حرية – (14/2/2024)
تواجه نساء السودان، منذ أشهر طويلة، حالات انتهاك واغتتصاب على يد قوات الرد السريع، ويبدو أن الحل لوقف تلك الانتهاكات، هو “تسليح” المرأة السودانية للدفاع عن نفسها، وقد بدأ ذلك بالاستجابة لدعوات أطلقها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، للمشاركة في ما سماه “التصدي لانتهاكات الدعم السريع”، وانخرطت مجموعات من النساء السودانيات في معسكرات مخصصة للتدريب على استخدام الأسلحة.
وشهدت ولاية نهر النيل الواقعة شمال السودان، في آب/ أغسطس الماضي، ضربة البداية لمعسكرات تدريب النساء والفتيات على الفنون القتالية، قبل أن تلحق بها ولاية البحر الأحمر وولاية كسلا، في شرق السودان وكذلك ولاية النيل الأزرق في الجنوب الشرقي، بالإضافة إلى الولاية الشمالية، بحسب موقع “الحرة”.
وتصاعدت معدلات إقبال النساء على تلك المعسكرات عقب سيطرة قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة في وسط السودان، خلال شهر ديسمبر الماضي.
انتهاكات وعنف ضد النساء
والتحقت فتيات سودانيات في أعمار متفاوتة، ونساء في أعمار متقدمة تصل إلى الخمسين عاما، بمعسكرات التدريب العسكري، بدوافع متعددة.
وأرجعت منال عثمان “24 عاما، سبب انخراطها في معسكرات التدريب بولاية نهر النيل، إلى “الرغبة في حماية نفسها من تعديات قوات الدعم السريع”، على حد قولها.
وقالت عثمان لموقع “الحرة”، إن “ما لحق بكثير من الفتيات في الخرطوم وفي مدينة ود مدني بولاية الجزيرة، من تعديات وانتهاكات وصلت حد الاغتصاب، دفعهن إلى تعلم الفنون القتالية للدفاع عن النفس، خاصة مع تصاعد التصريحات التي يطلقها قادة الدعم السريع عن نيتهم مهاجمة ولاية نهر النيل”.
وكشفت شبكة نساء القرن الأفريقي “صيحة” في تقرير لها في التاسع من فبراير عن “انتهاكات ارتكبتها قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة بوسط السودان”، وذكرت أنها “أحصت 25 حالة موثقة لفتيات ونساء تعرضن للاغتصاب والضرب والقتل”، وهي اتهامات تنفيها قوات الدعم السريع.
وتتلقى الفتيات والنساء في معسكرات التدريب العسكري جرعات تدريبية، بواسطة مدربين من الجيش السوداني، عن طريقة وآلية استخدام البنادق المصنفة ضمن الأسلحة الخفيفة.
وتقول فاطمة عبد الجبار وهي إحدى المشرفات على عمليات حصر النساء وحثهن على المشاركة في التدريب، إن “الجرعات التدريبية في معسكرات التدريب لا تقتصر على الفنون القتالية فحسب، وتتعداها إلى تدريب الفتيات والنساء على رفع الوعي وسط المواطنين بأهمية دعم الجيش الرسمي للبلاد في حربه على الدعم السريع”.
وقالت عبد الجبار لموقع “الحرة”، إن “النساء والفتيات يحصلن أيضا على تدريبات عن مجالات تقديم الإسناد إلى مقاتلي الجيش السوداني، سواء بالمشاركة في تجهيز الطعام أو علاج الجرحى والمصابين وما إلى ذلك”.
وتابعت “نحن نطمح إلى مشاركة النساء فعليا في عمليات القتال في الصفوف الأمامية، وليس الاكتفاء بتقديم الإسناد للجيش، أو الدفاع عن النفس عن أي تعديات أو انتهاكات محتملة”.
لكن الطموح الذي أبدته “عبد الجبار” بالمشاركة في القتال، اعتبرته وزيرة العمل والتنمية الاجتماعية السابقة، تيسير النوراني، أحد أبرز المخاطر التي تواجه الفتيات والنساء اللائي ينخرطن في العمل العسكري، وأشارت إلى “أن طرفي القتال متهمان في انتهاكات ضد النساء”.
وقالت النوراني لموقع “الحرة”، إن “مشاركة النساء في التدريب العسكري أو القتال يعرضهن إلى مخاطر كثيرة مثل الموت أو حتى الانتهاكات أو التحرش الجنسي داخل المعسكرات أو خارجها”.
وتابعت “لا يعقل أن تُدرّب فتاة لمدة زمنية قصيرة وتطلب منها مواجهة مسلح أو مقاتل متمرس له خبرة في القتال. هذا خطر حقيقي”.
وأضافت “مسؤولية حماية النساء من مخاطر العنف الجنسي المتصل بالنزاع تقع على الجيش والأجهزة الأمنية، ويجب عليها أن تقوم بدورها كاملا في هذا الاتجاه، بدلا من تعريض حياة النساء إلى الخطر بفتح معسكرات التدريب”.
وعادت الوزيرة السابقة، وأشارت إلى أنه “لا مانع من انخراط النساء في العمل العسكري من خلال الالتحاق رسميا بالمؤسسات العسكرية والأمنية، ونيل التأهيل المطلوب، لأن ذلك حق مكفول، أما ما دون ذلك، ففيه عشوائية وخطر كبير على النساء”.
وبحسب شبكة “سكاي نيوز” البريطانية، فإن “دوافع النساء من الالتحاق بالتدريبات القتالية مختلفة، فبعضهن أتين من منطلق الولاء لأبنائهم وآبائهم المجندين الذين ينتشرون في كافة أنحاء البلاد وسط استمرار الحرب، وبعضهن أتى في إطار الدفاع عن النفس”.
