حرية – (28/4/2024)
هل أصبح الاجتياح الإسرائيلي العسكري لمدينة رفح في جنوب قطاع غزة فعلا وشيكا؟ ربما!
فالعالم بات يتحدث عنه وكأنه من المسلمات، لكن غرابة هذا المنطق يبددها تصريحات نتنياهو المستمرة عن رفح وأهمية المدينة التي تضخمت لتصبح أكبر بكثير من حجمها.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتاد تكرار تهديد رفح بالاجتياح، فقد أعلن، بحسب موقع تايمز أوف إسرائيل، أربع مرات على الأقل في الشهرين الماضيين عن اقتراب العملية العسكرية البرية على المدينة المكتظة بالسكان والنازحين. وضخمت معركة رفح وكأنها معركة الحسم مع دولة عظمى، وكأن الحرب المدمرة المتواصلة منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول ليست بشيء إزاء تلك المعركة.
فلماذا يريد نتنياهو اجتياح رفح الذي وصفته نائبة رئيس الولايات المتحدة كامالا هاريس في لقاء على قناة “إي بي سي”بأنه خطأ فادح، وأوضحت “لقد درست المنطقة، لا يوجد مكان يذهب إليه مليون ونصف مليون شخص في رفح طلب منهم النزوح إلى هناك.”
ووصفت الإعلامية رافيت هيتشيت من صحيفة هآرتس هذا الاجتياح بـ”المغامرة التي يقودها جيش أشرف على كارثة فظيعة وحرب فاشلة” وأوضحت ساخرة “حكومة الحرب الإسرائيلية لديها جدول أعمال مزدحم بالحروب، فرفح أولاً، ثم حزب الله، ثم إيران، لكن بنك الأهداف يا للأسف لم يشمل روسيا والصين”.
ماذا يدور في ذهن نتنياهو؟
من الصعب معرفة كيف يفكر نتنياهو. ويتساءل الإعلامي غيدعون ليفي في مقالة نشرها في صحيفة هآرتس إن كانت قرارات نتنياهو تتعلق بإرضاء شركائه في الائتلاف، أو إن كان فعلا يعتقد أن اجتياح رفح سيحقق النصر!
هدد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير مؤخرا الحكومة، بحسب موقع “بولتيكو” الأمريكي، قائلا: إذا قرر رئيس الوزراء إنهاء الحرب دون شن هجوم كبير على رفح لهزيمة حماس، فلن يكون لديه تفويض للاستمرار في منصبه.
وإذ خسر نتنياهو دعم بن غفير، فإن حكومته ستنهار مما يؤدي إلى انتخابات من المرجح أن يخسرها.
وقد يكون الإعلان عن اجتياح رفح بحسب موقع واي نت نقلا عن خبراء هو تكتيك أو ورقة ضغط على حماس لقبول شروط إسرائيل لإطلاق سراح الرهائن.
وقد يكون الإعلان الأخير عن اقتراب الاجتياح لتفتيت الصراع وتشتيت الانتباه عما يجري في قطاع غزه من شماله إلى جنوبه وصرف النظر عن الموت بسبب التجويع الذي بدأ يشهده فعليا شمال غزة بحسب هيومان رايتس ووتش.
ولا ينبغي أن ننسى الأزمات السياسية الحقيقية التي يواجهها نتنياهو خارجيا وداخليا، ففي إسرائيل بدأت المظاهرات تأخذ زخما جديدا، ورفعت شعارات لا تطالب بصفقة تبادل فقط، ولكن بإسقاط نتنياهو.
كما تزايدت الضغوط العالمية على الحكومة بعدما قتل الجيش الإسرائيلي سبعة من العاملين في المجال الإنساني في منظمة “المطبخ المركزي العالمي” في نفس الفترة التي قصفت فيها القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من إبريل/نيسان.
وتقول خبيرة الشؤون الإسرائيلية ميراف زونسزين في موقع +972، إن تهديد نتنياهو بالغزو يمكن أن يكون “خدعة” إذ يعطيه هذا غطاء ليقول في المستقبل، إن السبب وراء عدم قدرة إسرائيل على هزيمة حماس بالكامل كان نتيجة معارضة الولايات المتحدة لغزو بري كبير في رفح.
