حرية – (26/5/2024)
تناولت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية رواية ضابطة سابقة في وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي ايه)، تعكس تجربتها الحقيقة والمعقدة في وكالة التجسس، خلال مهمات قامت بها في العراق منذ العام 2004، والتي تسببت في إدمان عناصر المخابرات على الخمور.
وبحسب تقرير الصحيفة الذي نشر بالانجليزية، وترجمته وكالة شفق نيوز، فان الرواية التي تحمل اسم “الطاووس والعصفور” والمستوحاة من تجربة إلينا بيري، من عملها مع “سي آي ايه”، بما في ذلك خلال مهمتها في العراق، حيث تشير مثلا الى انها في العام 2006، كانت تصحو مذعورة من اصوات أعمال البناء الجارية بالقرب من منزلها في مدينة الإسكندرية في ولاية فيرجينيا الأمريكية، لأنها كانت تتستعدي أصوات الانفجارات في بغداد.
واشار التقرير الى ان بيري كانت في بغداد العام 2006، وامضت ليال عديدة بلا قدرة على النوم في مقطورة، بينما كانت قذائف الهاون والصواريخ تنطلق على “المنطقة الخضراء”، في وسط العاصمة العراقية حيث كان جنود الجيش الأمريكي والدبلوماسيون والمخابرات، يتمركزون.
ولفت التقرير إلى أن بيري استيقظت في منزلها على الأصوات القوية في فيرجينيا وقد شعرت “بأسوأ نوبة ذعر في حياتي، واتصلت بوالدي لاقول لهم أننا نتعرض للهجوم”.
وذكر التقرير، أن بيري من اجل ان تتمكن من التعامل مع هذا الوضع، بدأت في تحديد الوقت الذي ستقوم فيه اطقم العمل في مشروع الهدم والبناء، وضبطت توقيتها لنفسها لتبقى مستيقظة، وبدأت الكتابة، لجمع التداعيات العاطفية التي واجهتها في العراق، مضيفا ان العمل الكتابي هذا اطلق سلسلة من الأحداث التي وضعتها في مواجهة البيروقراطية في وكالة “سي آي ايه”، انتهت بإستقالتها من العمل لصالحها.
وتابع التقرير، أن هذه الاستقالة، كانت تعني ايضا انها بدأت عملها الثاني كروائية ستحظى بالشهرة وحائزة على جوائز، ثم ستتلقى دعوة لاحقا للعودة الى وكالة المخابرات، لتتحدث عن تجربتها الميدانية وككاتبة.
وبحسب التقرير، فإن بيري تقدمت بطلب للانضمام إلى “سي آي ايه” عندما كانت تدرس في كلية الحقوق في جامعة فيرجينيا، معتقدة انها ستجمع بذلك بين اهتمامها بالعلاقات الدولية والعمل الاستخباراتي في ظل احساسها بانها تقوم بعمل وطني.
ولفت التقرير إلى أن بيري نشأت خارج العاصمة واشنطن، وتخرجت في العام 1994 من مدرسة توماس جيفرسون الثانوية للعلوم والتكنولوجيا، ثم أمضت بعض الوقت في منطقة البلقان بعد تخرجها من “كلية هافرفورد”، وهي تجربة اتاحت لها الحصول على منصب محللة استخباراتية في وزارة الدفاع الامريكية.
ونقل التقرير عن بيري قولها “لقد أحببت العمل الاستخباراتي، وكنت اود أن احوله الى مسيرة مهنية”، مشيرة الى انها لهذا السبب ذهبت للالتحاق بوكالة “سي آي ايه” باعتبارها “المكان الأنسب” لتحقيق ذلك.
واشار التقرير الى انه بعد قبولها في وكالة الاستخبارات، خضعت بيري لتدريبات في معسكر في فيرجينيا، معروف باسم “المزرعة”، حيث كان الكثير من هذا التدريب يدور حول أمور لوجستية، مثل كيفية القيام بالمراقبة، وكيفية كشف ما إذا كنت تخضع للمراقبة، إلا أن الجوانب النفسية الأكثر عمقا جعلت بيري تتساءل عما إذا كانت متواجدة في المكان المناسب.
