حرية – (18/3/2024)
يسود الاعتقاد بأن الكتاب الرقمي يتصدر المشهد في عالم الكتب وأن الكتاب الورقي إلى زوال وذلك بسبب التحول الرقمي المتسارع الذي يشهده العالم في الآونة الأخيرة. ولكنّ الدراسات العلمية والمقابلات التي أجراها الكاتب مع مؤلفين ومتخصصين ومسؤولين وقراء تحكي لنا قصة أخرى.
تؤكد هذه المصادر المختلفة أن الكتاب الورقي لا يزال في الصدارة بين القراء.
توصلت دراسة قامت بها كلية الأعمال والاقتصاد بجامعة ماكويري بأستراليا على عينة من ألف كاتب وناشر إلى أن نصيب الكتب المطبوعة يأتي في الصدارة بنسبة 45% بالمقارنة ب35% للكتب الرقمية أو الإلكترونية كما أن نسبة الكتب الصوتية أو المسموعة في ازدياد.
أسباب نهضة الكتاب الورقي
بسبب التحول الرقمي الهائل وثورة التكنولوجيا أصبح البعض يريد العودة للشكل التقليدي للكتاب من أجل الهروب من أشعة أجهزة الكومبيوتر والهاتف التي تحيط بالإنسان في كل مكان، ومن هنا فإن الهروب من صخب التكنولوجيا وتأثير الأشعة السلبي على صحة الإنسان، كان السبيل أمام إحياء الكتب الورقية لدى قطاع من القراء.
يمثل الكتاب الورقي أيضاً علاقة بين الكاتب والقارئ، تقول شيخة- خلال مقابلة معها على هامش معرض مسقط الدولي للكتاب أنها تدون ملاحظاتها داخل الكتاب الورقي وتتحاور مع الكاتب وتطرح عليه أسئلة من خلال ما تكتبه من ملاحظات داخل الكتاب، وتضيف أن هذه العلاقة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الكتاب الورقي.
أجرينا أيضاً مقابلات مع العديد من دور النشر اللبنانية والسورية والمصرية والسعودية والكويتية والعمانية والبريطانية وغيرها في معرض مسقط الدولي للكتاب. وأكد الجميع لي أن الكتاب الورقي لا يزال في المقدمة، والدليل هو وجودهم داخل معرض مسقط وغيره من المعارض.
ويرى الدكتور خالد عزب مؤلف كتاب “النشر في الوطن العربي” والمتخصص في شؤون النشر الورقي والرقمي أن العلاقة الحميمة بين القارئ والكتاب الورقي حاسمة في عادات القراءة ونموها، لذا ركزت المكتبات على حملات إعلانية على مواقع التواصل الاجتماعي مع تكثيف خدمات توصيل الكتب للمنازل بسبب زيادة الإقبال عليها.
ويضيف أن زيارة أكثر من ثلاثة ملايين شخص لمعرض القاهرة الدولي للكتاب يعكس أهمية الكتاب الورقي بجانب الرقمي، كما زار نحو 400 ألف معرض مسقط الدولي للكتاب خلال عام 2024 وهي نسبة كبيرة بالنظر لعدد سكان سلطنة عمان.
تحديات الكتاب الورقي وأسباب تزايد الإقبال على الرقمي والمسموع
يعد إرتفاع تكلفة الورق وزيادة سعر الكتب الورقية من العقبات الرئيسية التي تقلل من النشر والإقبال على هذا النوع من الكتب.
يضاف إلى ذلك صعوبة حمل العديد من الكتب خلال السفر، كما لا توجد مساحات كافية في المنازل لاقتناء الكتب، من خلال مكتبة في أحد أركان المنزل.
يضاف إلى أن ميزات الكتاب الإلكتروني تجعل البعض يميل إليها ويقلل من استخدام الورقي.
فيما يزداد النشر الإلكتروني بسبب سهولة الحصول على الكتب الالكترونية وسهولة البحث في مكتبات بكاملها على جهاز الكومبيوتر أو الهاتف الذكي، كما يزداد الإقبال عليها من قبل القراء لرخص ثمنها وسهولة التنقل بها.
ويقبل المؤلفون والكتاب على النشر الإلكتروني من خلال ما يعرف بالـ”النشر الذاتي” من أجل تجنب التعامل مع الناشرين التقليديين الذين قد يرفضون أعمالهم، بالإضافة لتوفير وقت الحصول على الموافقات من الجهات الرقابية لنشر بعض الكتب.