وأوضحت كيف أن إسرائيل استفادت من الضربة الانتقامية التي نفذتها إيران عليها. إذ ساعدت في تراجع عزلتها الدبلوماسية عالميا واتكل نتنياهو على تحالف استراتيجي ضد إيران، وانشغل مجلس الأمن في إدانة إيران بدلا من مناقشة وقف إطلاق النار في غزة.
إن تسليط الضوء على رفح يخدم أيضًا غرضًا آخر، وهو تشتيت الانتباه وتفتيت الصراع، وقد يساعد هذا نتنياهو الذي أخبر بلينكن بحسب مجلة تايم الأمريكية صراحة في الشهر الماضي أن إسرائيل ستدخل إلى رفح بموافقة الولايات المتحدة أو بدونها.
نحن لا نعرف ما الذي يدور في رأس نتنياهو، لكننا نعلم أن إسرائيل لا تستطيع اجتياح رفح دون دعم الولايات المتحدة.
الاستعدادات المعلنة
إسرائيل رغم إعلانها السيطرة على الشمال لا تزال تقصفه برا وبحرا وجوا، ويتعين عليها القيام بعمليات متكررة لمنع حماس من إعادة تجميع صفوفها، وعليها إحباط الكمائن والهجمات على قواتها التي قال الجيش الإسرائيلي إنه يتوقع استمرارها في شكل حرب عصابات في جميع أنحاء القطاع لسنوات مقبلة. وعليها أيضًا، وبشكل أساسي، تفكيك سلطة حماس إداريًا، ويبدو أن هذا لا يزال بعيد المنال في هذه المرحلة، بعد مرور ستة أشهر على الحرب.
ولا يمكن أن تتم عملية غزو رفح عسكريا في أي وقت قريب لأسباب لوجستية، بحسب تقارير إعلامية.
الجيش الإسرائيلي قال إنه حشد لواءين من جنود الاحتياط للقيام بمهام في غزة، وقال متحدث باسم حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن إسرائيل “تمضي قدما” في عملية برية، لكنه لم يذكر جدولا زمنيا.
وأشارت تقارير إعلامية غير مؤكدة إلى نشر المزيد من المدفعية وناقلات الجنود المدرعة في محيط قطاع غزة. وقالت صحيفة معاريف الإسرائيلية اليومية إن القوات وضعت في حالة تأهب، لكن الجيش الإسرائيلي رفض التعليق على تلك التقارير.
وتعتقد إسرائيل أن قيادة حماس، إلى جانب أربع كتائب من المقاتلين، متمركزة في رفح، وتحتجز الرهائن هناك. والعملية البرية في رفح ضرورية لتحقيق “النصر الكامل”.
وأظهر مقطع فيديو تداوله البعض عبر الإنترنت وتأكد فريق بي بي سي لتقصي الحقائق من صحته، صفوفًا من الخيام البيضاء نصبت في منطقة في خان يونس، التي دمرت عقب حملة جوية وبرية إسرائيلية استمرت لأشهر، وتبعد 5 كم شمال رفح، .
وتشير التسريبات، بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، إلى شراء الحكومة الإسرائيلية 40 ألف خيمة تتسع كل منها لـ 12 شخصا، مما يشير إلى خطة لتهجير ما يقرب من نصف مليون فلسطيني.
لكن كبار المسؤولين في إدارة بايدن، بحسب شبكة “سي إن إن”، يعتبرون إعلان نتنياهو مجرد تهديد. وقال أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي في مؤتمر صحفي، “ليس لدينا موعد لأي عملية في رفح، ولا أرى أي شيء وشيك”.
وقال يوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، بحسب موقع تايمز أوف إسرائيل، في التاسع من إبريل إنه أخبر لويد أوستن، وزير الدفاع الأمريكي، أن إسرائيل لا تزال تضع خططها لهجوم محتمل. وأشار لأوستن إلى أنه لم يتم تحديد موعد للغزو.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بمجلس النواب جون كيربي “لا نرى أي مؤشر على أن القوات التي سحبت من خان يونس سيتم إعادة تمركزها للقيام بهذا النوع من العمليات البرية”.
وفي رأي عاموس هاريل، المحلل والكاتب العسكري والدفاعي لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، “أن المساعدات، التي كانت تمثل ورقة ضغط بيد إسرائيل لإطلاق سراح الرهائن، لم تعد تمتلكها الآن، ولذلك فإن اجتياح رفح قد يكون وسيلة بديلة لزيادة الضغط على حماس في المفاوضات”.
