حرية – (25/2/2024)
في ظل تصاعد الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في ولاية غرب كردفان، خاصة في مدينة “بابنوسة” الاستراتيجية بالولاية والتي وصفها سكان محليون بأنها أصبحت “مدينة أشباح”، فيما طالبت منظمات أممية بالمساعدة في عجز وصول الإمدادات للنازحين الذين لم يجد بعضهم مأوى سوى تحت الأشجار، إضافة إلى قلة المؤن الغذائية.
وقال مسؤول كبير في منظمة أممية عاملة في السودان لـ”الشرق”، إن المنظمة عاجزة عن الوصول إلى نحو 15 ألفاً فرواً من “بابنوسة” إلى مدينة “المجلد” القريبة وغيرها، بسبب الصراع الدائر بين الجيش والدعم السريع، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن المنظمة تنوي تقديم مساعدات متى تمكنت من الوصول إلى هؤلاء النازحين.
وأضاف المسؤول الأممي الذي فضّل حجب هويته أن “السبيل الوحيد لإيصال المساعدات إلى نازحي ولاية غرب كردفان، هو نقل الإغاثة أولاً إلى جنوب السودان، ثم العبور بها شمالاً، إلى الولاية السودانية”، لكنه لفت إلى أن “هناك صعوبات قد تعيق هذا المسار، ووصفها بـ”الأسباب الأمنية”.
كما أكد المسؤول أن المنظمات جميعها عاجزة، حتى اللحظة، عن تقديم أي معونات في هذه المنطقة.
وكان القتال استعر بين الجيش والدعم السريع في بابنوسة منذ 22 يناير الماضي، وتبادل الجانبان القصف المدفعي، فيما شن طيران الجيش غارات على مواقع الدعم السريع في أطراف المدينة، ما أجبر عشرات الآلاف من المدنيين على الفرار “سيراً على الأقدام” باتجاه المدن والقرى القريبة.
وفيما أشارت قوات الدعم السريع قبل نحو أسبوعين، لتحقيق انتصارات في هذه المدينة، نفى الجيش السوداني ذلك، مشيراً إلى أن هذه القوات “تتلقى الضربات والهزائم الموجعة والمستمرة” في بابنوسة.
نازحون بلا خدمات علاجية
وعلى الصعيد الميداني، قال سكان محليون من بابنوسة لـ”الشرق”، إن المدينة “باتت خالية تماماً من المدنيين”، وشبهوها بـ”مدينة الأشباح”.
وكشف عضو غرفة الطوارئ في مدينة بابنوسة، إبراهيم مفرّح لـ”الشرق”، عن توجه نازحي المدينة إلى أكثر من 10 معسكرات ومناطق مثل “الفولة” و”المجلد” و”الدبب” وغيرها.
وأشار مفرّح إلى أن الغرفة قدمت سابقاً خدمات علاجية، لكن صعوبة التنقل والوضع الأمني اضطرتهما للتوقف عن تقديم هذه الخدمات.
وقال الطبيب إبراهيم فوت، وهو أحد النازحين من بابنوسة، لـ”الشرق”، إنه توجه إلى قرية “أم جاك” على بعد 48 كيلومتراً، شمال بابنوسة، والقرية احتضنت، بحسبه، أكثر من 6 آلاف نازح “يعيشون أوضاعاً إنسانية صعبة”.
واندلعت الحرب في السودان خلال أبريل الماضي، بسبب خلافات بشأن صلاحيات الجيش وقوات الدعم السريع في إطار خطة مدعومة دولياً لانتقال سياسي نحو حكم مدني وإجراء انتخابات.
تفشي الأمراض
بدورها، ذكرت طبيبة عاملة في المنطقة أن بابنوسة استقبلت في السابق، آلاف الفارين من الخرطوم ونيالا في جنوب دارفور والأبيض في شمال كردفان، لكن بدء المناوشات في نهاية العام الماضي خلّف حركة نزوح من المدينة، إلى أن اضطر سكان المدينة كلهم إلى الخروج الجماعي منها حين اندلع القتال بشكل واسع في 22 يناير الماضي.
وأكدت الطبيبة سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين قبل أن يغادر أكثر من 50 ألفاً بيوتهم صوب وجهات جديدة قريبة بظرف أسبوع واحد، عقب تفجّر القتال في الأسبوع الثالث من يناير الماضي، لافتةً إلى أن مئات المنازل والمرافق العامة دمرت كلياً أو جزئياً. وأشار إلى أن “الاشتباكات مستمرة حتى اللحظة”.
وبشأن الأوضاع الإنسانية، قالت إن “الآلاف في معسكرات النزوح، وبعضهم لم يجد مأوى سوى تحت الأشجار، ويعانون من البرد القارس، وقلة المؤن الغذائية، علاوة على لدغات العقارب والثعابين”.
وأشارت الطبيبة إلى “تعطّل المرافق الطبية كافة، بما في ذلك مستشفى بابنوسة”، مضيفة أن أماكن النزوح “تفتقر تماماً إلى مراكز صحية” ما عرّض الأطفال للإصابة بنزلات البرد والملاريا والنزلات المعوية والالتهابات دون الحصول على العلاجات اللازمة.
وذكرت أن “معظم النساء الحوامل فقدن المتابعة الطبية لحالاتهن ما يعرضهن لمخاطر كبيرة لدى الولادة، وسيتعرضن لما هو أسوأ إن لم تتوفر الخدمات الطبية”. كما أشارت إلى “معاناة كبار السن ومرضى الأمراض المزمنة”، واصفة الأحوال الإنسانية بأنها “مأساوية وكارثية”.
وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، قال في نهاية يناير، إن موجة نزوح واسعة جرت في مدينة بابنوسة نتيجة الاشتباكات بين طرفي النزاع، مشيرةً إلى أن القتال ترّكز في محيط قاعدة الجيش وحيي “النصر” و”أبو إسماعيل”، لكن المنظمة لم تتمكن من إحصاء عدد النازحين.
ودخل الصراع المسلّح في السودان، شهره العاشر، مخلفاً آلاف القتلى والجرحى، وملايين النازحين واللاجئين، فيما شمل التوتر والقتال 11 ولاية هي الخرطوم، الجزيرة، شمال وجنوب وغرب وشرق ووسط دارفور، شمال وجنوب وغرب كردفان، وسنّار، ما دفع أعداداً كبيرة للفرار إلى ولايات أكثر استقرارا أو إلى دول الجوار، حيث تحتضن مصر وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا مئات الآلاف من السودانيين، فيما لم تخرج جولات المفاوضات بين الجانبين في جدة، وجهود الوساطة التي قادتها منظمة “إيقاد” والاتحاد الإفريقي بقرار لوقف القتال.
وتحذر منظمات أممية، من أن الأمور قد تتفاقم وتبلغ حد المجاعة في السودان، وهو الأمر الذي أكده أيضاً رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك في تصريحات لـ “الشرق” مشدداً على ضرورة وقف الحرب وانسياب المساعدات الإنسانية.