حرية – (25/1/2024)
الحقيقة التي تخفى على الغالبية أن أصوله لا ترجع إلى التوصيات المتعلقة بنظام غذائي متوازن بل إلى نقص الغذاء
تنطلق الحميات الغذائية على اختلاف مناهجها من هاجس البقاء بصحة جيدة، معتمدةً على ترجيح مجموعة أو أكثر من المجموعات الغذائية المعروفة وتقليل أو استبعاد مجموعات أخرى، متبعين في ذلك تصنيفات حددها دليل الهرم الغذائي.
فما هو الهرم الغذائي؟ وكيف بدأ وما سبب ظهوره؟
الهرم الغذائي عبارة عن دليل إرشادي يمثل العدد الأمثل من حصص الطعام أو الوجبات التي من المفترض أن يتناولها الفرد يومياً من كل مجموعة من المجموعات الغذائية الأساسية (الحبوب الكاملة والفاكهة والخضروات والأسماك واللحوم والبيض ومنتجات الألبان والدهون والسكريات)، مقسمة تصاعدياً بدءاً من قاعدة الهرم.
ويتلخص النهج بأخذ حصص أعلى من الحبوب تليها الفواكه والخضار، مع كمية معتدلة من اللحوم والأسماك والبيض والحليب وبدائلها وتقليل الدهون والسكر في القمة، مع الأخذ في الاعتبار إزالة الدهون من اللحوم قبل الطهي، والطهي باستخدام طرق لا تحتاج كمية كبيرة من الدهون مثل البخار والشوي واستخدام مقالي غير لاصقة.
تاريخياً
تطور الهرم الغذائي للمرة الأولى في السويد في سبعينيات القرن الماضي، وتعرض منذ تقديمه لتغييرات كبيرة على مستوى التمثيل البصري، وعُدِّل من قبل وزارة الزراعة الأميركية (USDA) في عام 1992، التي وضعت نسختها وأسمتها “هرم الدليل الغذائي” أو “هرم الأكل الصحيح”.
وكان له أربعة مستويات، يتضمن المستوى السفلي الخبز والحبوب والرز والمعكرونة، مع أكثر من ست حصص يومياً موصى بها، والمستوى الثاني تقاسمته مجموعة الخضار بتقدير ما يزيد على أربع حصص يومياً، ومجموعة الفاكهة بحيث تزيد على ثلاث حصص يومياً. وحدد للمستوى الثالث أكثر من حصتين يومياً، من مجموعة تتكون من الألبان والأجبان، ومن حصتين إلى ثلاث حصص يومية من مجموعة تتكون من اللحوم والدواجن والأسماك والفاصوليا الجافة والبيض والمكسرات، والمستوى الأعلى يتضمن الأصناف التي يتوجب تناولها باعتدال مثل الدهون والزيوت والسكريات.
ثم نشرت منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، إرشادات يمكن تمثيلها بشكل فعال في الهرم الغذائي تهدف لمنع السمنة والأمراض المزمنة وتسوس الأسنان، يتشابه في بعض النواحي مع الهرم الغذائي لوزارة الزراعة الأميركية، مع فروق واضحة بين أنواع الدهون، وتمييز أكبر وأكثر وضوحاً إذ قسمت الكربوهيدرات على أساس السكريات البسيطة مقابل السكريات في شكلها الطبيعي.
وفي عام 2005 قامت وزارة الزراعة الأميركية بمراجعته لإنشاء نسخة محدثة سميت وقتها “ماي بيراميد” أو “هرمي” MyPyramid، صورت فيها المجموعات الغذائية على شكل خطوط عمودية تصاعدية موضحة النِسب الصحيحة لكل مجموعة غذائية، مع صورة شخص يصعد مجموعة من السلالم تحيط بالهرم للتأكيد على النشاط. وبدلاً من الحصص، حددت الكميات مقاسة بالأكواب والأوقية، وتم التركيز على توضيح ثلاثة مفاهيم رئيسة هي التنوع، والاعتدال، والتناسب.
ثم استُبدل “ماي بيراميد” في عام 2011 بـ “ماي بلايت” أو “صحني” MyPlate الذي استخدم رسماً توضيحياً لطبق مقسم إلى أربع مجموعات رئيسة هي الفواكه والخضروات والبروتين والحبوب، تظهر على يمين الطبق دائرة صغيرة لمنتجات الألبان تمثل كوباً من الحليب أو الزبادي. ويعمل هذا الطبق بمثابة تذكير بتناول أجزاء متوازنة من كل مجموعة من المجموعات الغذائية الخمس، الفواكه والخضروات والحبوب والبروتين ومنتجات الألبان، مع إسقاط فئة السكريات والزيوت المصنعة، كمؤشر إلى عدم وجود مكان لها في النظام الغذائي الصحي.
وخلال هذه المدة، أصدرت بلدان عدة حول العالم نسخ معدلة من هذا الدليل الغذائي، متجاهلة في بعض الأحيان شكل الهرم، فاستخدمت كندا شكل قوس قزح، وزيمبابوي المربع، واليابان الرقم 6.
