حرية – 16/4/2024
أعلنت الحكومة التونسية تصديق مجلس الوزراء على أمر بإحداث “ديوان تنمية الجنوب والصحراء” إثر انعقاد المجلس برئاسة رئيس الحكومة أحمد الحشاني.
وأدلى المجلس بموافقته على مشروع القرار وضبط تنظيمه الإداري والمالي وأسلوب تسييره، مما يمثل استجابة لدعوة الرئيس قيس سعيد إلى إحداث ديوان لدفع التنمية في مناطق الجنوب و الصحراء سعياً لإحداث توازن بين الجهات وتحقيقاً لمشاريع تنموية في هذه المناطق التي تشكو من غياب الاستثمارات العمومية، والعجز عن استقطاب المستثمرين بالقطاع الخاص وانعدام مواطن الشغل، إذ عدت المنطقة أقل حظاً في توزيع الثروات على رغم ثرائها بالموارد الطبيعية، ومع ذلك قوبل قرار التأسيس لهيكل متخصص لمواجهة التقصير الحاصل في حق هذه الجهات بانتقادات من الاقتصاديين الذين صنفوه في خانة “المؤسسات الحكومية العقيمة” على غرار جملة من الدواوين التي أسست في مراحل سابقة من دون جدوى تذكر، في ظل عجز عن احتواء غضب أهالي الجنوب المصنف على رأس قائمة المناطق المحرومة.
مهمة إحياء الجنوب الغاضب
كان الرئيس سعيد أشار إلى ضعف أداء ديوان تنمية الجنوب المؤسس عام 1984 بمقتضى قانون، ثم أعيد إحداثه عام 1994 بمقتضى قانون آخر ويشمل ست محافظات في الجنوب التونسي ، معرباً عن قناعته بأن هذا الديوان لم يحقق أهدافه، ولم يغير الظروف الصعبة للمنطقة، مشيراً إلى أحقية كل مناطق البلاد في التنمية.
وزار الرئيس التونسي قبل صدور قرار إحداث ديوان الجنوب والصحراء في الخامس من أبريل (نيسان) الجاري، محافظة قبلي (الجنوب الغربي)، وتلقى خلال الزيارة جملة من شكاوى أهالي المنطقة.
وينص المرسوم الذي أصدره الرئيس على صبغة الديوان الجديد أنه عبارة عن “مؤسسة عمومية تتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية على أن تخضع للتشريع التجاري في ما لا يتعارض مع التشريع المتعلق بالإسهامات والمؤسسات العمومية”. يخضع الديوان لإشراف الوزارة المكلفة الاقتصاد والتخطيط، وعين مقر له في مدينة توزر بالجنوب الغربي، مع إمكانية بعث جملة من الفروع بالمحافظات الجنوبية الأخرى.
وتتمثل مهام الديوان في إنجاز مشاريع تنمية وإحياء لمناطق محددة بالجنوب التونسي، بخاصة الصحراوية منها، بالتعاون مع القطاع العمومي.
وينفذ الديوان المهام التي توكلها إليه الدولة، وتتمثل في مشاريع التنمية والإحياء وتركز على المشاريع الزراعية والطاقات البديلة والمتجددة، بخاصة الطاقة الشمسية منها والفولتو – ضوئية والجيو – حرارية، وتنمية الصناعات المرتكزة على المواد المحلية، بخاصة صناعات البلور انطلاقاً من رمال الصحراء وصناعات الجبس، ثم إحداث وتطوير مشاريع السياحة البديلة، بخاصة الصحراوية وإحداث مناطق سياحية جديدة، علاوة على تنمية المناطق التجارية بالمناطق الحدودية بالتركيز على المنتجات المحلية، كما يشمل تشجيع مشاريع الصناعات الدوائية واستغلال المياه المعدنية.
ويسير الديوان مجلس إدارة يترأسه رئيس مدير عام يعين بأمر، ويتكون مجلس الإدارة من ممثلين عن رئاسة الحكومة، ووزارات الدفاع والمالية والاقتصاد والتخطيط والصناعة والمناجم والطاقة والتجهيز والإسكان والفلاحة، وأملاك الدولة والشؤون العقارية والبيئة والسياحة والصحة.
