حرية – (25/2/2024)
حظيت تصاميم الـ”نيو كلاسيك” بشعبية كبيرة داخل البيوت المعاصرة، ذلك أن استخدامه يبدو كبيراً بالمقارنة مع تصاميم حديثة أخرى، ومرد ذلك لكونه يوازي في تشكلاته الجمالية بين أصالة الكلاسيك وبهجة الصناعة الحديثة، بحيث إنه من النادر العثور على نموذج يمزج بين الأمرين، كما أنه تصميم يسهل العثور عليه داخل المحال التجارية من دون أي عناء، إذ يسهل شراؤه ونقله إلى البيت، كما أن الزبون يجد في أشكاله الفنية المتنوعة وصناعته الجمالية المتعددة ما يجعله يندفع إلى الرهان عليه كتصميم داخلي لجميع فضاء المنزل.
غير أن توظيف الـ”نيو كلاسيك” الفني يفرض على الآخر أن يكون صاحب ذوق جمالي حتى يستطيع أن يمزج تصاميمه مع الشكل الهندسي للبيت، إنه يفرض طريقة بصرية مختلفة من حيث الاختيار والتوظيف حتى تتضح جماليات الفضاء، ولأنه كذلك حاول المصممون على مدار تاريخه الاهتمام بجميع عناصره وجمالياته، وذلك بطريقة جعلت المصمم الغربي لا يتوانى في ابتكار أشكال جديدة وأساليب حديثة تخطف أذواق الناس ودفعهم إلى اعتماده كنسق بصري لمنازلهم.
فلسفة الـ”نيو كلاسيك”
تبنى فلسفة الـ”نيو كلاسيك” على مفهوم العودة للجذور التاريخية، خصوصاً عند اليونان والرومان خلال فترة القرن الـ18، إذ على رغم تمحور عناصره الفنية حول مفهوم الكلاسيك، إلا أن الجديد الذي جاء به يتمثل في الانفتاح على الحديث. أي إنه نسق بصري بقدر ما يعود للوراء من أجل اكتشاف عراقة الماضي يبقى مهووساً بالزمن الحديث الذي ينتمي إليه.
لقد تأسس هذا التصميم على نمط بصري يعيد امتلاك لغة الأجداد ليبلورها وفق نسق فني مغاير، إذ نادراً ما نعثر داخل التصاميم الحديثة على تصميم يعيد بناء الماضي من خلال الحاضر، بحيث غالباً ما تعتمد التصاميم الحديثة على التاريخ باعتباره “موتيفاً” جمالياً يحضر على هامش بعض الزخارف والطرز والأواني لا أكثر، في حين ينغمس الـ”نيو كلاسيك” في جعل تصاميمه كافة ذات نسق تاريخي يستلهم عراقة الحضارتين اليونانية والرومانية، وذلك بما يعطي للماضي حضوره النوعي وبهجته البصرية في الزمن الراهن، فهذه العودة للماضي والتطلع بعنفوان إلى المستقبل، جعلته تصميماً مرغوباً فيه بقوة.
يحضر الـ”نيو كلاسيك” كثيراً في الفنادق والمنازل الفخمة بحكم أنه يفرض على الفضاء مساحة كبيرة حتى يكتسب شرعيته الجمالية، إذ من دون فراغ الفضاء يبدو الفضاء هشاً وغير قادر على تحقيق تناغم بصري في عين المشاهد، كما أنه بسبب حجم ونوعية أثاثه يكون استخدامه مقتصراً على القصور والفنادق، لكن مع ذلك فهو حاضر بقوة كتصميم داخلي داخل البيوت والشقق لا كأثاث وزينة، لذلك تعد الفنادق في المرحلة الحديثة بمثابة المختبر الحقيقي لهذا النوع من التصميم، حتى يكتسب ذيوعه داخل في العالم.
وإلى حد اليوم، وعلى رغم كلاسيكيته مقارنة مع نماذج من التصاميم المعاصرة (ليس الحديثة) لا يزال الـ”نيو كلاسيك” حاضراً بقوة داخل الفنادق خصوصاً في منطقة الخليج العربي، بيد أن حضوره اليوم بهذا الزخم ليس مبرراً من الناحية الجمالية لكونه نموذجاً بصرياً رائجاً في المحال التجارية الكبرى.
فرادة النسق البصري
يتميز الـ”نيو كلاسيك” بخاصية الجمع بين الحضارات والأزمنة والأنساق والأفكار، فهذا البعد المركب لنسقه البصري إذ إن مصمميه يضيفون إليه عناصر جمالية مختلفة من حضارات أخرى، يعتبر بعض الباحثين أن هذا النوع من التصميم يبق هجيناً على رغم النجاحات التجارية التي حققتها. وهو غير صحيح بالمرة، لأن تصاميمه الداخلية تظل صافية الأشكال وتتمتع بجاذبية من حيث الصورة، أما أثاثه فهو مصنوع في مجمله من الخشب الرفيع والأقمشة الفاخرة التي تعطي صبغة تاريخية، في حين توجد داخل بعض المحال التجارية نسخ مزورة عن هذا التصميم بأقل كلفة، ويحظى هو الآخر بشعبية كبيرة داخل المنازل المتوسطة والشقق الشعبية.
مزج الأصالة بالمعاصرة
والحقيقة أن من مشكلات الـ”نيو كلاسيك” هو كثرة تكرار تصاميمه الداخلية، إذ لا وجود لأي تجديد على مستوى مواده وأشكاله وألوانه، وذلك بما يجعله محدوداً من حيث الابتكار والتجديد حتى أصبح اليوم أكثر التصاميم الفنية حضوراً داخل سلسلة الفنادق التي تبحث عن البهرجة.
معرفياً، لم يحظ الـ”نيو كلاسيك” من لدن الباحثين والمصممين بأي اهتمام أو توثيق في العالم ككل، وذلك بالمقارنة مع أنواع بصرية أخرى، ومرد هذا الأمر إلى كونهم يعتبرونه من التصاميم الترفيهية التي لا تستحق الاهتمام المعرفي، وذلك بحكم أنها تبنى على خاصية وظيفية تقوم على خلق جو من الرومانسية المقتبسة عن حقبة تاريخية سابقة، لكن مع ذلك يستحق هذا التصميم إعادة التفكير في أساليبه وأنساقه ومكوناته وألوانه من أجل البحث لها على طباق بصري داخل الزمن الراهن.