حرية – (19/5/2024)
علمت صحيفة “اندبندنت” أن 6 أشخاص يلقون حتفهم كل أسبوع في المملكة المتحدة، بسبب مخدرات الشوارع المصنعة في الصين، وهي عالية التركيز، ومفعولها 500 مرة أقوى من المورفين، مما يمثل ارتفاعاً مثيراً للقلق في عدد الوفيات.
وتظهر أرقام جديدة صادمة وقوع 75 حالة وفاة إضافية مرتبطة بهذه المواد الأفيونية الاصطناعية التي تسمى “نيتازين” Nitazenes، وذلك في الأسابيع الـ11 الماضية حتى الـ9 من مايو (أيار) الجاري، مما يرفع عدد الأفراد الذين فقدوا حياتهم بسببها إلى 176 في أقل من عام.
وتوضح “الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة” National Crime Agency (NCA) أن العدد الإجمالي يشمل 106 حالات وفاة في إنجلترا، و21 في ويلز، و47 في اسكتلندا، وحالتين في إيرلندا الشمالية منذ يونيو (حزيران) الماضي.
ويرى خبراء أن هذه الأرقام “تشكل دليلاً” على أن المخدرات القاتلة تزداد انتشاراً في بريطانيا بعد أشهر قليلة من إصدار تحذيرات كانت وجهت في شأن احتمال انتشار وباء المواد الأفيونية يشبه انتشارها في الولايات المتحدة. وهم يخشون من أن الحجم الحقيقي للأزمة لم يكشف عنه بعد، نظراً إلى البطء في الاستجابة، إن على مستوى الاختبارات أو لجهة الكشف عن الحالات.
وأفاد أحد هؤلاء الخبراء محذراً أنه “في حين أن كثراً في الشوارع يدركون الخطورة القاتلة لمادة ’نيتازين‘، إلا أن عملياتنا وأنظمتنا لا تتعامل بالسرعة الكافية مع المسألة”.
وتأتي هذه الأرقام بعدما أصدر وزير الدولة البريطاني المعني بشؤون الشرطة كريس فيلب تحديثاً الشهر الماضي إلى الجهات الشريكة المعنية بمواجهة مشكلة المخدرات (كوكالات إنفاذ القانون وإدارات العلاج والصحة العامة) يرتبط بالتهديد الذي تشكله مادة “نيتازين”. وفي رسالة اطلعت عليها صحيفة “اندبندنت”، نبه فيلب إلى وجود “خطر كبير” من أن تصبح هذه المواد أكثر انتشاراً.
في غضون ذلك، أعلنت الحكومة البريطانية هذا الأسبوع عن خطط لتسهيل إمكانية الحصول على عقار “نالوكسون” Naloxone المضاد لجرعات المخدرات الزائدة، مما يتيح لقوى الشرطة والمسعفين الطبيين وأفراد الأسر، تقديم هذا العلاج المنقذ للحياة من دون الحاجة للحصول على وصفة طبية.
كما كشفت الجهات المسؤولة أيضاً عن خطط لحظر 6 مواد أفيونية اصطناعية أخرى، مؤكدة أن جميع مركبات مادة “نيتازين” الجديدة سيتم تصنيفها تلقائياً على أنها أدوية من “الدرجة الأولى” Class A (تعد بموجب “قانون إساءة استخدام المخدرات لعام 1971″، من أخطر المواد وأكثرها ضرراً على الصحة)، بحيث يحاول المشرعون التعامل بصورة عاجلة مع الواقع سريع التغير لسوق إنتاج المخدرات وتوزيعها وإساءة استخدامها.
دعا قيصر المخدرات السابق في بريطانيا مايك تريس إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتجنب أزمة مخدرات كما في الولايات المتحدة
يشار إلى أن منتجات “نيتازين” هي مجموعة من المواد الأفيونية الاصطناعية التي تعد فائقة التركيز، بحيث إن جرعة منها بحجم حبة رمل واحدة، يمكن أن تكون مميتة. هذه المخدرات زهيدة الثمن – التي يتم شحنها من الصين والتي لها تأثيرات مشابهة للهيروين – تغرق سوق المملكة المتحدة، وذلك بعد القيود التي فرضت على إمدادات الهيروين التقليدية نتيجة حظر حركة “طالبان” زرع نبتة الخشخاش المنتجة للأفيون في أفغانستان.
