حرية – (22/5/2024)
حققت مشاركة المرأة في المفاوضات الدولية وصناعة السلام العالمي بعض النجاحات، ولكنها ما زالت دون المستوى المطلوب وفق الأمم المتحدة، وفيما تثبت الإحصاءات أن المشاركة النسائية تزيد من “نسب نجاح” المفاوضات بمستويات كبيرة، لا زال العالم مدين لثلاث نساء بإنقاذ الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 في عام 2015، أما في العراق فقد بينت الأمم المتحدة أن النساء لديهن مشاركة أكبر بمنظمات المجتمع المدني بعد زوال تهديد “داعش”.
استعراض تاريخي
تاريخياً، اجتمعت، لأول مرة، نساء نصيرات للسلام من شتى أنحاء العالم في المؤتمر الدولي للمرأة في لاهاي في 28 نيسان 1915، لدراسة أسباب الحرب العالمية الأولى، وكانت إحدى نتائج المؤتمر تأسيس الرابطة النسائية الدولية للسلام والحرية، النشطة حتى يومنا هذا، وخلال الحرب العالمية الثانية، استمرت حركة السلام الدولي من أجل المرأة في الدعوة لإنهاء النزاع ونزع السلاح على المستوى الدولي.
وبعد إنشاء الأمم المتحدة في عام 1945، أُنشئت لجنة وضع المرأة عام 1946 لتكون الهيئة التابعة للأمم المتحدة المختصة بالمساواة بين الجنسين والنهوض بالمرأة.
وفي أثناء فترة الحرب الباردة، حوّل المجتمع المدني اهتمامه تجاه قضية النهوض بمعايير حقوق الإنسان الدولية، واعتماد المعاهدات والاتفاقيات التي تنص على الحق في المساواة بين الجنسين، ومن بين تلك المعاهدات اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، التي اعتمدت عام 1979 والتي شددت على أهمية مشاركة المرأة وقيادتها في جميع السياقات، وهو المفهوم الأساسي في جدول أعمال المرأة والسلام والأمن.
مثَّل المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة، والذي عقد في بيجين عام 1995، نقطة تحول أخرى بالنسبة للمجتمع المدني في مجال المرأة والسلام والأمن، وذلك عبر مؤتمر للأمم المتحدة بحضور ممثلي 189 بلدًا، بالإضافة إلى 4,000 ممثلاً من المنظمات غير الحكومية، لمناقشة التزامات لتعزيز مساواة المرأة.
القرار 1325
تم الاعتراف بأهمية مشاركة المرأة في بناء السلام في القرار (1325) بشأن المرأة والسلام والأمن الذي تبناه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في 31 تشرين الأول 2000، وضع هذا القرار إطار العمل الدولي لأجندة المرأة والسلام والأمن من خلال محاور رئيسية: المشاركة، والوقاية، والحماية، والإنقاذ، والإغاثة.
ويدعو القرار إلى حماية النساء والفتيات خلال النزاعات ويشدد على أهمية مشاركة المرأة في حل النزاع وبناء السلام. ويعد هذا القرار أول وثيقة رسمية يصدرها مجلس الأمن الدولي ويطلب فيها من جميع أطراف النزاع احترام حقوق النساء ودعم مشاركتهن في مفاوضات السلام وإعادة البناء في المرحلة التي تلي النزاع.
ويعد أول قرار يقر بالأثر غير المتكافئ والفريد للنزاعات المسلحة على السيدات والفتيات، وكذلك أقر بالإسهامات التي تقدمها السيدات والفتيات لمنع النزاعات وحفظ السلام وحل النزاعات وبناء السلام، كما أشار إلى أهمية مشاركتهن الفعالة والمتكافئة، كعوامل فاعلة في السلام والأمن.
قرارات إضافية
بعد اصدار القرار (1325)، تم تبني 8 قرارات متتالية بعد ذلك حول المرأة والسلام والأمن وهي القرارات (1820 , 1888 , 1889 , 1960 , 2106 , 2122 , 2242، 2467 ) والتي شددت على أهمية تمكين المرأة من القيادة المشاركة الفعالة في الوقاية من النزاعات وحلها؛ ومواجهة آثار العنف الجنسي؛ والتشجيع على التطوير واستخدام التدابير والمعايير لمراقبة الصلاحيات المفوضة تجاه المرأة والسلام والأمن؛ والتدريب وتبني القدرات اللازمة لتحقيق المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة والسلام والأمن لدى قوات حفظ السلام.
مسؤولة عسكرية تحرك المياه الراكدة
ووفق مقال كتبته كريستين لوند القائدة السابقة لقوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في قبرص وعضوة في شبكة وسطاء النساء في بلدان الشمال الأوروبي، مع زميلتها ميتشل وهي كبيرة مستشاري المركز النرويجي لحل النزاعات، فإنها وجدت انه بعد نحو عقدين منذ اعتماد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (1325) بشأن المرأة والسلام والأمن، لا تزال المرأة مستبعدة إلى حد كبير من المشاركة في عمليات السلام والوساطة، رغم الدور الهائل الذي تقوم به المرأة في تعزيز السلام والحوار السلمي وإنهاء الأعمال القتالية في كثير من الصراعات المسلحة.
