حرية – (20/1/2024)
كشف تقرير بريطاني، اليوم السبت، أن العراق أصبح ساحة “القتال المفضلة” لإيران والولايات المتحدة وتصاعد ذلك منذ حرب غزة، وفيما بيّن أن الحرب في فلسطين تمثل فرصة لطهران وفصائلها المرتبطة بها لإخراج القوات الامريكية من العراق، أكد ان واشنطن تمتلك “عصا الدولار” الذي يمكن لها أن ترفعه لمنع “طردها” من العراق، لافتا الى مفارقة بأن طهران والفصائل المتشددة تستفيد من علاقات العراق الاقتصادية مع الغرب للحصول على الأموال.
وقال موقع “ميدل إيست آي” البريطاني في تقرير , انه “عندما وصل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الى نيويورك في سبتمبر/أيلول الماضي للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، كانت هناك هدنة بين القوتين الاجنبيتين، إيران والولايات المتحدة، حيث جمدت الفصائل المدعومة من إيران هجماتها على القوات الامريكية”.
واوضح التقرير البريطاني ان “السوداني جاء الى نيويورك في ظل فترة الهدوء هذه، وجرى تكريمه ضمن حفلات الاستقبال الفاخرة مع رجال الاعمال والدبلوماسيين الغربيين على هامش الجمعية العامة، حيث كان يروج لاقتصاد العراق لجذب الاستثمارات اليه، الا انه بعد 4 شهور على ذلك، كان السوداني يندد بكل من واشنطن وطهران لشنهما ضربات قاتلة في بلده، في حين أن دعواته لانسحاب القوات الامريكية من العراق، طغت على عروضه الاستثمارية أمام النخبة العالمية في مؤتمر دافوس.”
وتابع التقرير أن “ما لا يقل عن 70 هجوما نفذوا ضد القوات الامريكية في العراق منذ بدء هجوم حماس على اسرائيل في 7 اكتوبر/تشرين الاول الماضي، فيما ردت واشنطن بتنفيذ غارة قاتلة في بغداد ضد قيادي في الحشد الشعبي”.
واضاف ان “العراق لم يكد يوبخ الولايات المتحدة بسبب الضربة، حتى اطلقت ايران وابلا من الصواريخ على مدينة اربيل، وهو أيضا ما ندد بها السوداني”.
واعتبر التقرير ان “التوبيخ العراقي المزدوج لايران والولايات المتحدة، يسلط الضوء على الحبل المشدود الذي تسير عليه بغداد في وقت تنتشر فيه الحرب في غزة خارج حدود القطاع الفلسطيني المحاصر، في حين تستعرض طهران وواشنطن عضلاتهما في كافة أنحاء المنطقة وتتنافسان في سياق حرب بالوكالة، بما في ذلك في لبنان واليمن”.
الا ان التقرير رأى أن “الصراع ربما يكون في أشد حالاته تعقيدا وتعقيدا، في العراق”.
ونقل التقرير عن الباحث في “معهد تشاتهام هاوس” البريطاني ريناد منصور “ان الحكومة العراقية ضعيفة ومنقسمة وليست قادرة أساسا على السيطرة على الصراع على حدودها من القوى الاجنبية”، مضيفا ان العراق “برز باعتباره ساحة اللعب المفضلة، حيث يمكن للولايات المتحدة وإيران أن تتقاتلا فيها، وخطر التصعيد فيه، أقل بالنسبة لكليهما. ويمكنهما ابراز قوتهما وتنافسهما على النفوذ”.
وتابع التقرير القول انه “بالنسبة لإيران وحلفائها العراقيين الذين يهيمنون على حكومة بغداد، فان الحرب في غزة، قدمت فرصة لتحقيق هدفهم المتمثل في طرد الولايات المتحدة من العراق”.
ونقل التقرير عن مسؤول أمريكي كبير سابق وعن مسؤول عراقي قولهما “هناك تنسيق متزايد بين القوى المدعومة من ايران في العراق وحزب الله اللبناني لتحقيق هذا الهدف”.
وبحسب المدير السابق لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي بالبيت الابيض اندرو تابلر، فانه “بدلا من مهاجمة اسرائيل، ما نشاهده في العراق هو المزيد من الهجمات على القوات الامريكية”.
وبعدما لفت التقرير إلى أن “المبرر القانوني للولايات المتحدة لوجودها في سوريا يستند على اتفاقها مع بغداد”، نقل عن تابلر قوله مشيرا الى اربيل ان عاصمة اقليم كوردستان “مهمة للغاية لدعم (الوجود الامريكي) في سوريا، حيث أن الولايات المتحدة بحاجة إلى أن تكون لديها القدرة على تحريك القوات والامدادات على الطريق البري بين الحدود العراقية وسوريا.”
وبحسب مسؤول أمريكي سابق، فان “ادارة بايدن وبغداد كانتا تتفاوضان بالفعل حول مستقبل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق قبل اندلاع الحرب في غزة، الا ان الحرب غيرت نهج واشنطن في المحادثات”، موضحا انه “لا يبدو من الجيد البحث في الانسحاب عندما يهاجم الايرانيون الجنود الامريكيين بالصواريخ والطائرات المسيرة، ولهذا هناك شعور لدى الادارة (الامريكية) باننا بحاجة الى ووقف هذه المحادثات موقتا”.