ونقلت الشبكة عن متدربة في أحد المعسكرات بمدينة بورتسودان الساحلية في شرق السودان، قولها “حجم الاغتصاب لا يمكن تصوره. لقد التقينا بفتيات في هذه المعسكرات تعرضن للاغتصاب”.
وأضافت: “لدي 3 فتيات وأنا هنا للدفاع عنهن وعن نفسي”.
وأسفرت الحرب التي اندلعت في منتصف أبريل من العام الماضي بين الجيش السوداني بقيادة البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، عن مقتل أكثر من 12 ألف شخص، وفق خبراء الأمم المتحدة.
وقالت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل “حكومية”، في تقرير لها في سبتمبر الماضي، إن عدد حالات الاغتصاب والعنف الجنسي منذ بدء القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع بلغت 136 حالة.
واتهمت الوحدة عناصر من الدعم السريع والجيش السوداني بالتورط في تلك الحالات، وذكرت أن “معظم التعديات وحالات العنف الجنسي المتصل بالنزاع وقعت من قوات الدعم السريع”.
صراع سياسي
وأدى قرار السلطات السودانية فتح معسكرات تدريب النساء إلى زيادة حالة الاستقطاب السياسي والجدل في السودان، إذ ترى تنظيمات سياسية أن “عناصر نظام الرئيس السابق عمر البشير يقفون وراء الفكرة لتحقيق أهداف سياسية”، وهي اتهامات ينفيها القائمون على أمر تلك المعسكرات.
هنا تقول فاطمة عبد الجبار إن “الحديث عن سيطرة قادة النظام السابق على هذه المعسكرات يفتقر إلى الصحة، لأن الفكرة جاءت استجابة لنداء أطلقه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الذي يملك موقفا واضحا ضد النظام السابق”.
وأشارت عبد الجبار إلى أن “عمليات التدريب يشرف عليها ضباط من الجيش، وليس لحزب المؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية أي علاقة بها، وحتى اللائي ينتمين إلى النظام السابق فهن يشاركن ضمن الأخريات”.
وأضافت “أنا لست سياسية ولا أنتمي لأي حزب، وما نقوم به الهدف منه حماية الفتيات من التعديات والانتهاكات، ومن يرفضون هذه المعسكرات يدعمون مليشيا الدعم السريع”.
وتباينت مواقف القوى السياسية السودانية من الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، إذ أعلنت قوى الحرية والتغيير، وهي تحالف مدني مكون من أحزاب وتنظيمات كانت تدير الفترة الانتقالية، موقفا حياديا من الحرب، ولم تعلن موقفا داعما للجيش أو قوات الدعم السريع، وطرحت مبادرة لإيقاف الحرب.
وفي المقابل، أعلن المؤتمر الوطني، حزب الرئيس السوداني السابق عمر البشير، والأحزاب المتحالفة معه، موقفا داعما للجيش السوداني، وشارك عدد من قادته ومنتسبيه في القتال إلى جانب الجيش.
ويتبادل الطرفان، القوى المدنية، وحزب الرئيس السابق، الاتهامات بالتسبب في إشعال الحرب التي اندلعت في 15 أبريل الماضي، عقب خلافات حول الاتفاق الإطاري الذي يرفضه قادة النظام السابق وحلفاؤهم.
وتدعم قوى الحرية والتغيير الاتفاق الإطاري بهدف “استعادة المسار الديمقراطي عقب سيطرة الجيش على السلطة في 25 أكتوبر 2021”.
وفي هذا المنحى، تقول وزيرة العمل والتنمية الاجتماعية السابقة، تيسير النوراني، إن “كل الدلائل تشير إلى سيطرة عناصر النظام السابق على معسكرات التدريب، سواء للرجال أو النساء، وذلك في إطار محاولاتهم إلى العودة إلى السلطة مجددا”.
وأشارت النوراني إلى أن “النظام السابق له تجربة معروفة في استدعاء النساء إلى القتال بجانب الجيش من خلال كتائب “أخوات نسيبة”. ومن يشرفون على هذه المعسكرات هم أنفسهم الذين كانوا يقفون خلفها في السنوات السابقة، وحتى الشعارات والهتافات التي ترددها المتدربات هي نفسها الشعارات القديمة المرتبطة بالنظام السابق”.
وأضافت “استمرار هذه المعسكرات سيعرض النساء إلى الخطر، وسيقود إلى مخاطر أخلاقية، ولذلك ظللنا ننادي بأن حماية النساء من مخاطر العنف المتصل بالنزاع يجب أن تكون من خلال العمل على إنهاء الحرب وليس تأجيجها”.
وشهدت تسعينيات القرن الماضي، افتتاح معسكرات عدة لتدريب النساء للمشاركة إلى جانب الجيش في حربه مع الحركة الشعبية بقيادة الراحل جون قرنق، في ما عُرف وقتها بمعسكرات “أخوات نسيبة”، التي تأسست بناء على نداء أطلقه الأمين العام للحركة الإسلامية السودانية الراحل حسن الترابي.
ووفق أرقام الأمم المتحدة، أدى الصراع بين الجيش والدعم السريع إلى مقتل أكثر من 12 ألف شخص، وأجبر أكثر من 7 ملايين على الفرار من منازلهم، بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى تشاد ومصر وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا.
وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، أعرب عدد من أعضاء مجلس الأمن الدولي عن “القلق البالغ بشأن الوضع الخطير للنساء والفتيات في السودان في ظل انتشار العنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس”، بحسب موقع أخبار الأمم المتحدة.
وأشار الأعضاء إلى أن “الصراع الدائر في السودان أدى إلى زيادة مقلقة لحالات العنف الجنسي المرتبط بالصراع، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي والعبودية الجنسية والاختطاف”.