حرية – (13/5/2024)
ولدوا من علاقات عابرة جمعت بين نساء ألمانيات ورجال عرب، وعلى رغم أنهم كبروا بين أحضان أسر ألمانية تبنتهم، فإن رغبتهم في معرفة جذورهم دفعت بعضهم إلى تعلم اللغة العربية والسفر إلى دول عربية بحثاً عن الأب البيولوجي.
من بين هؤلاء كلارا التي لا تعرف شيئاً عن أبيها سوى اسمه، وأنه جاء لزيارة عمل موقتة فحسب، وتعرف إلى والدتها وبعد انتهاء زيارته عاد إلى وطنه، حتى والدتها لا تعرف عنه كثيراً سوى أنه عربي.
تقول كلارا البالغة من العمر 34 سنة وتعيش في برلين، “مع بلوغي 13 سنة شعرت برغبة كبيرة في معرفته، لا سيما أنني أشبهه بصورة كبيرة. الناس دائماً يسألونني في المدرسة عن أصولي، كنت أتخيل كيف ستكون عائلتي وهل لديَّ أشقاء وكيف هم؟”.
لا تملك كلارا أي جواب عن مكان وجود والدها، كما أن علاقة والدها بوالدتها كانت مجرد علاقة عابرة لم تستمر لفترة طويلة.
وتضيف الشابة الألمانية، “شعرت برغبة كبيرة في تعلم اللغة العربية والتعرف على الثقافة العربية، لقد كان تعلم اللغة بالنسبة لي وسيلة لاكتشاف جذوري ومن أكون”.
محقق خاص
يقبل عدد من الشباب الذين يعودون إلى جذور عربية على تعلم اللغة كوسيلة تساعدهم في رحلة البحث عن الأب.
جيتا ساكس عارضة أزياء ومنتجة أغان ألمانية قررت هي أيضاً أن تبحث عن والدها المغربي، وتقول “منذ 12 عاماً بدأت البحث عن والدي ووجدته في المغرب وبالضبط في الصويرة”.
نشأت جيتا مع والدتها، التي تعمل مربية في حضانة أطفال، ولم يسبق لها أن التقت والدها أحمد، الذي كان يدرس السياحة في زيوريخ في ذلك الوقت.
لم تبدأ عارضة الأزياء الألمانية البحث عن والدها البيولوجي إلا بعد وفاة والدتها، وأعلنت حينها عن عملية بحث كبيرة رافقها فيها فريق تصوير ومحقق خاص.
وعن عثورها عن والدها تقول جيتا، “نعم، لقد وجدت ما كنت أبحث عنه. تخلصت من ثقل كبير كان يخنقني، لقد وجدت جذوري، وتمكنت أخيراً من النظر في عيني الرجل الذي أنا جزء منه”.
أطفال الوقواق
ولد أنطوان في أوائل الثمانينيات في دريسن بشرق ألمانيا، وأخفت عنه والدته حقيقة أن والده البيولوجي من فلسطين، وهو واحد من الأطفال الذين يطلق عليهم في ألمانيا أطفال الوقواق، “Kuckuckskinder” تشبيهاً بسلوك أنثى الوقواق التي تضع بيضها في أعشاش الطيور المغردة الأخرى وتتركها تفقس هناك. ويصل بها الأمر إلى حد أنها تكيف نمط بيضها مع بيض الطيور الأخرى.
من خلال الاختبارات الجينية اكتشف أنطوان أن والده ليس ألمانيا وأن أصوله عربية وفي الغالب فلسطينية. وبحث في قواعد بيانات الحمض النووي، ليس فقط من أين أتى جغرافياً، لكن أيضاً اتصالاته مع أقاربه.
وعندما بحث الشاب الألماني تأكد من أن والده هو شخص فلسطيني، فقرر البحث عن عائلته وجذوره العربية، ولذلك تعلم أنطوان اللغة العربية واختار أن يحمل أطفاله الثلاثة أسماء عربية.
يقول أنطوان، “بغض النظر عما إذا كنت سأجد هذا الأب أو لا، لكن ما وجدته بالفعل وحصلت عليه من خلال هذا البحث ثري للغاية”.
الشعور بعدم الانتماء
وبحسب الباحث في علم النفس وينفريد فيرسهوفن، فإن “آباءنا هم الأشخاص الذين كان لهم التأثير الأكبر في حياتنا، بخاصة في السنوات الأولى من حياتنا، ويعد غياب أحد الوالدين أو حتى كليهما تجربة مؤلمة”. ويضيف، “الشوق للتعرف على الأب البيولوجي لا يختفي حتى وإن اختلفت درجته، لكن الرغبة في معرفة من أين أتيت تهم جميع الأطفال الذين مروا بتجربة التبني”. ويتابع، “غالباً ما يقول الأطفال، نعم شعرت بعدم الأمان أو الشعور بعدم الانتماء، لكنني لم أستطع تصنيفه أو وصفه”.
يقول فيرسهوفن، “من المهم بصورة كبيرة كيف تتحدث الأم عن الأب، سواء كان بصورة إيجابية أو سلبية أو بصورة محايدة. عندما تلعنه هي تقدم للطفل صورة الأب الشرير، بالتالي يمكنها أن تحكي عنه قصصاً إيجابية لتجعل صورة الأب جيدة لدى الطفل”.
ويؤكد الباحث في علم النفس أن “بناء صورة رمزية داخلية جيدة عن والدهم بدعم من والدتهم، تساعد الأطفال في المستقبل على التطور وامتلاك صورة جيدة عن الأبوة والرجولة، إذ تؤثر صور الأب هذه بعمق في حاجات الأطفال للتواصل والحماية والأمن وتأكيد الذات واحترامها. ويمكن أن يخلق هذا بعد ذلك شعوراً بالكمال ويشكل الأساس لوعي ذاتي مستقر وهوية متوازنة”.