حرية – (20/2/2024)
مع إنهاء بغداد وواشنطن أخيراً جولة الحوار الثانية من المباحثات بشأن إنهاء مهمة التحالف الدولي في العراق، تبرز مخاوف بشأن تأثير أي انسحاب مرتقب على أسلحة وذخيرة الجيش العراقي وصيانتها، لا سيما أنه يعتمد في أكثر من نصف ترسانته على الأسلحة الأميركية الصنع.
وفي وقت تتركز فيه النقاشات في العراق على شكل وطبيعة الوجود العسكري الأميركي والتحالف الدولي في البلاد خلال الفترة المقبلة، تضغط الفصائل والقوى السياسية الحليفة لطهران لإنهاء مهمة التحالف بشكل كامل وخروج جميع العسكريين الأميركيين من البلاد. وكانت الجولة الأولى من المباحثات قد عُقدت ببغداد في 27 يناير/ كانون الثاني الماضي، فيما اختتمت الجولة الثانية يوم 11 فبراير/ شباط الحالي.
ومن المرتقب أن تُعقد جولة مباحثات جديدة في نهاية شهر فبراير الحالي في العاصمة العراقية، وفقاً لمسؤول عراقي بارز، على أن تنتقل المباحثات إلى واشنطن في جولات لاحقة قد تمتد حتى نهاية العام الحالي.
يأتي ذلك قبل صدور تقرير نهائي يرصد، وفق المصدر نفسه، “ثلاث نقاط رئيسة، هي مدى خطر وتهديد تنظيم (داعش) على العراق، وقدرة الجيش العراقي على التعامل مع الأزمات الأمنية، والنقطة الثالثة تتعلق بالقدرات التشغيلية للقوات العراقية”.
ويوضح المسؤول أن حكومة محمد شياع السوداني “تتعرض لضغط كبير من فصائل مسلحة وقوى في الإطار التنسيقي (الحاكم) لتحقيق تقدم بشأن انسحاب القوات الأميركية من البلاد، حتى لو كان بإعلان جدول زمني لهذا الانسحاب أو تخفيض جديد لعدد هذه القوات، بما يحقق نصراً للمعسكر الحليف لإيران في العراق”.
وشارك في جولتَي الحوار الأولى والثانية عن الجانب العراقي قادة الجيش إلى جانب مستشارين حكوميين ببغداد، بينما انتدبت واشنطن ممثلين عن القوات الأميركية العاملة ضمن مهمة “العزم الصلب”، والتي تدير عملياً التحالف الدولي في كل من العراق وسورية.
ويقول مسؤولون في التحالف الدولي، في تصريحات متفرقة، إنه من المهم التأكد من عدم عودة تنامي الخطر الذي يشكله تنظيم “داعش” في العراق، في إشارة إلى أن هذا الشرط يسبق الحديث عن الانسحاب الأميركي أو تخفيض عديد القوات الموجودة في العراق، والبالغة 2500 عسكري.
لكن في المقابل، يحذر خبراء عسكريون عراقيون من أن أحد أوراق الضغط التي يمكن أن تستخدمها واشنطن هي ترسانة الجيش العراقي أميركية الصنع، والتي تشكل أكثر من 70 بالمائة من أسلحته، إذ من الممكن أن توقف واشنطن تزويد بغداد بالذخيرة وقطع الغيار والصيانة في حال قررت بغداد المضي بطلب خروج القوات الأميركية وتصفير وجودها في العراق نهائياً.
ويأتي ملف سلاح الجيش العراقي أميركي الصنع، وفقاً لمسؤول بقيادة العمليات العراقية المشتركة، في صلب المباحثات التالية بين بغداد وواشنطن، موضحاً أن من أبرزها طائرات “أف 16″، وسلاح الدروع والدبابات.
ويضيف أن “العراق يريد ضمان استمرار التسليح والإدامة (صيانة السلاح) بعد الانسحاب الأميركي المنشود”، لافتاً إلى وجود “خشية” من تأثير هذا الانسحاب على سلاح الجيش العراقي.
من جهته، يقول عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي ياسر وتوت، إن “أبرز ملفات الضغط الأميركية الحالية على بغداد في قضية إخراج القوات الأجنبية، هو التسليح”، إذ إن الملف “حساس للعراق، وأميركا تدرك حاجتنا لأسلحتها ومعداتها المختلفة”.
ويلفت وتوت إلى أن “واشنطن عرقلت طوال السنوات الماضية مساعي الجيش العراقي لتنويع مصادر سلاحه وترسانته الرئيسة، وكانت هناك محاولات تنويع لتجنب الوقوع تحت هذا الضغط”.