نقص الغذاء وارتفاع تكاليفه
يشاع أن الهدف النهائي من هذه الإرشادات الغذائية على اختلاف أشكالها، هو مساعدة الأشخاص على تكوين نمط يومي من الخيارات الغذائية الموصى بها على أنها صحية، ولكن الحقيقة التي تخفى على الغالبية هي أن أصوله لا ترجع إلى التوصيات المتعلقة بنظام غذائي متوازن، بل إلى نقص الغذاء، إذ في عام 1943 أصدرت وزارة الزراعة الأميركية الدليل الغذائي الأساسي لمساعدة مواطني الولايات المتحدة على التعامل مع التقنين الغذائي خلال الحرب العالمية الثانية. في السويد، كلف المجلس الوطني للصحة والرعاية الاجتماعية بمعالجة تضخم تكاليف الغذاء وارتفاع أسعار المواد الغذائية، لتتوصل إلى مجموعتين غذائيتين، هما الأطعمة الأساسية التي حددت على أساس أنها رخيصة ومغذية في الوقت نفسه، والأطعمة التكميلية التي من المفترض أن تضيف العناصر الغذائية المفقودة في الأساسية، وقُسِّم الهرم إلى الأطعمة الأساسية في القاعدة، متضمنةً الحليب والجبن والسمن والخبز والحبوب والبطاطس، والقسم الكبير من الخضار، والفواكه التكميلية، والقمة باللحوم والأسماك والبيض. كما اعتمدت الحكومة السويدية على دائرة غذائية تشبه الكعكة مقسمة إلى سبع قطع، لكن لم تحدد الكمية التي من الواجب استهلاكها من كل قطعة.
في هذا السياق، قدمت معلمة الاقتصاد السويدية آنا بريت أغنيتر تصميم الهرم الغذائي، الذي نُشر للمرة الأولى في عام 1974 في إحدى المجلات السويدية، مقسماً إلى ثلاثة مستويات، يشمل المستوى السفلي الخبز والحبوب الأخرى والبقوليات والبطاطس والحليب، والمستوى المتوسط يشمل الفواكه والخضروات والعصائر، ويغطي المستوى العلوي البيض واللحوم والأسماك، مستخدمةً شكلاً هرمياً لتركيز الاهتمام على الأطعمة من أسفل الهرم مقارنةً بتلك الموزعة على الجزء العلوي.
وفي كل الحالات كانت خلفية إنشاء الهرم الغذائي السويدي هي الزيادة في أسعار المواد الغذائية، التي فرضت ضرورة تقديم حلول للعائلات، بخاصة تلك التي لديها أطفال، لتناول طعام مغذٍ بكلفة معقولة، أي أن الهرم صُمم لحل مشكلتين هما كيفية تأمين نظام غذائي صحي ومشكلة التكاليف، من خلال تصنيفين للغذاء هما الأساسي والمكمل.
النشويات مضرة والدهون مفيدة
ولكن على مدار ما يزيد على خمسين عاماً، تعرضت جميع الإرشادات الغذائية السابقة لكم كبير من الانتقادات والتشكيك بمدى فاعليتها كنظام غذائي مثالي، وأن كل ما قُدم خلال هذه العقود لا يتعدى تثقيف الناس حول كيفية التمييز بين المواد الغذائية وتصنيفاتها، إذ إنه من غير المنطقي أن تحتل النشويات بأنواعها، الرز والمعكرونة والخبز والحبوب، المرتبة الأولى لمجرد رخص أسعارها مقابل اللحوم والبروتينات، متجاهلين دورها الكبير في رفع هرمون الأنسولين وما يتبعه من أعراض وتأثيرات لحظية ومستقبلية.
واليوم نجد دعوات عدة لاتباع نظام “الكيتو” الذي يرجح كفة البروتين والدهون المفيدة ويمنع النشويات والسكريات، والنظام “منخفض النشويات” الذي يدعو إلى تقليل النشويات والسكريات بشكل كبير أو تدويرها خلال الأسبوع، والتعامل معها بشكل حكيم وحذر جداً، مع التنويه بأهمية الدهون غير المشبعة والسمن الحيواني التي تم تجاهلها في نظريات الهرم الغذائي.
وفي هذا ضرب الأنظمة المبنية على أساس تقليل السعرات عرض الحائط، فالنظامان السابقان (الكيتو وتقليل النشويات) يدعوان إلى التحكم بنسب الأنسولين بالجسم، الأمر الذي يقلل الالتهابات وبالتالي يمنع حدوث الأمراض بغض النظر عن عدد السعرات، متهمين نظام تقليل السعرات بالفشل على مدار سنوات تطبيقه، والدليل على ذلك برأيهم هو عدم قدرته على علاج الأمراض أو تثبيت الوزن والقضاء على السمنة بشكل تام.