حرية – (23/5/2024)
يعاني الكثيرون خلال ساعات العمل الطويلة بالتعب والإرهاق، مما يجعل يومهم يمر بشكل سيئ، لكن غالباً ما تكون هذه الحالة مؤقتة، ليعود النشاط والحيوية والإلهام في اليوم الموالي.
لكن في حال استمر هذا الشعور لأيام وأسابيع، وأصبح الشخص يشعر أنه غير قادر على العطاء، أو تقديم شيء للعمل، وأنه يعيش شعوراً سيئاً كلما طُلب منه عمل معين، بالرغم من أنه يحب عمله بالفعل، فهذا يعني أنه يعاني من الاحتراق المهني، أو بورن أوت العمل.
وعلى الرغم من أن الاحتراق المهني ليس تشخيصاً سريرياً، إلا أنه يتم ملاحظته بشكل متزايد من قبل الأطباء والمختصين في مجال الصحة العقلية.
لذلك ومن أجل تفادي الوصول إلى هذه الحالة الصحية والنفسية، يجب معرفة أسبابها، وطرق تفاديها، وكذلك التخلص منها في حال الإصابة بها.
ما هو الاحتراق أو بورن أوت؟
يتم تعريف الاحتراق أو بورن أوت على أنه عبارة عن استنفاد القوة الجسدية أو العاطفية أو الدوافع الايجابية، وذلك نتيجة للضغط أو الإحباط لفترة طويلة، وفقاً لقاموس ميريام وبستر.
وقد تمت صياغة هذا المصطلح في الأصل في السبعينيات، من قبل عالم النفس الأمريكي هربرت فرويدنبرغر، وذلك فيما يخص بعض الأشخاص الذين يعملون في مجالات معينة، مثل الأطباء والممرضات.
إلا أنه في الوقت الحاضر، أصبح من المألوف تعريف الشخص الذي يعمل خارج إطار هذه المهن بالاحتراق المهني، وذلك بسبب أسلوب حياة ومجالات العمل التي تسبب الإرهاق.
وغالباً ما ينجم الإرهاق عن عبء العمل الثقيل، ولكن عادة ما يكون هناك ما هو أكثر من مجرد الانشغال بالكثير من المهام في العمل.
ومن بين العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى الاحتراق المهني، الشعور بأن العمل الذي يقوم به الشخص لا يتماشى مع قيمه، وليس له معنى، أو أن النتائج لا يتم الاعتراف بها وتقديرها من قبل الآخرين، وخاصة المشرفين.
كما يمكن أن يكون العمل الذي يتطلب الكثير من الجهد العاطفي من بين الأسباب التي تؤدي إلى الاحتراق المهني، والتي تجعل الشخص غير قادر على الاستمرار.
علامات الاحتراق المهني
يتم تعريف الاحتراق المهني بشكل عام على أنه نقص الطاقة، وعدم القدرة على الاستمرار في تأدية المهام، وفقدان الإنتاجية والفعالية في العمل.
ومن بين العلامات التي تشير إلى أن الشخص مصاب ببورن أوت العمل هي:
- نقص في الاستثمار في أنشطة العمل.
- العصبية ونفاد الصبر مع زملاء العمل أو العملاء.
- انخفاض التركيز.
- فقدان الرضا المكتسب من إنجاز العمل.
- الصداع غير المبرر، ومشاكل الأمعاء أو غيرها من المشاكل الجسدية.
- الإرهاق الدائم.
بالنسبة للبعض، قد يبدو الاحتراق المهني مشابهاَ للإرهاق، ومع ذلك، فإن الإرهاق هو حالة جسدية، وهو أحد الأعراض الشائعة للبورن أوت، والذي يدخل في خانة المشاكل النفسية.
والأمر الذي يجعل هناك اختلافاً بين هذين الشعورين، هو أن الاحتراق المهني يشمل بعض المشاكل المتعلقة بالمشاعر، والشعور بالإحباط واللامبالاة.
الفرق بين بورن أوت والاكتئاب
يمكن أن يكون للاحتراق والاكتئاب، وهو اضطراب مزاجي يتم تشخيصه سريرياً، أعراض مشابهة مثل:
- الإنهاك
- الشعور بالحزن أو القلق أو الانفعال
- انخفاض الإنتاجية
ومع ذلك، فإن الاحتراق المهني والاكتئاب هما مرضان مختلفان، مع الإشارة إلى إمكانية حدوثهما في وقت واحد.
يرتبط الاحتراق المهني عادة بالمشاعر المحيطة بمكان العمل، على الرغم من أن آثاره يمكن الشعور بها خارج العمل في حياتك اليومية.
ومن ناحية أخرى، فإن الأشخاص الذين يعانون من مشاعر الاكتئاب لا يعزلون تلك المشاعر في جانب واحد من حياتهم، أي أنها تكون سائدة على جميع أصعدة الحياة وليس فقط العمل.
