حرية – (3/6/2024)
وصف سفير الولايات المتحدة لدى السعودية، مايكل راتني، الاتفاق الأمني الذي يجري التفاوض عليه حالياً بين الرياض وواشنطن بـ”التاريخي”، معتبراً أن الاتفاق المنتظر “لديه القدرة على تغيير المشهد في الشرق الأوسط نحو الأفضل بشكل جذري”.
وأعرب راتني، خلال مقابلة في برنامج Frankly Speaking الذي تقدمه كاتي جنسن على موقع صحيفة “عرب نيوز”، الأحد، عن تفاؤله بأن “هذا الاتفاق سيعزز العلاقة الثنائية المستمرة بين البلدين منذ عقود”.
وقال السفير الأميركي: “نحن نميل إلى استخدام كلمة (تاريخي) بشكل مُبالغ فيه، لكن أعتقد أن حزمة الاتفاقات هذه ستكون فعلاً تاريخية في مجملها، وستكون قادرة على تغيير المشهد بشكل جذري في الشرق الأوسط نحو الأفضل، فهي تشمل تعاوناً سياسياً وأمنياً، وتكاملاً اقتصادياً”.
وأضاف: “هناك دور للفلسطينيين كجزء من ذلك، فقد أوضح السعوديون أن هذا الأمر هو أحد شروطهم، ونحن أيضاً لدينا توقعاتنا الخاصة، فقد عزز الصراع في غزة من مدى إلحاح هذا الأمر، ولذا فإنه يجب أن يكون هناك مسار للمضي قدماً في إقامة دولة للفلسطينيين كجزء من هذا الاتفاق”.
وعلى الرغم من الحماس المتبادل بين البلدين للاتفاق، فإن السفير الأميركي لم يوضح الجدول الزمني المحدد لإبرامه، قائلاً إن “هناك العديد من العناصر التي ما زالت قيد المفاوضات، ولا سيما استعداد إسرائيل للوفاء بالجزء الخاص بها من الصفقة”.
وتابع: “لا أعتقد أن هناك أي شخص منخرط في هذه المفاوضات لا يرغب في الانتهاء منها غداً، ولكن بالنظر إلى أمور عدة، تعد جزءاً من هذا الاتفاق، فضلاً عن المناقشات المعقدة للغاية والمليئة بالتفاصيل، فلا أعتقد أنه يمكنني وضع تاريخ محدد لإتمامها، كما أن هناك عناصر أخرى فيها أيضاً، بما في ذلك دور مجلس الشيوخ، وكذلك تأثير الوضع في إسرائيل.. ولذا فإنه بقدر ما نرغب في إنجاز هذه الصفقة، فإننا سنمضي قدماً في العملية بأسرع ما يمكن، وبأقصى قدر ممكن من الجدية، وسنقوم بإتمامها بمجرد وضع كل القطع في مكانها الصحيح”.
اتفاق دائم لا يتأثر بتغير الإدارات الأميركية
وأوضح السفير الأميركي لدى الرياض خلال مقابلته مع “عرب نيوز”، أن “الاتفاق التاريخي” يتطلب تصديق مجلس الشيوخ الأميركي عليه، و”هو ما يعني أنه اتفاق رسمي لا يرتبط بإدارة معينة، بل سيكون اتفاقاً دائماً ليس بين إدارة أو حكومة بعينها، ولكن بين دولتين، وهذا يجلب اليقين لنا وللسعوديين أيضاً”.
وبسؤاله عن مدى دقة تقييمات المعلقين الذين يتحدثون عن وجود أوجه تشابه بين الاتفاق السعودي-الأميركي المقترح، ومعاهدة التعاون والأمن المتبادل بين واشنطن وطوكيو الموقعة في عام 1960، أشار راتني إلى أنه لا يستطيع الخوض في بعض التفاصيل، قائلاً: “أنا متردد حقاً في الخوض في مثل هذه التفاصيل، فهذه الأشياء التي تخضع للمفاوضات على أعلى مستوى في حكومتنا، وعلى أعلى مستوى في الحكومة السعودية أيضاً”.