وبينت المسؤولة أن في دراسة سابقة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة في عام بشأن 31 عملية سلام بين عامي 1992 و2011، مدى هذا التهميش للمرأة، حيث أن: 4% فقط من الموقعين، و2.4 % من كبار الوسطاء، و3.7% من الشهود، و9% من المفاوضين فقط، كانوا من النساء.
وبعد كتابة هذا المقال، عينها الأمين العام للأمم المتحدة رئيسة للبعثة ورئيسة للأركان، بهيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة.
إحصاءات عالمية
وفي إحصاءات سابقة وجد صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة أن النساء يشكلن أقل من 10% من نسبة المفاوضين عالمياً، وأقل من 3% من الموقعين على اتفاقيات السلام.
وفي دراسة سابقة أعدتها جامعة اولستر واعتمدت على فحص (585) اتفاقية سلام موقعة خلال 20 عاماً وجدت فقط ان 16% من اتفاقيات السلام ضمت إشارة الى النساء، وحتى هذه الإشارة التي تمت هي ضعيفة خاصة من حيث النوعية.
ووفقا لإحصاءات حديثة تشكل النساء 13% من المفاوضين، 6% من الوسطاء، 6% من الموقعين في عمليات السلام بمختلف أنحاء العالم تحديدا للمدة بين 1992-2020، أي ما يعني 28 عاماً.
وتبين بعض الأبحاث أن نسبة فشل المفاوضات تزيد بنسبة 50% في حال عدم إشراك الهيئات المدنية ذات العلاقة بالمرأة، ودراسة أخرى تثبت أن ولوج النساء مفاوضات السلام يزيد بنسبة 20% من فرص استمرار اتفاقية السلام، وبنسبة 35% من فرص استمرارها على مدار 15 سنة على الأقل.
وخلصت بعض الأبحاث ان من عام 1980-2016 انتهت 77% منها باتفاق سلام بعد مفاوضات مطولة وشاقة، و16.4% انتهت بتحقيق أحد طرفي النزاع النصر العسكري.
دور المرأة في عمليات السلام
في العملية الأخيرة بين حكومة كولومبيا والقوات المسلحة الثورية الكولومبية – الجيش الشعبي (فارك/FARC)، اضطلعت النساء في المجتمع المدني بدور رئيسي في التعبئة لهذه العملية.
في كولومبيا خلال المدة من 1958-2012 قتل أكثر من 220 ألف شخص 80% منهم من المدنيين، وتهجير خمسة ملايين قسراً وتركز نصف مساحة كولومبيا بيد 1% من السكان.
وخلال الحرب الليبيرية عام 1999 حاصرت نساء بقيادة (ليما غيوي) القصر الرئاسي ورفضن خروج الرئيس منه حتى خضوع الساسة لمطالبهن، وشكلت تحالفاً نسوياً نظم تظاهرات أسبوعية بالالاف جابت ارجاء البلاد وارتدين ملابس بيضاء كدليل للسلام، حتى امر الرئيس الليبيري آنذاك بالاجتماع مع قادة التحالف، أدى الى اجتماع لقادة الأطراف المتحاربة للتفاوض، ومع توقف المفاوضات عاودت النساء محاصرة القصر مرة أخرى، وانتهى ذلك باستقالة الرئيس ونفيه وتشكيل حكومة انتقالية في البلاد وحصلت فيها (غيوي) على جائزة نوبل للسلام عام 2011.
مثال عربي
في بحث شارك به 128 يمنياً ويمنية من مختلف الفئات العمرية والمناطق الجغرافية والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية عام 2022، كما أُجريت مقابلات في جميع هذه المحافظات مع مختلف صنَّاع القرار والقيادات المجتمعية وأئمة المساجد والزعماء الدينيين توصل الى ما يأتي:
-تتمتع المرأة بدور معترف به على نطاق واسع في بناء السلام، لكن الكثير يربطون هذا الدور في مجال الحياة الخاصة. إذ اتفق المشاركون -على أن النساء يلعبن دورًا حاسمًا في بناء السلام، إلا أن الأغلبية حصروا هذا الدور بصورة رئيسية في قالب الحياة الخاصة (أي المنزل)، كأمهات أو في الأماكن التي يُنظر إليها على أنها تمثل امتدادًا للحياة الخاصة (كالمدارس والمساجد والتجمعات النسائية).
-تواجه الناشطات في مجال السلام تحديات الوصم الاجتماعي من كلا الجنسين على حد سواء، وصرحت بعض النساء بأن الناشطات في مجال بناء السلام لا يمثلنهن بالضرورة، كما أُبلغ عن تعرض ناشطات لمضايقات.