ونقل التقرير عنها قول “ان التدريب بأكمله يدور أساسا حول كيفية العثور على نقاط ضعف الأشخاص.. ما هي دوافعهم؟ هل هو تملق او غرور او انتقام او انهم يكرهون زعيمهم؟ وهذا لم يكن أمرا سهلا بالنسبة لي بتاتا”.
وذكر التقرير أن بيري بعد نيلها علامات عالية، تطوعت للعمل في العراق في إطار مهمة تستمر عاما، وعندما وصلت في العام 2004، كانت الشكوك قد أثيرت بالفعل حول مصداقية الاسباب التي دفعت الولايات المتحدة الى الإطاحة بنظام صدام حسين، موضحا انه كان هناك إدراك متزايد بين فريق “سي آي ايه” بعدم وجود أسلحة دمار شامل، التي كانت المبرر الرئيسي لغزو العراق بقيادة الولايات المتحدة.
ومما ادركته بيري ايضا ان المقطورات المخصصة لأعضاء “سي آي ايه” لم تكن تتوفر فيها تجهيزات الحماية المدرعة وبروتوكولات السلامة، على غرار ما هو متوفر لعناصر الجيش الامريكي.
واشار التقرير انه عندما قامت بيري بإبلاغ مقر قيادة الوكالة بتلك المخاطر، تم تجاهلها. ونقل عن بيري قولها انه “لم نتخذ الاحتياطات التي كان يتحتم علينا اتخاذها”.
ولفت التقرير الى حادثة معينة خلقت لدى بيري الشكوك حول مهمة “سي آي ايه”، اذ انها تلقت معلومات من مخبر عراقي تتعلق بمشتبه به متورط في تفجير شاحنة في العام 2003 استهدف مقر الأمم المتحدة في بغداد والذي أوقع 22 قتيلا. واشار التقرير الى ان معلومات بيري قادت الى احتجاز المشتبه به، لكنه زعم انه لم يكن متورطا في الهجوم، وبرغم ذلك جرى نقله الى مركز الاحتجاز، ثم علمت بيري لاحقا من ضباط اخرين انهم ليسوا واثقين من انه مذنب فعلا، وشعرت بالخشية من انه جرى زجه بشكل غير مشروع، في متاهات نظام الاعتقال الأمريكي الذي نشأ فيما بعد 11 أيلول/سبتمبر.
وذكر التقرير أن متحدثا باسم “سي آي ايه”، وكرد على انتقادات بيري حول فترة عملها في العراق، تجنب التطرق الى شكاوى أو اتهامات محددة، الا انه اشار الى ان الوكالة “ملتزمة بالكامل بتعزيز بيئة عمل آمنة ومحترمة وعادلة لكافة موظفيها، وقامت بخطوات مهمة من أجل ضمان ذلك، بما في ذلك تعزيز تعامل الوكالة مع القضايا ما ان تظهر”.
وبحسب بيري، فان الظروف المعيشية للعناصر في العراق ومهمتهم الغامضة، بدأت تعزز ادمان احتساء الخمور المنتشرة في محطة الـ “سي آي ايه”. ونقل التقرير عن بيري قولها إن “بغداد أفسدتني حقا”.
العودة الى الوطن
واشار التقرير الى انه بعد انتهاء مهمة بيري في العراق، كانت لا تزال تعيش مع التداعيات النفسية في موطنها في فيرجينيا، وهي واصلت الكتابة لا بهدف ان تنشر رواية عن بغداد، وانما كمحاولة لفهم ما جرى.
ولفت التقرير الى ان بيري تطوعت لاحقا للقيام بمهمة في أفغانستان والتحقت بفصول تعليم اللغة الفارسية، وظلت تكتب عن تجربتها ايضا.