تجارب مماثلة فاشلة
وقالت وزيرة الاقتصاد والتخطيط فريال الورغي إن ديوان تنمية الجنوب والصحراء، سيسهم في ضمان حسن توجيه الاستثمار العمومي للتوظيف الأمثل لكل الإمكانات، والموارد الطبيعية والبشرية لمحافظات الجنوب، لمزيد تنمية هذه المناطق وحسن إدماجها في الحركة الاقتصادية الوطنية.
من جانبه، استبعد المتخصص في التنمية حسين الرحيلي تميز الهيكل الجديد وتحقيقه الإضافة مقارنة بالدواوين السابقة التي أنشئت في الإطار نفسه، ورأى أن من الأجدر تقييم التجارب السابقة، وهي ديوان تنمية الجنوب القائم إلى اليوم من دون إنجازات تذكر، إذ غابت التنمية على تلك المناطق بصفة كلية ويمثل بعث الديوان الجديد اعترافاً ضمنياً بفشل المؤسسات السابقة.
وأضاف الرحيلي أن الحكومات تواصل استنساخ المقاربة نفسها على رغم ثبوت فشلها وجمودها وتأسيسها للبيروقراطية، بحكم أن هذه الدواوين مؤسسات عمومية عاجزة عن خلق مصادر لإنتاج الثروة، مشيراً إلى أن التنمية تتطلب التأسيس لاستراتيجية تنطوي على رؤية حكومية شاملة، وتوفير الموارد المالية لتطبيقها على أرض الواقع وبنية تحتية مناسبة بعيداً من تأسيس آليات عقيمة، وفق وصفه. وتابع قائلاً “لا يتعلق الإشكال في الجنوب التونسي المعزول بحكم انعدام شبكة الطرقات وتهالك البنية التحتية وسائل النقل، بل غيابها كلياً في بعض المناطق، علاوة على غياب الربط بالاتصالات والماء وهي عوامل طاردة للاستثمار.
من جهته، رأى عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مستقلة) منير حسين أن إحداث هذا الهيكل الجديد يأتي في إطار سعي الدولة التونسية لتعويض تخليها عن التنمية المحلية، ويقول إن بلاده تبنت في الفترة التي تلت الاستقلال مباشرة توجهات تنموية تركز على التنمية في الداخل، وتنمية المناطق الداخلية، ريفية كانت أو حضرية، وتلتها فترة الانفتاح التي تمثلت في اختيارات تبحث عن التموقع في الخارج، وكان ذلك على حساب المناطق الداخلية والتخلي خلالها على التنمية الجهوية، في إطار المراحل التي مرت بها الدولة.
أما ما ميز الفترة الأولى، وفق حسين، فهو إنشاء مجموعة من الدواوين لإحياء مناطق الوسط والجنوب، وهي دواوين قطاعية أو جهوية، وبمرورها إلى سياسة الانفتاح لم توفر الدولة التونسية البديل لذلك المنوال، وتخلت تماماً عن تلك الدواوين واتجهت إلى حلول ترقيعية لتفادي الانفجار الاجتماعي، ووقع في أول التسعينيات من القرن الماضي، تأسيس بنك التضامن القائم على التبرعات لصندوق يعنى بالنهوض بالمناطق الفقيرة، وتمويل الاستثمارات فيها في توجه لمواجهة حدة الفقر.
وأضاف منير حسين “في الإطار نفسه يأتي تأسيس الديوان الجديد الذي يعنى بالتنمية في الجنوب والصحراء ليمثل عودة للبحث عن بديل، أما العراقيل التي يرجح أن يواجهها، فهي انعدام التمويلات اللازمة لتنفيذ التوجهات الجديدة، في هذه المناطق المتعطشة للاستثمار، كما يطرح بعث الدواوين من طرف الدولة إلى التساؤل حول إمكانية العودة إلى قيادة الاقتصاد بعد ما أظهرته في الفترات القريبة السابقة من رغبة في تحريره”، موضحاً أن الصعوبات المالية تحول دون تجسيد هذا الخيار في حال التراجع فعلاً عن اختيار المبادرة الخاصة والعودة لاقتصاد الدولة، إضافة إلى ما يتطلبه من مراجعة القوانين والتشريعات.