وأضاف: “لقد أخبر بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعدم موافقته على غزو رفح، لذلك قد نشهد توغلاً أصغر خلال فترة زمنية محدودة تضرب فيه إسرائيل كتائب حماس بقوة ثم تنسحب”.
كما أن هناك تقارير أمريكية تؤكد أنه لا توجد خيارات إخلاء قابلة للتطبيق، رغم ما قاله نتنياهو في التاسع من فبراير/شباط، أنه أمر الجيش بإعداد خطط إخلاء لمدينة رفح تحسبا لهجوم بري.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الولايات المتحدة تجري محادثات مع الدول العربية بهدف إنشاء “سلطة انتقالية متعددة الجنسيات” تكون مسؤولة عن حكم وإعادة بناء القطاع على مدى السنوات الخمس المقبلة كجزء من خطوات نحو الاعتراف بدولة فلسطينية. وهذا يعيد إلى الأذهان اتفاق أوسلو الذي يعتبره عدد كبير من الفلسطينيين فخا لا ينبغي القبول به.
معضلة نتنياهو في اجتياح رفح
مساحة رفح لمن لا يعرفها لا تتجاوز حجم مطار كبير في المدن الأوروبية، فمنطقة مساحتها المأهولة أكثر بقليل من 55كم مربعا تحتضن مليون ونصف مليون إنسان، لو رميت فيها حجرا لأصبت أكثر من ألف شخص.
وأكثر من نصف الفلسطينيين في قطاع غزة يقيمون حاليًا في ضواحي رفح، التي تضخمت إلى أكثر من سبعة أضعاف عدد سكانها الطبيعي.
ورفح بوابة المساعدات الإنسانية لكل القطاع، وأي عملية عسكرية قد تقيد المساعدات الإنسانية من دخول المحافظة وتمنع الجهات الفاعلة في مجال الإغاثة المتمركزة في رفح من الوصول إلى الناس في المناطق الأخرى، فمن لا تقتله القذائف سيقتله الجوع أو المرض.
وتقع رفح على حدود شبه جزيرة سيناء، وهي موطن لمعبر مع مصر. ويوجد في المحافظة أيضًا معبر مع إسرائيل يسمى كرم أبو سالم.
ويصر القادة الإسرائيليون على أنهم لا يستطيعون كسب الحرب دون هزيمة ما تبقى من حماس في رفح. لكن هذا لن يقضي على حماس بالكامل، بحسب عدد من الخبراء الإسرائيليين، وتبدو العواقب مشابهة إلى حد كبير لما يحدث بالفعل في شمال غزة، بل قد تكون أسوأ.
فالتحدي الرئيسي الذي تواجهه إسرائيل لا يقتصر على تفكيك قدرات حماس العسكرية فحسب، بل أيضاً وبشكل أساسي، معرفة من سيخلف حماس في غزة، وكيف سيمتد تأثير حرب غزة على الضفة الغربية وعلى الفلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية، وعلى المنطقة بأسرها.
ويثير الإعلان عن شن هجوم كبير على رفح معارضة دولية شديدة، بما في ذلك الولايات المتحدة. إذ أعربت واشنطن عن شكوكها العميقة بشأن خطة إسرائيل لاجتياح رفح، وتقول إن أهداف الحرب يمكن تحقيقها من خلال وسائل أخرى.
وتسعى الولايات المتحدة إلى إقناع إسرائيل بالاكتفاء بشن المزيد من الضربات التي تستهدف قيادة حماس والتنسيق مع القاهرة من أجل تأمين الحدود بين مصر وغزة لمنع التهريب.
لكن مصر تنفي تماما إمكانية التهريب عبر حدودها مع غزة. ومن المؤكد تقريبًا أن أي عملية برية كبيرة في رفح تحتاج إلى التنسيق مع واشنطن والقاهرة، نظرًا لموقع المدينة على الحدود المصرية.
كما تعارض مجموعة السبع عملية عسكرية برية واسعة النطاق في رفح مع تزايد المخاوف من مقتل الكثير من المدنيين.
أما بريطانيا فقد حذرت بحسب تايمز أوف إسرائيل على لسان وزير الخارجية ديفيد كاميرون من مغبة فشل مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس.
وبحسب مجلة تايم تراجعت الولايات المتحدة بقوة عن خطة رفح، رغم استمرارها في دعم المجهود الحربي الإسرائيلي.
