حرية – (30/1/2024)
رغم أن القارة القطبية الجنوبية هي أرض الجليد والثلوج، إلا أنها أيضًا أرض الأسرار والألغاز، ومن بين أهم هذه الألغاز، شلالات الدم الحمراء التي تتدفق من نهر تيلور الجليدي إلى بحيرة بوني الغربية.
اكتشفت الجيولوجي الأسترالي توماس جريفيث تيلور، الذي كان جزءًا من البعثة البريطانية في القطب الجنوبي بقيادة روبرت فالكون سكوت، شلالات الدم لأول مرة في عام 1911.
وقد استكشف تيلور الوادي الذي يحمل اسمه الآن ولاحظ وجود بقعة حمراء غريبة في النهر الجليدي، وكان يعتقد في البداية أن اللون يرجع إلى شكل من أشكال الطحالب الحمراء.
السبب الحقيقي للون الأحمر للشلالات
وفقا لصحيفة تايمز أوف إنديا، لم يتم الكشف عن السبب الحقيقي للون الأحمر للشلالات إلا بعد مرور قرن تقريبًا من اكتشافها، ففي عام 2003، استخدم فريق من الباحثين من جامعة ألاسكا فيربانكس وجامعة هارفارد مقياس الطيف لتحليل التركيب الكيميائي للمياه المتدفقة من النهر الجليدي.
واتضح أن اللون الأحمر للمياه ينتج عن أكسيد الحديد، الذي يتشكل عندما تتلامس مياه البحر القديمة المحاصرة تحت النهر الجليدي مع الهواء.
وتعتبر مياه البحر موطنًا لمجتمع متنوع من البكتيريا، التي تكيفت مع الظروف القاسية للبيئة تحت الجليدية، حيث لا يوجد لديها ضوء ولا أكسجين ومغذيات محدودة، وهي تعيش باستخدام عملية تسمى التخليق الكيميائي، حيث تحصل على الطاقة عن طريق تحطيم الكبريتات والحديد في الماء.
شبكة من القنوات تحت الجليد
استعان الباحثون برادار لمسح النهر الجليدي، واكتشفوا شبكة من القنوات تحت الجليد وخزانًا كبيرًا من المياه المالحة تحت الجليد.
عمر المياه المالحة يقدر بحوالي خمسة ملايين سنة، ويعود تاريخها إلى عصر الميوسين، عندما كان مستوى سطح البحر أعلى، وكان النهر الجليدي عبارة عن مضيق بحري متصل بالمحيط.
ومع مرور الوقت، عزل النهر الجليدي المضيق البحري عن البحر، واحتجز مياه البحر تحت الجليد.
الحرارة المنبعثة من عملية التجميد
وعندما تجمد الجليد، طرد الملح والشوائب الأخرى، مما أدى إلى تكوين محلول ملحي عالي التركيز ظل سائلًا بسبب نقطة التجمد المنخفضة والحرارة المنبعثة من عملية التجميد.
وكانت النتيجة الأكثر إثارة للدهشة في البحث هي وجود حياة ميكروبية في الماء الملحي، حيث اكتشف العلماء آثارًا للحمض النووي والكربون العضوي في الماء، مما يشير إلى أن المحلول الملحي كان موطنًا لمجتمع متنوع من البكتيريا.. لقد تكيفت هذه البكتيريا مع الظروف القاسية للبيئة تحت الجليدية، حيث لم يكن لديها ضوء ولا أكسجين، وعاشت باستخدام عملية تسمى التخليق الكيميائي، وحصلت على الطاقة عن طريق تحطيم الكبريتات والحديد في الماء.
وقد أنتجت البكتيريا أيضًا مركبات عضوية كانت بمثابة غذاء للميكروبات الأخرى، مما أدى إلى إنشاء نظام بيئي معقد تحت الجليد.
البيئة تحت الجليدية
اكتشاف الحياة في الماء الملحي له آثار مهمة على دراسة علم الأحياء الفلكي. وتشابه البيئة تحت الجليدية شلالات الدم الظروف التي قد توجد في عوالم جليدية أخرى، مثل أحد أقمار كوكب المشتري، وأحد أقمار زحل.
ويعتقد أن كلا هذين القمرين يحتويان على محيطات مائية سائلة تحت قشورهما الجليدية، وربما فتحات حرارية مائية يمكن أن توفر الطاقة والمواد المغذية للحياة.
ويعني وجود الحياة في شلالات الدم أن الحياة يمكن أن تزدهر أيضًا في هذه المحيطات خارج كوكب الأرض، حتى في غياب ضوء الشمس والأكسجين.
دراسة أصول وحدود الحياة على الأرض
وشلالات الدم ليست مجرد أعجوبة طبيعية، ولكنها أيضًا مختبر طبيعي لدراسة أصول وحدود الحياة على الأرض وخارجها.
ورغم ذلك، فإن مستقبل شلالات الدم غير مؤكد، حيث قد يؤثر تغير المناخ على استقرار النهر الجليدي والمحلول الملحي.
ويطمح الباحثون إلى مواصلة مراقبة الموقع وجمع العينات لمعرفة المزيد عن النظام البيئي تحت الجليدي وتطوره.