حرية – (11/5/2024)
ليس خافياً أن جولة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى فرنسا وصربيا والمجر تندرج في إطار الحفاظ على المكتسبات الاقتصادية للصين وهي تفتح المجال لمناقشة عن قرب لمختلف القضايا التجارية العالقة وملف المناخ، في محاولة لخلق أجواء محفزة ومطمئنة للشركاء في أوروبا، وفي مضامينها رسالة مشفرة لدول أخرى في الاتحاد الأوروبي يفرض عليها بضغط أمريكي مستتر أن تراجع وتقلص علاقاتها التجارية مع الصين.
في وقت لا تقوم فيه الولايات المتحدة بشيء سوى أنها تزيد من متاعب القارة العجوز بتغذية الصراع في أوكرانيا ومنه إطالة أمد أزمة الطاقة على هذه الدول، والحقيقة أن الجميع في أوروبا بمن فيهم ألمانيا التي تقف على رأس الكتلة رافعة شعارات أمريكية، أحوج إلى مدخرات الصين وأموالها فائضة وإلى مصادر تمويل للمشاريع والبنى الأساسية في وقت لا تفعل فيه أمريكا شيئاً سوى حث شركائها على زيادة الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا.
أقحمت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ملف أوكرانيا خلال المحادثات التي جمعتها بـ” شي ” في باريس، حيث طالبت أورسولا بأن تستخدم بكين نفوذها على روسيا لإنهاء الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا وذهبت إلى أبعد من ذلك عندما طلبت من الزعيم الصيني أن تساعد بكين في وقف انتشار الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، متجاهلة الإشارة إلى مبادرة الصين لحل الأزمة الأوكرانية التي أطلقتها العام الماضي وهو ما يقدم تأكيداً على أن الموقف الأوروبي مع روسيا غير قابل للتغيير.
الصين كانت قد قدمت المبادرة الأكثر واقعية لحل الأزمة في أوكرانيا وجاء من ضمن بنودها أن يتم التخلي عن عقلية الحرب الباردة، وأن يتم استئناف محادثات السلام وفق مبدأ احترام سيادة الدول حتى إن الرئيس الأوكراني نفسه رحب بتلك المبادرة، لكنها لم تلقَ استجابة، والسبب أن المواقف الأوروبية مرهونة بالموقف الأمريكي فيما يخص أوكرانيا وروسيا، وأمريكا ترى في مبادرة الصين محاولة لإخراج بوتين منتصراً من الحرب.
لذلك فإن كلام أورسولا حول إنهاء الحرب في أوكرانيا يمكن تأويله على أنه نوع من المساومة؛ بمعنى أن أورسولا تقول بأسلوب أقل حدة إنه لا يمكن للطموح الصيني في المزيد من العلاقات الاقتصادية مع أوروبا أن يجتمع مع التوجه الصيني نحو تعميق تحالفها العسكري مع روسيا بنقلها على نطاق واسع لأسلحة فتاكة ومنتجات مزدوجة عالية التقنية، ولا يمكن للصين أن تستمر في دعم برنامج إيران للطائرات المسيرة والتي بدورها تقوم بإرسالها لروسيا ليتم استعمالها في أوكرانيا.
الصين ليس لديها مصلحة بإلحاق الضرر بمصالحها وتجارتها الدولية ومشاريعها مع الدول الأوروبية، وقد استجابت للشروط الأوروبية وأكدت مراراً أنها لن تقوم ببيع الأسلحة؛ مما يجعلها طرفاً مشاركاً في الأزمة بأوكرانيا.
في المقابل تصر بكين على أن تمارس حقها في تطوير علاقات تجارية “طبيعية” مع جميع البلدان بما في ذلك روسيا، لذلك لم تنجح الضغوط الغربية في إيقاف النشاط المزدهر للمبادلات التجارية بين الصين وروسيا؛ حيث زادت القوتان الجارتان من تجارتهما في السلع والخدمات ووصلت قيمة المبادلات التجارية بينهما إلى 240.1 مليار دولار عام 2023 بزيادة قدرت بـ26%.
المد والجزر الذي يسببه احتدام المنافسة الاقتصادية بين الصين والاتحاد الأوروبي لا يمنع أن يكون كل طرف بحاجة إلى الآخر، وبمثل ما يحتاج الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي إلى بكين في الحصول على المعادن النادرة، تحتاج الصين بدورها إلى الاتحاد الأوروبي من أجل استيراد التكنولوجيا الفائقة وبشكل خاص منذ اتخذ الأمريكيون تدابير ضد تصدير التكنولوجيات إلى الصين، لذلك فإن التأثير على العلاقة الاقتصادية المتينة لا يمكن أن يكون إلا في مصلحة الولايات المتحدة التي تمارس هيمنة واضحة على السياسات الخارجية الأوروبية وتجد في حرب أوكرانيا الذريعة المناسبة للتشويش والحد من التقدم الصيني، فهل سينجح اللغم الأمريكي في أن يقف عقبة أمام الصين ويقطع طريقها نحو أوروبا؟