واشار التقرير الى انه “في الوقت الذي تشن فيه الولايات المتحدة غارات محدودة النطاق ضد خلايا داعش في المنطقة، فإن واشنطن تنظر الى وجودها العسكري في شمال شرق سوريا باعتباره ثقلا موازنا رئيسيا لإيران وروسيا، اللتين تدعمان حكومة بشار الأسد في سوريا”.
في هذا الإطار، نقل التقرير عن المبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى سوريا جويل رايبورن قوله إن “مهمة الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا تعتمد على العراق”.
وبعدما استعرض التقرير مراحل الانخراط العسكري الامريكي في العراق وسحب القوات منه، قال التقرير إن “عجز الحكومات العراقية المتعاقبة عن كبح جماح السلطات القوية لوحدات الحشد الشعبي، أدى إلى زرع الخلاف بين بغداد وواشنطن”.
ونقل التقرير عن الباحث في “معهد المجلس الأطلسي” الأمريكي عباس كاظم قوله إنه برغم اندلاع قتال بشكل متقطع بين الفصائل المسلحة واجهزة الامن العراقية، فان “كلفة محاربة الميليشيات بالنسبة للحكومة العراقية اعلى بكثير من تكلفة الإبقاء عليها”.
واضاف قائلا انه “بالنسبة الى واشنطن، فان هذا الامر يعتبر ملحا لانهم يتعرضون للهجوم، لكنها ليست ازمة بالنسبة للدولة العراقية، اذ ان الميليشيات تقاتل في نفس الخندق الذي تقاتل فيه الحكومة العراقية”.
ولفت التقرير إلى ان “وحدات الحشد الشعبي اكتسبت المزيد من النفوذ تحت حكم السوداني”.
ونقل التقرير عن الباحث في “معهد واشنطن” الأمريكي مايكل نايتس قوله إن “الميليشيات المدعومة من إيران كان لها وجود أكثر وضوحا في شوارع بغداد خلال فترة ولاية السوداني، حيث أقامت نقاط تفتيش جديدة”، مضيفا أنها “عززت أنشطتها التجارية أيضا”.
وبرغم ذلك، لفت التقرير الى ان “المسؤولين الاميركيين والعراقيين الحاليين والسابقين يقولون أن بغداد تسعى الى الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع واشنطن”.
وبعدما أشار التقرير الى “عمق العلاقات الاقتصادية والثقافية التي تربط إيران والعراق”، إلا أنه قال ان “الموارد المالية للعراق مرتبطة أيضا بشكل معقد بالولايات المتحدة”، مشيرا إلى أن “عائدات مبيعات النفط العراقي تودع في البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في نيويورك”.
وأضاف التقرير أن “الحملة الامريكية الاخيرة على تبييض الاموال في العراق، ادت الى تأجيج ازمة العملة في العراق، مما عكس النفوذ الهائل الذي تتمتع به واشنطن على المالية العراقية بسبب اعتمادها على الدولار”.
وذكر التقرير البريطاني بانه “عندما طالبت بغداد بطرد قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة من العراق بعد اغتيال قائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني في العام 2020، هددت ادارة الرئيس دونالد ترامب بقطع وصول العراق إلى احتياطياته من الدولار والتوقف عن إصدار إعفاءات من العقوبات للعراق لشراء الغاز الإيراني”.
ونقل التقرير عن مسؤولين أمريكيين سابقين قولهم “إن العصا هي خيار تحتفظ به ادارة بايدن إذا تزايدت المطالبات بخروج الولايات المتحدة، لكن البعض يتساءل عما اذا كانت الادارة ستستخدمه، بعد محاولة اعادة ضبط العلاقات مع بغداد بعد سنوات ترامب المضطربة”.
وبحسب رايبورن، المبعوث الأمريكي الخاص السابق الى سوريا، فإنه “لا يمكن طرد الولايات المتحدة من العراق اذا كانت لا تريد ذلك”، مضيفا أنه “إذا لم يكن للولايات المتحدة وجود عسكري في العراق، فلن تحتاج الولايات المتحدة الى القيام بأشياء اخرى نيابة عن الحكومة العراقية مثل تسهيل إمدادات الدولار من الاحتياطي الفيدرالي، والحماية من الدعاوى القضائية، وإصدار إعفاءات من العقوبات”.
وتابع التقرير أنه “بينما تريد الميليشيات المدعومة من إيران طرد الولايات المتحدة من العراق، فإن الخبراء يقولون انه حتى الفصائل الأكثر تشددا مثل كتائب حزب الله، تستفيد من علاقات العراق الاقتصادية مع الغرب.”
ونقل التقرير عن الباحث ريناد منصور قوله فإنه “حتى أكثر القادة معارضة للولايات المتحدة في العراق، يدركون أنهم بحاجة الى شكل من العلاقة مع الولايات المتحدة، حيث ان العراق هو شريان الحياة بالنسبة لإيران، إذ أن وصولها الى الدولار والأسواق المالية، يعتبر امرا اساسيا”.
وبحسب كاظم، من “المجلس الأطلسي”، فإن “الهدف المثالي لإيران هو إخراج الولايات المتحدة من العراق بشكل كامل، لكن هدفها العملي هو جعل الوجود الأمريكي عبئا”، وهو ما يقول ان الايرانيين قد تمكنوا من تحقيقه بالفعل.
ونقل التقرير عن كاظم قوله انه “لديك عدد محدود من الجنود الأمريكيين في العراق محتجزين في ثكناتهم، ولا يمكنهم حتى التوجه الى المدينة.. وعلى المدى الطويل، هناك شخص سيتساءل لماذا نحن هنا؟!”.