أشارت بعض الدراسات إلى أن نحو 60% من المؤلفين تحولوا لشركات النشر الإلكتروني لأسباب تتعلق بالنواحي المالية والإبداعية، إذ ساهمت منصات النشر الذاتي بدور كبير في زيادة عدد الكتب الإلكترونية.
تشير بعض الدراسات مثل دراسة جامعة ماكويري الأسترالية إلى أن النشر الالكتروني مكّن دخول النساء أكثر فأكثر لعالم النشر. يحصل الكاتب على مكاسب تصل إلى 100% من خلال النشر الالكتروني بالمقارنة ب2-10% من الناشرين التقليديين.
واستطاع نحو 50% من الكُتّاب جني أرباح بجانب بيع الكتب من خلال المحاضرات والتدوين والتواصل مع الجمهور عبر المنصات الرقمية، إذ تساهم هذه المنصات في خلق قاعدة قراء متابعين للمؤلفين.
عيوب الكتب الإلكترونية
إنّ الكم الهائل من الانتاج الرقمي قد يقلل من قيمة الكتاب بسبب انخفاض السعر، يضاف إلى ذلك أن القراء يحتارون إذ يواجهون ناشرين رسميين وناشرين ذاتيين، وقد تنعدم الثقة في دقة المعلومات من قبل القراء في بعض المؤلفين غير المعروفين.
في مقابلة مع بعض القراء في معرض مسقط الدولي للكتاب ذكرت لي سعاد أن أشعة الهاتف الذكي أثرت على عينيها وضعف نظرها كما أثرت الأشعة أيضاً على التهاب مفاصل اليد، وهو ما جعلها تعزف عن الكتاب الرقمي.
يضيف الدكتور خالد عزب أن الشاشات تشتت من قدرات الإنسان على التركيز عند القراءة، وأشار إلى أن عدد الناشرين العرب المتفاعلين مع الفضاء الرقمي بصورة جيدة لا يتجاوز 6% فيما تصل النسبة إلى 50% في بريطانيا.
ومن هنا، لا يتمتع أي شكل من أشكال الكتب بإجماع بين القراء، بالتالي – كيف يبدو المشهد الحقيقي في عالم الكتب؟
التكامل بين الكتابين الورقي والرقمي
سيظل الورقي والإلكتروني والمسموع في سباق للحصول على أكبر قاعدة من القراء.
ساهم التحول الرقمي في تمكين الكتاب من كبار السن من بيع كتبهم على الإنترنت كساحة للتسويق، وبالتالي فإن إمكانية تسويق الكتب الورقية على الإنترنت يشكل أحد مظاهر التكامل بين الورقي والرقمي.
كما أشارت بعض الدراسات إلى أن نحو 70% من المؤلفين تمكنوا من تحسين الترويج وبيع كتبهم بسبب التسويق الرقمي.
تنصح بعض الدراسات العلمية بأن على الناشرين أن يؤسسوا لسياسات هجينة بين الورقي والإلكتروني والمسموع من أجل التوصل لفئات مختلفة من القراء من خلال التسويق والتوزيع الإلكتروني للكتب الورقية، وتحويل الكتب الورقية لصوتية وإلكترونية.
ويستخدم المؤلفون منصات التواصل الاجتماعي للتواصل والوصول لأكبر عدد من القراء، فمثلا كاتبة روايات هاري بوتر الشهير جي كي رولينغ لديها نحو 15 مليون متابع على منصة إكس، وهو ما قد يوسع دائرة قرائها.
في هذا السياق أكد الدكتور عبد الله بن ناصر الحراصي وزير الإعلام العماني في مقابلة مع بي بي سي على هامش معرض مسقط الدولي للكتاب أن الأشكال الثلاثة للكتاب متكاملة، وقال “أستفيد من الكتاب المسموع عندما أمارس الرياضة، وأتحول للإلكتروني عند السفر لسهولة حمله وسرعة الحصول عليه، وأعود للورقي في المنزل أو المكتب في جلسة خاصة مع الكاتب حيث أتمتع بملمس الكتاب وكتابة الملاحظات”، يلخص ذلك التكامل بين أشكال الكتب المختلفة لدى مسؤول وقارئ، وهو ما يجعل السباق بينها غير محسوم لصالح واحد منها.
بالرغم من تصدرالكتاب الورقي للمشهد في الوقت الحالي، فهناك زيادة تواجد للكتاب الرقمي ولاسيّما في السنوات الأخيرة، في النهاية يصب ذلك في تنوع المصادر التي تساعد على النمو المعرفي وتقدم الأمم.