ومن المثير للقلق أنه عثر على أن هذه الأدوية القوية ممزوجة بمواد مختلفة، بما فيها الهيروين والكوكايين والعقاقير المزيفة لأدوية تعطى فقط بوصفة طبية، مثل “زاناكس” Xanax و”فاليوم” Valium، المخصصة لتخفيف التوتر.
وكان الموسيقي ديلن روشا (21 سنة) أحد الضحايا الأوائل للوفيات المرتبطة بالمخدرات الممزوجة بـ”نيتازين” في المملكة المتحدة. وقد قام في عام 2021 – عن غير قصد – بشراء هيروين مخلوط بمادة “أيزوتونيتازين” Isotonitazene، وهي مادة أقوى بنحو 500 مرة من المورفين، بعد ليلة أمضاها في مدينة ساوثامبتون جنوب إنجلترا.
ومنذ ذلك الحين، ارتفعت نسبة الوفيات ذات الصلة، وقد كشفت صحيفة “اندبندنت” عن أن هذه المخدرات تودي الآن بحياة أفراد داخل سجون بريطانيا، والدليل على ذلك وفاة جوزيبي تابوني وأندرو إيفانز في “سجن ليويس” HMP Lewes في صيف عام 2022. وقد قضى الثنائي نحبهما بعد وقت قصير من تدخينهما مادة “أيزوتونيتازين” في زنزانتيهما.
وتكشف أحدث الأرقام الصادرة من “الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة” عن ارتفاع صارخ في معدل الوفيات في بريطانيا، بمتوسط 6.8 حالات أسبوعياً على مدار الأسابيع الـ11 الأخيرة، مقارنة بالمتوسط السابق الذي كان في معدل أقل من 3 وفيات في الأسبوع.
تم ضبط 150 ألف قرص “نيتازين” في أكبر كمية من المواد الأفيونية الاصطناعية في البلاد في أكتوبر الماضي
ورأى مايك تريس وهو مسؤول حكومي سابق يعرف بأنه قيصر مكافحة المخدرات (يتولى الإشراف على تنسيق سياسات المخدرات على المستوى الوطني) والرئيس التنفيذي لمؤسسة “فوروارد تراست” Forward Trust (جمعية خيرية تعنى بمساعدة المدمنين على المخدرات والكحول)، أن هذه الإحصاءات “تشكل دليلاً” على الانتشار المتزايد لمواد “نيتازين” في سوق المملكة المتحدة، مما يعكس المخاوف التي كانت أعربت عنها وكالات تعنى بتقديم علاجات للمدمنين على المخدرات في البلاد قبل أشهر. وقال لصحيفة “اندبندنت”، “إن هذا الواقع يحدث الآن في شوارعنا”. وأضاف، “على رغم أنني ما زلت أحاذر القول إن هذا الوضع الكارثي هو على شفير الوصول إلى مستويات وبائية، لكننا شهدنا في الولايات المتحدة الأميركية أن معدلات الوفيات يمكن أن تتجاوز تلك الموجودة في المملكة المتحدة بهامش كبير، ما قد يؤدي إلى مأساة لجميع المتضررين. فكثر يفقدون حياتهم قبل الأوان، ما يتسبب بانعكاسات هائلة ومدمرة للأسر والمجتمعات”. وأضاف، “أتردد في التكهن بمدى الخطورة المحتملة لهذا الأمر، لكن مراقبة الوضع في الولايات المتحدة تحضنا على التصرف على وجه السرعة لمنع حدوث سيناريو مماثل هنا”.
وفيما أعرب تريس عن ترحيبه بتعزيز إمكانية الحصول على عقار “نالوكسون” المنقذ للحياة، حض على التعجيل في توسيع نطاق خدمات اختبار المستخدمين غير المدركين للتلويث المحتمل للمخدرات التي يتعاطونها. وشدد في المقابل على أهمية الحملات الإعلامية المستهدفة في هذا الإطار، لتنبيه الأفراد بأخطارها. ولفت أيضاً إلى أن “هذه المسألة ليست قائمة على طلب المستخدم. فالأفراد الذين يتعاطون هذه المواد لا يقولون ’فلنتحول الآن إلى تعاطي النيتازين‘. إنها ظاهرة قائمة على العرض. وهذا في الواقع يؤدي إلى تفاقم المشكلة، لأن الوفيات تحدث عندما يستهلك الأفراد جرعات زائدة من المخدرات من غير أن يكونوا على دراية بتركيبتها”. ونبه إلى أن “مواد ’نيتازين‘ هي نقية جداً وخطرة للغاية، ولا سيما لدى تناول جرعات زائدة منها. فقد يعتقد الأفراد الذين يستهلكونها أنهم يتناولون مهدئات أو كوكايين أو هيروين، غير مدركين لوجود مادة مخفية فيها، يمكن أن تكون قاتلة. وهذا الواقع يؤكد الضرورة الحاسمة لإجراء اختبارات لهؤلاء”.
