حرية – (17/3/2024)
حل شهر رمضان على مسجد الخرطوم الكبير، هذا العام، دون أن يُرفع فيه أذان أو يرتاده المصلون؛ بسبب وقوعه في قلب المعارك العسكرية، وذلك لأول مرة منذ أكثر من قرن.
ويعد “الخرطوم الكبير” من أعرق المساجد الأثرية في العاصمة السودانية، إذ جرى تشييده في العام 1901م، حينما كان السودان واقعاً تحت الحكم البريطاني المصري.
واختار مشيدو المسجد مكانًا وسطًا لمدينة الخرطوم، قريبًا من “سراي الحاكم” وقتها، “القصر الجمهوري” اليوم، ولكن بعد أكثر من قرن يتسبب هذا الموقع في تعطيل مهمة المسجد الأساسية التي شُيد من أجلها، إذ لم يعد يُسمع الأذان ينطلق منه أو يتردد عليه المصلون مثلما درجوا على ذلك في الأوقات الخمس خلال اليوم.
ومنذ اليوم الأول للحرب السودانية التي اندلعت في 15 أبريل/ نيسان العام الماضي، أصبحت المنطقة التي يقع فيها مسجد الخرطوم الكبير مسرحًا للعمليات العسكرية، لقربها من القصر الجمهوري والقيادة العامة وعدد من الوزارات والمؤسسات الحكومية.
وشهدت هذه المنطقة معارك طاحنة قبل أن تتمكن قوات الدعم السريع من بسط سيطرتها عليها.
مسجد الخرطوم الكبير
تاريخ المسجد
والمسجد مسجل في منظمة اليونسكو كأحد الآثار العالمية، وهو مشيد من الحجر الرملي وتكسوه زخارف إسلامية تحتوي على لفظ الجلالة وأنواع أخرى من النحت.
ويقول الباحث صلاح عمر الصادق، في دراسة بعنوان “تاريخ وعمارة مسجد الخرطوم الكبير”، إن بناءه جاء بعد معركة كرري بين جيش دولة المهدية الوطنية، والجيش الإنجليزي الغازي، بعامین.
وأضاف الصادق أنه “وضع حجر الأساس له في 17 سبتمبر 1900، وتم افتتاحه عند زیارة الخدیوي عباس باشا حلمي للسودان في 4 دیسمبر 1901، حيث كانت المنطقة التي شید فیها جزءا من مقابر الخرطوم القدیمة”.
وتعرض مسجد “الخرطوم الكبير” لترميمات متعددة ولكن لم تلحق بمبنى المسجد الأساسي أي تغیرات فقد بقي كما بني منذ 1901م؛ ویرجع ذلك لمتانة البناء وشكل البناء ومواد البناء وتقنیة البناء كانت مكتملة.
وتشیر الدراسة إلى أن “شكل المسجـد مشابه تماما للمساجد في الدول الإسلامیة، حیث نجد أن شكل البناء مربع وهي خاصیة للمساجد المبكرة في العراق وفارس وأیضا مصر، فنجد أن عرض المسجد باتجاه الشرق حیث القبلة، وعرضه من الجنوب والشمال یساوي 45×45 مترا”.
ويضيف الباحث في دراسته: “هناك ثلاثة أبواب للمسجد من الخشب مستطیلة تنتهي من أعلى بأقواس مسلوبة وهناك زخرفة الصدفة في نهایة القوس، ومجموعة من الشبابیك المستطیلة من الخشب بزخرفة السبحة یعلوها أربعة مناور مستطیلة مع منشور زجاجي دائري ویعلو المسجد مئذنتان إحداهما من الناحیة الجنوبیة الغربیة وأخرى في الزاویة الشمالیة الغربیة، وهي تشبه مئذنتي السلطان المملوكي الملك ناصر حسن (748 هجريا) بالقلعة 1 بالقاهرة”.
وأوضحت الدراسة أن مساحة المسجد تتسع لعدد 10 آلاف مصلٍ، كما يشمل معهدا لتأهیل الأئمة، وحلقات لدراسة القرآن صباحاً، بجانب ساحة “الإمام مالك” لتدریس العلوم الشرعیة.
وخلصت إلى أن “مسجد الخرطوم الكبیر یعتبر من أمیز المساجد في السودان في شكله ومواد وطریقة بنائه، كما تمیز بزخارف وحلي إسلامیة وبقي صامداً لمدة مائة وعشرين عاما”.