-لا يُعرف الكثير عن تعريف بناء السلام سوى أنه «مفهوم غربي».
اطفأن حرباً نووية
من أشهر الاتفاقيات الدبلوماسية التي أبرمت في 2015، والذي حظي بأكبر قدر من الحفاوة، لإنهاء حرب، بل لمنع نشوبها. إذ بعد سنوات عديدة من المفاوضات الفاشلة وعقود من العداوة، توصلت إيران ومجموعة خمسة +واحد إلى صفقة تاريخية للحد من برنامج إيران النووي. كانت إحدى الخصائص الهامة لهذا الإنجاز الدبلوماسي، القيادة البارزة لثلاث سيدات، فيديريكا موغيريني، وهيلغا شميدت من الجانب الأوروبي وويندي شيرمان من الولايات المتحدة. فقد استكملن العمل الذي قامت به امرأة أخرى، هي كاثرين آشتون، كبيرة الدبلوماسيين لدى الاتحاد الأوروبي حتى أواخر عام 2014 وقد نسب زملاؤهن الفضل إليهن في الجانب الغربي لقيادتهن المفاوضات وضمان التوصل إلى اتفاق، إلا أن هذا مشهد غير شائع بكل تأكيد.
في العراق
ترى الأمم المتحدة بأن النساء بُناة السلام/ تُمثل المرأة نصف المجتمع حيث ان تمثيل المرأة هو أمر حيوي على كل طاولة تُتخذ فيها القرارات، وبينت أن الشراكات مع أكاديمية فولك برنادوت وشبكة العمل المدني الدولية أسهمت في تمكين النساء من مختلف أنحاء العراق على بناء السلام ومنع التطرف العنيف والتماسك المجتمعي وحل النزاعات.
وأوضحت الأمم المتحدة أن هناك زيادة كبيرة بأعداد النساء العاملات في منظمات المجتمع المدني مقارنة بالفترة التي سبقت الحرب ضد تنظيم (داعش)، وغيرها من الأزمات السابقة، هذا ما ساعد على تنمية خبرات المرأة وتوظيف إمكانياتها في مجال الخدمة التي تقدمها وساعد على تسهيل عملية التعاون مع النساء تقديم جلسات توعية حول التحديات التي تواجهها وتعزيز خطوط السلام داخل المجتمع.
كما تتعاون منظمة “البرلمان” الألمانية التي يتواجد مقرها في برلين وكولونيا واربيل مع البرلمانات والحكومات والجهات الفاعلة في المجتمع المدني والمؤسسات الدولية، وتنفذ المشاريع وتقدم الخدمات الاستشارية باللغة الألمانية والإنجليزية والفرنسية والعربية.
ويستهدف مشروع المنظمة النساء الناشطات في المجتمع المدني والنساء المنخرطات في العمل السياسي، ومنهن البرلمانيات وفي حكومة العراق والمحافظات واقليم كوردستان، ويجمع المشروع النساء من مختلف المجموعات العرقية والدينية، ويخاطب المشروع صناع/صانعات القرار وممثلي/ممثلات الدولة على المستوى اللامركزي في جميع محافظات العراق وكوردستان، وفي سياق وِرَش العمل التدريبية، لتدريب زعماء القبائل ورجال الدين، والضباط ووكلاء النيابة والقضاة وأفراد القوات المسلحة – إناثًا وذكورًا –، وتوعيتهم بموضوعات تحويل النزاع والحوار والنوع الاجتماعي.
كما أن المبادئ التوجيهية الرئيسية للمشروع هي اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق المرأة (CEDAW)، وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325 بشأن مشاركة المرأة في عمليات السلام، والذي مرَّ على إعلانه عشرون عامًا في عام 2020، وقراراته العشرة اللاحقة، وخطة العمل الوطنية العراقية (NAP2) 2021 – 2024، والتي تهدف إلى تعميم مراعاة منظور النوع الاجتماعي في جميع المجالات السياسية وعمليات منع نشوب النزاع، وحل النزاعات، وبناء السلام في العراق.
والغرض الرئيسي من برنامج „تقوية مشاركة المرأة في إعادة التأهيل والسلام في العراق عن طريق:(1) دعم وتحسين قدرات المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لدعم مشاركة النساء في إطار قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1325، (2) تحسين الكفاءة بين الجنسين للشركاء المنفذين المختارين للتعاون التنمية الألماني، (3) تطوير واستخدام مناهج (رقمية) لتحقيق مشاركة أكبر للنساء في عملية السلام وإعادة التأهيل (4) تيسير الحوار والترويج لحملات العلاقات العامة لتحويل العلاقات بين الجنسين الأبوية والصور النمطية، وتحسين الوضع والظروف المعيشية للمشاركة المتساوية للمرأة الأيزيدية في العملية السياسية والاجتماعية والاقتصادية.