مارتن باول من “مؤسسة ترانسفورم للأدوية” Transform Drugs Foundation (جمعية خيرية تعمل على إيجاد نظام أكثر أماناً للتنظيم القانوني لجميع المخدرات)، أكد أن العاملين لاحظوا زيادة واضحة في انتشار تداول مخدرات ’نيتازين‘ في شوارع بريطانيا”.
باول أعرب هو أيضاً عن ترحيبه بتوسيع نطاق الحصول على عقار “نالوكسون”، لكنه حذر من أن الجهود الهادفة إلى تجريم “نيتازين” لن تردع التجار عن التلاعب بهذه المواد وخلطها مع مواد أخرى غير قانونية. وتخوف في المقابل من أن عدداً من الأطباء الشرعيين ما زالوا لا يجرون فحوصات كافية، ما يشير إلى أن الوضع الفعلي قد يكون أسوأ من الأرقام المبلغ عنها، خصوصاً لجهة الاشتباه في الأسابيع الأخيرة بوجود مجموعة من الجرعات الزائدة في منطقة “نورث ديفون” جنوب غربي إنجلترا، وظهور مادة “نيتازين” في الهيروين في مدينة بريستول الجنوبية في نهاية الأسبوع الماضي.
كريس رينتول المسؤول عن قسم الحد من الأضرار في مؤسسة “كرانستون” Cranstoun الخيرية (التي تساعد متعاطي المخدرات والكحول في منطقة ساتون في لندن)، يشعر بالقلق من أن الفهم الراهن لأزمة النيتازين غير مكتمل، مشيراً إلى أن العدد الفعلي للوفيات المنسوبة إليه قد يكون أعلى بكثير مما أبلغ عنه، خصوصاً بالنظر إلى الأعداد القياسية للوفيات المرتبطة بالمخدرات. وأضاف قائلاً لـ”اندبندنت”، “إننا نشهد سوق مخدرات متنوعة، ومشكلة ’نيتازين‘ تتطور وتنتشر بسرعة. ويبدو أن هذه المواد تظهر في كثير من الأماكن”.
وكشفت الأرقام السنوية التي صدرت في الأسبوع الماضي عن الأطباء الشرعيين في بريطانيا، عن أن الوفيات المرتبطة بالكحول والمخدرات بلغت ذروتها منذ 14 عاماً في عام 2023، مع ارتفاع حالات الوفاة بنسبة 16 في المئة لتصل إلى 4,603.
وكانت أرقام أخرى – أصدرها “المكتب الوطني للإحصاء” Office for National Statistics في وقت سابق من السنة الجارية – أشارت إلى أن الوفيات المرتبطة بالمخدرات قد بلغت أعلى مستوى لها منذ نحو 30 عاماً، نصفها تقريباً له علاقة بالمواد الأفيونية.
ورأى السيد رينتول أنه في حين أن تقارير الطب الشرعي تقدم بعض المعلومات، إلا أن “من المهم أن ندرك أنه لا يمكننا الافتراض بأن جميع علماء الأمراض يقومون بفحص مختلف الأدوية”. وتشير أبحاث أولية إلى أن “نيتازين” قد لا يتم اكتشافه إذا ما تأخر إجراء فحوصات ما بعد الوفاة. ودعا إلى “ضرورة التعامل مع البيانات بحذر. فما جرى الاعتماد عليه لقياس وجود مواد ’نيتازين‘ هو مجموعة كبيرة من الجرعات الزائدة التي حدثت خلال إطار زمني قصير”. وأضاف أنه “في حين أن كثراً في المجتمع يدركون الخطورة القاتلة لمادة ’نيتازين‘، إلا أن آليات وإجراءات الاستجابة لدينا لا تواكب هذه المسألة بالسرعة الكافية”.
وأكد السيد رينتول الحاجة لنشر برامج اختبار شاملة على مستوى البلاد، وهي في الوقت الراهن مجزأة وغير مكتملة.