وبحسب التقرير، فإن لوائح العمل لدى “سي اي ايه” تقتضي من موظفي الوكالة الحاليين او السابقين، تقديم اي كتابات يعتزمون نشرها الى ما يسمى “مجلس مراجعة تصنيف المنشورات” التابع للوكالة، والذي يمتلك سلطة تحديد ما إذا كان الكتاب او السيناريو تتضمن أية معلومات سرية. وقد قدمت بيري مسودة روايتها، لكن عندما أعيدت لها، كانت حافلة بالتنقيحات التي اعتبرت بيري انها لم تكن منطقية قائلة إنهم “قاموا بتنقيح طولي ووزني وتعديل لون السماء”.
وتابع التقرير قائلا ان بيري شعرت بأن هذا التنقيح والرفض لاشياء كتبتها، يشير إلى أن الوكالة لم تكن مرتاحة لامور جرى تسليط الضوء الواضح عليها. واضاف قائلا ان شكاواها عندما كانت في العراق، كانت قد بدأت تلحق الضرر بفرص تطورها داخل الوكالة، مضيفا انه جرى سحب سحب مهمة المتابعة الخاصة بها في افغانستان. ولفت التقرير الى ان بيري تقدمت باستئناف فيما يتعلق بمسودة روايتها، قائلة “لقد حاربت كل عملية تنقيح حصلت”.
لكن مجلس المراجعة وافق في نهاية الأمر على معظم نقاط الاستئناف التي تقدمت بها بيري وألغى معظم التنقيحات منها. الا ان بيري كانت قد استقالت بالفعل من الوكالة بسبب إحباطها من معركة الاستئناف حول روايتها، ومن تجاربها في العراق، وفازت لاحقا بالحق في نشر الرواية، برغم انها وصلت الى مرحلة الصدمة والشكوك ولم تعد ترغب بنشر الرواية.
وذكر التقرير انه برغم صراعها مع الوكالة، الا ان بيري مع تراكم مشاعرها المختلطة حول الفترة التي امضتها كجاسوسة، ذكرها ذلك بمدى استمتاعها بالكتابة. ولفت التقرير الى ان بيري التي تحولت الى ميدان العمل في المحاماة والتحقت بزوجها المقيم في البحرين، وجدت الى ان كل عباراتها مرتبطة بالمرحلة التي امضتها في العراق، وتحولت اوراق مسودتها لاحقا الى رواية “الطاووس والعصفور”، التي تحكي قصة ضابطة مراهقة تحمل اسم “شين كولينز” التي تعمل لصالح “سي آي ايه” وجدت نفسها عالقة في مصاعب التغيير السياسي في الشرق الاوسط، ومستوحاة من تجربة بيري نفسها في الوكالة.
وتواجه بطلة الرواية نفس اللامبالاة من المسؤولين الكبار التي قالت بيري انها عايشتها في العراق، متناولة نفس السلوك الاشكالي الذي عايشته، مثل احتساء الكحول والخيانات في مناطق الحرب، كما عبرت عن الشكوك المتزايدة حول احساسها بالذنب فيما يتعلق بالمشتبه به في تفجير مقر الأمم المتحدة.
ربما كان العنصر الأكثر إثارة للدهشة في عملها الجديد كروائية هو مدى سهولة تقديم المخطوطة إلى مجلس المراجعة. ولم يطالبوا بأي تعديلات كبيرة. ومع مرور الوقت، قالت بيري انها “اقامت علاقة جيدة” مع مجلس ادارة الوكالة. وصدرت روايتها عن “دار آريتا” تحت الاسم المستعار “آي إس. بيري”، ونالت الرواية التقدير من مجلة “نيويوركر” والإذاعة الوطنية العامة في لائحة أفضل الكتب لهذا العام، كما فازت الرواية بجائزة “ادغار آلان بو” لأفضل رواية أولى لروائي امريكي.
وختم التقرير بالإشارة إلى أن بيري تعمل حاليا على رواية جديدة، وهي قصة أخرى تتعلق بالتجسس.