الباكستاني علي جناح وخلفاؤه ليار خان بالاحتفاظ بلقبه حتى حل المقاطعة في عام 1955.
تجدد بعدها بسنوات صراع جديد في 1958 نزاع قبلي في بلوشستان مع الدولة، إذ رفضوا سياسة “الوحدة الواحدة” التي فرضها رئيس الوزراء الباكستاني محمد علي بوغرا، بضم الولايات الأربع في الغرب وتأسيس وحدة واحدة منها تسمى باكستان الغربية ضمن دولة باكستان، وقد اعتبر ذلك تهميشاً للبلوش، وقلل من التمثيل الحكومي لزعماء القبائل.
قاد التمرد الرابطة الإسلامية ونواب نوروز خان “بابو نوروز”، إذ حملوا السلاح لمقاومة سياسة الوحدة الواحدة، وبدأ هو وأتباعه حرب عصابات ضد باكستان، وتم القبض عليهم واتهامهم بالخيانة وسُجنوا في حيدر أباد.
يعتبر بابو نوروز بطلاً قومياً بالنسبة للبلوش، فقد كان مناطلاً ضد البريطانيين ثم تمرد ضد الحكم المركزي في باكستان، وعندما طلب منه التفاوض مع الدولة في 1958 نزل هو وسبعة آخرون ومنهم ابنه من الجبال، وغدرت بهم الدولة وأسرتهم ثم حكم عليهم بالإعدام.
وبسبب سنه الكبيرة فقد كان عمره قد تجاوز الثمانين خفف عنه الحكم للسجن مدى الحياة، وعند إعدام ابنه جيء بجثته إليه في السجن، فقام الرجل الثمانيني برفع شارب ابنه في علامة على الشجاعة والقوة التي قاتل بها ببسالة، إذ ستكون تلك الحادثة حاضرة في الذاكرة الحية للبلوش.
توفي نواب نوروز خان في الأسر في 25 ديسمبر/كانون الأول 1965م، لم تلق حركته المسلحة دعماً من القبائل البلوشية، لكنها قدرت وستكون وقوداً للصراع مع الحكم المركزي في باكستان، كما أنها ستكون أيضاً سبباً في تهميش البلوش في البلدين، باكستان وإيران.
بعد الصراع الثاني اكتسبت الحركة الانفصالية البلوشية زخماً في الستينيات، كلفت الحكومة الفيدرالية الجيش الباكستاني ببناء عدة قواعد جديدة في المناطق الرئيسية في بلوشستان. قاد شير محمد بيجراني ماري المسلحين ذوي التفكير المماثل إلى حرب العصابات من عام 1963 إلى عام 1969 من خلال إنشاء قواعد خاصة لشن الهجمات على الجيش الباكستاني.
كان هدفهم هو إجبار باكستان على تقاسم الإيرادات المتولدة من حقول غاز سوي مع زعماء القبائل، إذ يحوز إقليم بلوشستان ثروة طبيعية كبيرة. قصف المتمردون خطوط السكك الحديدية ونصبوا كميناً للقوافل العسكرية، ورد الجيش بتدمير معسكرات المسلحين.
انتهى هذا التمرد في عام 1969، بموافقة الانفصاليين البلوش على وقف إطلاق النار، ثم في عام 1970 ألغى الرئيس الباكستاني يحيى خان سياسة “الوحدة الواحدة” التي كانت سبباً لهذا التمرد والذي قبله، أدى ذلك إلى الاعتراف ببلوشستان باعتبارها المقاطعة الرابعة في غرب باكستان، وجوادر وهي منطقة ساحلية تبلغ مساحتها 800 كيلومتر مربع التي اشترتها الحكومة الباكستانية من عُمان.
استمرت الاضطرابات في السبعينيات، وبلغت ذروتها بعملية عسكرية أمرت بها الحكومة الباكستانية في المنطقة، ففي عام 1973 قامت الرئيس بوتو بإقالة حكومتي بلوشستان والاقليم الحدودي الشمالي الغربي بحجة الخيانة، وفرضت الأحكام العرفية في تلك المناطق، ما أدى إلى تمرد مسلح.