فمع تزاحم أكثر من مليون فلسطيني نازح في رفح، من المؤكد أن العملية البرية ستؤدي إلى تفاقم الكارثة الإنسانية التي شهدتها غزة منذ الحرب.
وكانت إسرائيل تسعى إلى الاعتماد على منظمة “المطبخ المركزي العالمي” لملإ الفراغ اللوجستي لتكون بديلا لسلطة حماس ووكالة غوث اللاجئين الأونروا العاملة في غزة التي سعى نتنياهو إلى التخلص منها، لكن الغارة الإسرائيلية على قافلة المطبخ المركزي العالمي ومقتل سبعة من عمال الإغاثة أدت إلى إيقاف خدماتها، التي لم يعلن عن استئنافها إلا مؤخراً.
وتساءل مسؤولون أمريكيون خلال مناقشة اجتياح رفح مع نظرائهم الإسرائيليين عن كيفية القضاء على مسلحي حماس المتبقين البالغ عددهم 3000 مقاتل في رفح – بحسب التقديرات الإسرائيلية- دون تعريض 1.4 مليون فلسطيني هناك للخطر.
أما المعضلة الأكبر فهي ماذا سيفعل نتنياهو إن اجتاح رفح ولم يحقق أهدافه؟
“العالم يريدنا أن نموت”
في صباح أحد الأيام في الشهر الحالي أرسل مكتب الشؤون الفلسطينية في السفارة الأمريكية في القدس برقية تحذير عاجلة وصفت بالحساسة إلى مسؤولي وزارة الخارجية في واشنطن حملت عنوان: الغزو الإسرائيلي لرفح سيكون له “عواقب إنسانية فادحة”. وتزامنت هذه البرقية مع تزايد الضغوط على الرئيس الأمريكي بايدن داخليا وعالميا لوقف الحرب في غزة.
وقال موقع ذا أنترسبت” الأمريكي الذي نشر بعض ما جاء في البرقية الدبلوماسية “العبور من رفح أصبح صعباً وخطيراً بسبب الطرق المزدحمة للغاية، الناس هنا يقولون “العالم يريدنا أن نموت”. وجاء في التحذيرات أن إسرائيل تشن غارات جوية شبه يومية على رفح حيث يحتمي أكثر من نصف سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.
وتفاقم الذعر في رفح مع تزايد الغارات الجوية المميتة على المدينة المكتظة، فالهجوم الإسرائيلي المحتمل سيقطع كل المساعدات وسينهار معه النظام الصحي تماما.
وزارة الخارجية الأمريكية لم تعلق على التسريبات الإعلامية.
قطاع غزة كله تحت القصف يوميا ويتعرض إلى غارات مكثفة وموت بالجملة.
والحديث عن رفح مؤخرا يشعرك وكأن رفح لم تقصف بعد، فرفح بحسب موقع بوليتيكو “تجاوزت نقطة الأزمة” وغزة ليست وحيدة في هذا التوتر مع الفارق.
فالتوتر في الضفة الغربية المحتلة يتفاقم، وقتلت القوات الإسرائيلية ومستوطنون إسرائيليون حتى الآن 469 فلسطينيا منذ بدء حرب غزة، وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية. وقُتل معظمهم خلال مداهمات الجيش الإسرائيلي التي تؤدي غالبا إلى مواجهات واحتجاجات عنيفة. كما قتل عدد من الإسرائيليين في هجمات متفرقة شنها فلسطينيون.
وقُتل، بحسب المصادر الفلسطينية، أكثر من 34 ألف فلسطيني في الحرب التي بدأت بعد طوفان الأقصى الذي شنته حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وقُتل فيه 1200 إسرائيلي واحتجز حوالي 250 رهينة إسرائيلية بحسب تقارير إسرائيلية.
ويبدو أن العالم بات يدرك أنه لا بد من نزع فتيل الحرب، فيوم الجمعة، قال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جيك سوليفان، إنه يرى زخما جديدا في محادثات إنهاء الحرب في غزة بين حماس وإسرائيل بوساطة قطرية ومصرية.
وقد لا يكون من الحكمة أن يتعامل الساسة مع غزة على أنها بعيدة عن الضفة الغربية فهي امتداد لها، أما خارجيا فلا الجبهة اللبنانية هادئة ولا المواجهة مع إيران باتت مستبعدة. فهل فتح جبهة برية جديدة في رفح سيساعد في إطفاء الحرب أم أنه سيفتح باب جهنم؟