حرية – (30/5/2024)
لا يتوقف الحراك في جورجيا بعد تمرير البرلمان قانون “التأثير الأجنبي” المثير للجدل، وتبدو الأمور مرشحة لمزيد من التصعيد مع إعلان منظمات مدنية تمسكها بإسقاطه، ومع مزاج عام في الشارع الجورجي مناهض لروسيا وراغب بشدة في الانعتاق من إرثها.
واعتمد البرلمان القانون الذي يصفه البعض بـ “القانون الروسي” بشكل نهائي يوم الثلاثاء الماضي، لكن المتظاهرين المؤيدين لأوروبا يعتزمون “مواصلة النضال” حتى إسقاط القانون، وفق قولهم.
ميل إلى الغرب
واللافت أن متظاهرين لم يترددوا في رفع الأعلام الأمريكية في اليومين الأخيرين، في حركة رمزية تشير إلى ميل الكفة نحو المعسكر الغربي وإصرار الجورجيين على التخلص من ماضيهم المكبّل مع الروس.
ويقول مراقبون إنّ تمرير القانون سُجّل في تاريخ هذه الجمهورية السوفيتية السابقة في القوقاز، الممزقة بين سكان مؤيدين لأوروبا وحكومة موالية لروسيا، والتي تحاول التخلص من نفوذ موسكو منذ استقلالها عام 1991، وأطلق معارضو النص اسم “يوم الخيانة” على يوم تمرير القانون في البرلمان.
ويعتبر معارضو النص أن تمرير القانون “خيانة للشعب الجورجي في المقام الأول؛ لأنه وفقا لاستطلاعات الرأي، فإن ما يقرب من 80% من سكان البلاد البالغ عددهم 3.7 مليون نسمة يطمحون للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو أيضًا انتهاك للدستور الجورجي، الذي ينصّ الدستور على اتخاذ “جميع التدابير” “لضمان التكامل مع الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي”.
وحذرت بروكسل من أن قانون النفوذ الأجنبي، “المصمَّم على النموذج الروسي والذي يهدف إلى إسكات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة”، لا يتوافق مع المعايير والقيم الأوروبية، وفق تعبيرها، ما يجهض حلم الجورجيين في التقدم نحو الاندماج في الاتحاد، بعد خمسة أشهر فقط من حصول تبليسي على وضع “المرشح الرسمي للاتحاد الأوروبي”.
ومن المقرر أن يدخل النص حيز النفاذ خلال ستين يوما، وبإمكان معارضيه أن يلجؤوا إلى المحكمة الدستورية، لكنهم يدركون أن هذا النهج لن تكون له أي فرصة للنجاح، ويقول خبير القانون الدستوري والباحث في مركز “جونمون وايز” في تبليسي، دافيت زيديلاشفيلي، إنّ “القضاء ليس مستقلًّا، والمحكمة في أيدي الحزب الحاكم”، بحسب تعبيره.
حركة رمزية
ويأتي هذا التطور أيضا بالتزامن مع حركة رمزية من الحكومة الجورجية، التي تتهم الغرب والمعارضة والمجتمع المدني بالتحريض على الثورة وجر البلاد إلى الحرب، حيث تتجه أيضًا نحو الصين، في مسعى لتثبيت بوصلة البلاد ضمن المعسكر الشرقي.
وبينما صوّت البرلمانيون لصالح تمرير القانون، رحّب رئيس الوزراء إيراكلي كوباخيدزه باتفاقية تحرير التأشيرة مع بكين، والتي تم الإعلان عنها في نهاية فبراير الماضي.
ويتطلع الجورجيون المناهضون لتوجهات حكومتهم لاستكمال “النضال” لسحب القانون وإسقاط الحكومة، لا من خلال الشارع فقط، ولكن من خلال صناديق الاقتراع، وتسعى المعارضة إلى حشد أصوات الناخبين لهزم حزب “الحلم الجورجي” الحاكم في الانتخابات التشريعية المرتقبة في 26 أكتوبر المقبل.
واتفقت أحزاب المعارضة على تشكيل جبهة موحدة من خلال الاصطفاف خلف الرئيسة سالومي زورابيشفيلي، التي أصبحت “المتحدث الرسمي باسم التطلعات الأوروبية للسكان”. ووقعت معظم أحزاب المعارضة على “الميثاق الجورجي”.
لكن هذه الوثيقة، التي أُعلن عنها، يوم الأحد الماضي، تزامنا مع ذكرى الاستقلال، لا تتضمن إنشاء قائمة انتخابية مشتركة للمعارضة، ولكنها تُلزم الموقعين عليها بإلغاء القانون على الفور، وتنفيذ “إصلاحات أخرى” لإعادة البلاد إلى المسار الأوروبي.
ولا تبدو مهمة المعارضة سهلة في هذا السياق، وستكون الأشهر المقبلة السابقة للانتخابات التشريعية حاسمة لوضع تصور مشترك والعمل على جذب الناخبين واللعب على “وتر” الميل إلى المعسكر الغربي والحلم بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولا تخفى هذه المهمة عن الشق الموالي لروسيا، الذي “يحارب” لتثبيت جورجيا و”تأصيلها” في ماضيها بعيدا عن جموح المعارضة وأرقام استطلاعات الرأي.