شكل خير بخش مري جبهة تحرير شعب بلوشستان (BPLF)، ودعمت الهند المنظمة. بمساعدة إيران، ألحقت القوات الباكستانية خسائر فادحة بالانفصاليين، تراجع التمرد بعد العودة إلى هيكل المقاطعات الأربع وإلغاء نظام سرداري.
من باكستان إلى إيران.. عقود من تهميش البلوش
في أوائل عام 2005، اغتصب ضابط الطبيبة (شازيا خالد) في منشأة سوي للغاز، أدى ذلك لانتفاضة قبيلة بوجتي في بلوشستان بسبب تكتم الشرطة على الفاعل في عهد برويز مشرف.
صرح مشرف على التلفزيون الرسمي بأن المغتصب المتهم، وهو ضابط ذكر اسمه مند ون كنية “النقيب حماد” بأنه غير مذنب، أدى إلى انتفاضة عنيفة من قِبل البوجتي، ما أدى إلى تعطل إمدادات الغاز إلى معظم أنحاء البلاد لعدة أسابيع.
في أغسطس 2006، قُتل نواب أكبر خان بوجتي، 79 عاماً، في القتال ضد الجيش الباكستاني، والذي قُتل فيه أيضاً ما لا يقل عن 60 جندياً باكستانياً و7 ضباط. واتهمته الحكومة الباكستانية بالمسؤولية.
واستمرت أعمال التمرد، بعضها بدعم من الهند، إلا أن سببها الرئيسي تهميش عرقية البلوش، وبلغ مدى الأمر التنسيق مع الجيش الإيراني والحرس الثوري في تنفيذ ضربات للبلوش، واتسعت رقعة الإعدامات؛ إذ بلغت حد الإعدام في الميادين في سيستان وبلوشستان الإيرانية.
ومع زيادة التهميش للبلوش في شرق إيران، ومشاركة الحرس الثوري في وأد تطلعاتهم، وخروج بعض تمردات البلوش تأسست جماعة جند الله بقيادة عبد الملك ريجي، تم القبض على ريجي في ظروف استثنائية في فبراير/شباط 2010 عندما أجبرت طائرات مقاتلة إيرانية طائرة ركاب كان مسافراً على متنها إلى قيرغيزستان على الهبوط في إيران، وتم إعدامه في يونيو/حزيران من العام نفسه، في الميدان.
تأسس جيش العدل في 2012 على يد أتباع جند الله، وقادها صلاح الدين فاروقي، قتلت طالبان أفغانستان أمير ناروي شقيق فاروقي، كما أعدمت إيران العشرات من البلوش بتهمة الانضمام لحركة العدل التي كان آخرها إعدام 21 شخص في مايو/أيار 2023. وأعدمت إيران في ثمانية أشهر من أغسطس/آب عام 2022 حتى منتصف 2023 أكثر من 130 بلوشياً.
منذ عام 2014 استهدف الانفصاليون أيضاً المشاريع المرتبطة بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC)، وهو مشروع بقيمة 58 مليار دولار يعد جزءاً من مبادرة الحزام والطريق في بكين (BRI) والتي تمر أجزاء كبيرة منه عبر بلوشستان الغنية بالمعادن. واتهمت إيران أمريكا والسعودية بدعمهم.
تحالف جيش العدل مع الكرد، كما أنه رفض التدخل الإيراني في سوريا، وازدادت هجماته داخل إيران وأوقع العديد من القتلى، وقد كلف النزاع الأهلي العديد من القتلى من الطرفين، إذ يعتمد النزاع على ضربات بين الطرفين من دون اشتباك مباشر.
حتى في الإطار السلمي استخدمت إيران القمع ضد البلوش، ففي 30 سبتمبر/أيلول 2022 قُتل أكثر من 80 شخصاً، وفقاً لمنظمة العفو الدولية، عندما فتحت قوات الأمن النار على احتجاج في مدينة زاهدان الرئيسية في سيستان وبلوشستان، فيما أصبح يُعرف باسم “الجمعة الدموية”.
ولطالما اشتكى الناشطون من أن المنطقة كانت ضحية للتمييز الاقتصادي والسياسي من قبل القيادة الدينية الشيعية في إيران؛ إذ يوجد أعداد كبيرة من البلوش الذين تم شنقهم أثناء عمليات الإعدام، ولا سيما بتهم المخدرات.