وكانت مبادرات اختبار المخدرات في مقدم جهود الحد من الضرر، ومنها على سبيل المثال، خدمة “ويدينوز في ويلز” Wedinos و”ذا لوب” The Loop في بريستول، إذ يمكن للمستخدمين إرسال عيناتهم لتحليلها.
ومع ذلك، فقد كانت الحكومة البريطانية، كما يرى السيد تريس، “مترددة” في ما يتعلق بتنفيذ اختبارات المواد غير المشروعة.
وقد كشف تحقيق أجرته شبكة “بي بي سي” أخيراً عن تهريب مواد “نيتازين” إلى المملكة المتحدة من الصين، وإخفائها ضمن شحنات أطعمة الكلاب ومستلزمات تقديم الطعام. ويجرى الإعلان عن هذه الأدوية والترويج لها على منصات التواصل الاجتماعي مثل “أكس”/ “تويتر” و”ساوند كلاود”.
تشارلز ييتس نائب مدير “الوكالة الوطنية لمكافحة المخدرات”، أكد أن “مكافحة المخدرات المصنفة من ’الدرجة الأولى‘ – بما فيها المواد الأفيونية الاصطناعية – لا تزال أولوية ونقطة محورية بالنسبة إلى عمل ’الوكالة الوطنية لمكافحة المخدرات‘، والشرطة، و’قوة حرس الحدود‘ Border Force، والحكومة، ووزارة الصحة والرعاية الاجتماعية، وذلك نظراً إلى الضرر الذي تلحقه بالمستخدمين والمجتمع والاقتصاد والمجتمعات المحلية”. وقال “إن قوى إنفاذ القانون ووزارة الداخلية وخدمات الصحة العامة وخدمات الطب الشرعي تقوم بمراقبة نشطة للكشف عن أي زيادة أو ارتفاع مفاجئ في الوفيات المرتبطة بالمخدرات، ما يسمح بالتدخل الفوري للحد من هذا التهديد”. وأكد أن “’الوكالة الوطنية لمكافحة المخدرات‘، التي تتعاون بصورة وثيقة مع أجهزة الشرطة و’قوة حرس الحدود‘ وشركاء دوليين، تتابع التطورات بنشاط، وتحرص على إعطاء الأولوية لجميع خيوط التحقيق الهادف إلى وقف توريد مواد ’نيتازين‘ إلى المملكة المتحدة، ومنع ترويجها على أراضيها”.
إيفيت كوبر وزيرة الداخلية في حكومة الظل “العمالية” المعارضة، رأت أن “هذه الأرقام تثير قلقاً عميقا، وتؤكد الحاجة الملحة لاتخاذ تدابير لمنع توريد هذه المواد الخطرة”. وعدت أن “التصريحات الصادرة عن الحكومة في شأن المعدلات ’المنخفضة‘ للاتجار بالمواد الأفيونية الاصطناعية، إنما تشير إلى عدم وجد قلق لديها حيال الأخطار الشديدة التي تمثلها”.
وطالبت كوبر وزارة الداخلية البريطانية بأن “تحدد على الفور استراتيجية شاملة لمكافحة المنظمات الإجرامية التي تهرب هذه المخدرات إلى المملكة المتحدة، إضافة إلى التجار على مستوى الشوارع الذين يتولون توزيعها، وضمان تحديد هويتهم والقبض عليهم ومحاكمتهم”.
وفي تعليق على ما تقدم، قال متحدث باسم الحكومة إن “كل حالة وفاة ناجمة عن المخدرات غير المشروعة هي مأساة، ونحن ملتزمون منع حدوث تأثير مدمر في المملكة المتحدة كالذي شهدته بلدان أخرى”.
وختم الناطق الرسمي بالقول، “لهذا السبب سبق أن اعتمدنا تعريفاً جديداً لمواد ’نيتازين‘، وإخضاعها تلقائياً لتشريعات تتيح لنا التحكم بها على أنها مواد مضرة من ’الدرجة الأولى‘، ووضعنا 14 نوعاً مختلفاً من الضوابط الصارمة. كما أننا نعمل على تعزيز الوصول إلى دواء ’نالوكسون‘ المنقذ للحياة، وتمكين المزيد من المتخصصين والخدمات من إعطاء هذا العقار بسهولة أكبر، وفي نهاية المطاف، إنقاذ مزيد من الأرواح”.