يمكن أن يؤدي بورن أوت العمل إلى الاكتئاب، وقد يؤدي الاكتئاب إلى تفاقم الإحتراق، إذ تشمل الأعراض الإضافية للاكتئاب ما يلي:
- الشعور بالذنب أو عدم القيمة أو العجز.
- صعوبة في التركيز أو التذكر أو اتخاذ القرارات.
- فقدان الاهتمام بالهوايات.
- تغيرات في الشهية أو تغيرات غير مخطط لها في الوزن.
- أفكار حول الموت أو التفكير في الانتحار.
وفي هذه الحالة ينصح الأطباء المختصون بزيارة الطبيب الخاص في حال ظهور الأعراض المذكورة أعلاه.
عوامل خطر الاحتراق المهني
تميل بعض المهن إلى التسبب في الاحتراق المهني أكثر من غيرها، وأغلب هذه المهن تلك التي تتطلب التعاطف المستمر، مثل المعالجين والمستشارين والأخصائيين الاجتماعيين.
كما يمكن أن تكون بقية المهن الأخرى سبباً في نفس الحالة النفسية، في حال كان الشخص يميل دائماً إلى السيطرة وتحقيق الإنجازات وتحمل المسؤوليات في العمل بشكل مستمر.
إذ قد ينجم الإرهاق أيضاً عن ظروف عمل معينة، بما في ذلك:
- توقعات وظيفية غير واضحة.
- ديناميات مكان العمل المختلفة.
- أنشطة العمل الرتيبة أو الفوضوية.
- عدم التوازن بين العمل والحياة.
- عدم وجود دعم من القيادة.
علاج الاحتراق المهني
نظراً لأن السبب الجذري للاحتراق المهني هو التوتر، فإن تقنيات تقليل التوتر مثل اليقظة الذهنية وأخذ فترات راحة وطلب المساعدة وقضاء الوقت في الطبيعة يمكن أن تكون مفيدة.
والإجراءات التي تعزز الصحة البدنية والعقلية تقلل أيضاً من الإرهاق، لذلك ينصح الاختصاصيون في مجال طب النفس بمجموعة من الأنشطة بما في ذلك:
- اليوغا أو التأمل أو التاي تشي.
- التدليك.
- جدول نوم منتظم.
- ممارسة الرياضة بشكل روتيني.
- التنشئة الاجتماعية، والتي يمكن أن تزيد من السعادة والرفاهية، وتزيد من حدة الذاكرة والإدراك وتقلل من الشعور بالوحدة.
- الابتعاد عن العمل خارج ساعات الدوام.
إذ إن الفصل بين ساعات العمل والحياة للشخص يجعله أكثر راحة وبعيداً عن الإرهاق المستمر، الشيء الذي يجعل الشخص قادراً على الاستمتاع بوقته بشكل صحي وصحيح.
بالإضافة إلى ذلك، فإن علاج بورن أوت العمل ليس مسؤولية الموظف وحده، فبعض المسؤولية تقع على عاتق صاحب العمل أيضاً، الذي يجب أن يكون على اطلاع على علامات الإرهاق التي يصل إليها.
ومن بين الطرق التي يمكن أن تعالج هذه الحالة نجد:
- الإكثار من فترات الراحة (كما يسمح به الدور الوظيفي).
- توفير خيارات غذائية صحية في مناطق تناول الطعام في مكان العمل.
- توفير التثقيف حول العادات الصحية الإيجابية.
- تشجيع الحوار المفتوح حول الضغوطات وطرق إدارة التوتر.
طرق تجب بورن اوت العمل
يمكن تجنب الوصول إلى حالة الاحتراق من خلال اتباع بعض العادات في العمل والحفاظ عليها، من بينها ممارسة هوايات خارج العمل، ووضع خطة لإدارة التوتر، وتعلم كيفية الابتعاد عن العمل خارج الساعات المخصصة له.
على الجانب الآخر، يمكن لأصحاب العمل أيضاً القيام بدورهم لمنع الاحتراق المهني عند الموظفين، من خلال:
- سؤال الموظفين عما إذا كانوا يجدون قيمة في عملهم.
- توفير أكبر قدر ممكن من الاستقلالية والتحكم في الجدولة.
- توضيح التوقعات الوظيفية.
- تقديم التوازن للموظفين من التنوع والهيكل في واجباتهم.
- تقسيم الواجبات على أساس القدرة والمهارات والاهتمامات.
- إظهار الاهتمام بالموظفين كأشخاص، وليس مجرد عمال.
- إظهار التقدير للعمل الذي يتم إنجازه، سواء من حيث الجهد أو النتائج.
- الطلب من الموظفين أن يكونوا محددين عندما يعبرون عن الإرهاق لاكتشاف مجالات اهتمامهم المميزة والعمل معهم للتخفيف من التوتر.
يمكن أيضاً استخدام اجتماعات الفريق لمنع الإرهاق، من خلال خلق فرص لإظهار التقدير لزملاء العمل والموظفين.