ويقول إن “الولايات المتحدة كانت تتدخل لمنع إتمام هذه الصفقات مع دول شرقية وأوروبية، حتى يبقى هذا الملف محصوراً بيدها وتضغط من خلاله بالكثير من الملفات، وهي اليوم تستغله بالحوارات مع الحكومة العراقية من أجل إنهاء وجود قواتها”.
ويحذّر من أن “الولايات المتحدة ستوقف تزويد العراق بالعتاد العسكري، وستجمد عمليات الصيانة ودورات التدريب على الصيانة بخصوص الطائرات والدبابات وغيرها، ما سيجعل الأسلحة بلا تأثير في فترة قصيرة”.
ويرى بالتالي أنه “على الحكومة العراقية الضغط على أميركا من أجل استمرار التعامل العسكري وفق الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين، وإبعاد هذا الملف عن الابتزاز والتهديد”.
وسبق أن وقّع العراق والولايات المتحدة عشرات صفقات التسليح لتجهيز القوات العراقية، والتي دُمرت بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
وجاءت تلك الصفقات ضمن الاتفاقية الأمنية الموقعة بين بغداد وواشنطن، في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2008، والتي تنص على تدريب وتجهيز القوات العراقية.
وفي السياق، يشير الباحث بالشأن الأمني العراقي مؤيد الجحيشي، إلى أن “الولايات المتحدة تضغط حالياً على العراق بملف تسليح وتجهيز القوات العراقية المختلفة، ووضعت هذا الملف أمام حكومة السوداني بوضوح عند حديثها عن الانسحاب الأميركي”.
ويوضح أن “امتلاك الأسلحة الأميركية من قبل العراق، من دون الذخيرة والعتاد والإدامة والصيانة المستمرة من قبل الشركات ذات الاختصاص، سيحوّلها إلى غير ذات قيمة ويخرجها عن العمل فعلياً، ما يعني فقدان القوات العراقية ما يقارب 70 بالمائة من أسلحتها الفعالة في قطاع سلاح الجو والقوات البرية”.
ويعتبر الجحيشي أن “العراق أخطأ كثيراً بعدم تنويع أسلحته من دول مختلفة، إذ يعتمد بالدرجة الأساس على الولايات المتحدة الأميركية”. ويتابع: “هذا الأمر من الناحية العسكرية يضعف بالتأكيد القدرات العسكرية ولا يطورها، ولهذا نجد العراق لا يملك أي أسلحة متطورة وحديثة، خصوصاً في مجال الدفاعات الجوية وغيرها”.
ويرى أيضاً أن “أميركا سوف تستخدم هذا الملف كجزء من ورقة الضغط خلال الحوارات الجارية حالياً ما بين الدولتين”.
بدوره، يقول عضو تحالف “الإطار التنسيقي” علي الزبيدي، في ، إن أميركا نفّذت “سلسلة إجراءات امتدت لسنوات، حرمت فيها العراق من تنويع سلاحه، وبالتالي نحن الآن أمام ترسانة سلاح أميركية كبيرة لدى الجيش، وأمام ورقة ضغط كبيرة وفعالة بيد واشنطن”.
ويحذّر الزبيدي من اتجاه واشنطن إلى تفعيل ورقة الضغط هذه خلال جولات الحوار المقبلة حول الانسحاب الأميركي من العراق.
ويقول إن “التلويح بإيقاف تجهيز القوات العراقية بالعتاد والذخيرة، سواء لسلاح الجو أو الأسلحة المحمولة الخفيفة المختلفة، هي ورقة ضعف بوجه العراق، خصوصاً تلك التي تمتلكها قوات جهاز مكافحة الإرهاب”، مضيفاً أن “ما يقارب 90 في المائة من أسلحتها هي أسلحة أميركية الصنع”.
ويقول إنه يتعين على “الحكومة العراقية والجهة العسكرية المفاوضة رفض أي ضغوط أميركية بشأن الأسلحة والذخيرة، فالعراق لديه اتفاقيات رسمية موقعة مع الولايات المتحدة وهي ملزمة لها، ولا يمكن التهديد بإلغاء هذه الصفقات أو تجميدها حتى”. ويعتبر أن “أي تصرف من قبل واشنطن بهذا الصدد يجب التصدي له عبر الأطر القانونية والدبلوماسية، فلا مجاملة بهذا الملف المهم والحساس، والذي يتعلق بأمن العراق”.
وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قد راجع ملف التسليح ووجّه، في نوفمبر 2022، بإعادة النظر بآليات التعاقد في ضوء الأولويات المدروسة، وأن يجري تقديم الدفاع الجوي في جانب التسليح والتجهيز. كما وجّه بالتنسيق الدقيق مع وزارة المالية من أجل رصد المبالغ التي تتطلبها الخطّة التسليحية.