لكنه أوضح أن الصفقة ستشمل تحسناً في مستوى الشراكة الأمنية والعلاقات الاقتصادية بين البلدين، مع اتخاذ خطوات أيضاً نحو تلبية مطلب السعودية بإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
تحسن الشراكة الأمنية والاقتصادية
وتابع: “دعونا نقول فقط إنه سيكون اتفاقاً تاريخياً سيؤدي إلى تحسين مستوى الشراكة الأمنية بين واشنطن والرياض، كما أنه سيؤدي إلى تحسين العلاقات الاقتصادية، فضلاً عن أنه سيجمع إسرائيل والمملكة بشكل أساسي في منطقة واحدة، وسينتج عنه مزايا وطريق للمضي قدماً نحو إقامة دولة للفلسطينيين.. هذه أمور كثيرة، هناك مجموعة معقدة من المناقشات”.
ولفت راتني، الذي عمل سابقاً دبلوماسياً في إسرائيل، إلى أن هناك الكثير مما يمكن أن تكسبه المنطقة بسبب هذه الصفقة، قائلاً إن “جميع عناصر الصفقة التي تمت مناقشتها كانت ذات قيمة استثنائية، إذ تتمثل قيمتها الحقيقية في جمع كل ذلك معاً”.
وتابع: “كل تلك العناصر التي كانت قيد المناقشة، وجميع الأجزاء الخاصة بالعلاقات الأميركية-السعودية والأجزاء الإسرائيلية والفلسطينية مجتمعة يمكن أن تغير المشهد في الشرق الأوسط بشكل جذري، وهذا هو المنظور الذي نرى الصفقة من خلاله، وهو بالتأكيد المنظور الذي يراها من خلاله مجلس الشيوخ، وسيكون لديهم في نهاية المطاف تصويت للتصديق عليها”.
الضغط على تل أبيب
وعن سبب تردد واشنطن في الاستماع إلى أقرب حلفائها وممارسة ضغوط أكثر صرامة على تل أبيب، أشار إلى انخراط الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن وكبار المسؤولين الأميركيين بشكل كبير في هذه العملية، “إذ كان هذا هو الشغل الشاغل لهم منذ 7 أكتوبر، فقد تواجدوا في المنطقة بشكل كبير، إذ حضر بلينكن إلى هنا 6 مرات منذ 7 أكتوبر الماضي، وكذلك مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، وفي كل مرة تقريباً كانت الرحلة تتضمن زيارات إلى إسرائيل أيضاً، حيث كانوا يجرون، في بعض الأحيان، محادثات صعبة ومباشرة للغاية.. فلدينا علاقة وشراكة مع إسرائيل، ونحن نستخدم تلك العلاقة والشراكة لإيجاد نهاية لائقة لهذا الصراع”.
وأضاف راتني، الذي بات سفيراً لدى الرياض منذ حوالى العام، إن “العلاقات الثنائية أصبحت أفضل عندما تولى منصبه، وإنه هناك إمكانية لوجود علاقات أقوى”، موضحاً: “عندما وصلت إلى هنا، شعرت أن العلاقة كانت في مكان جيد جداً، ولمست ذلك من خلال تواصلي مع القيادة السعودية، ولذا شعرت بالارتياح لكون العلاقة بدت في مكان جيد، وخلال العام الماضي، أصبح الأمر أفضل وأفضل مع توسع شراكتنا بطرق عدة مختلفة لربما كانت غير ممكنة منذ 5 أو 10 سنوات، حيث دخلنا في المفاوضات حول اتفاق تاريخي محتمل بين بلدينا، ولذلك، إذا كنت أتطلع إلى الأمام لمدة عام أو عامين أو ثلاثة أعوام، فإن ما أريده هو أن يستمر المسار الحالي وكذلك سرعة هذا التنوع وهذه الشراكة”.
تغيير يتخطى “رؤية واشنطن”
وأعرب راتني عن إعجابه بوتيرة وحجم التغيير الذي تشهده المملكة في السنوات الأخيرة، “سيما الجزء الخاص بتمكين المرأة، بما في ذلك رفع الحظر الذي كان مفروضاً على قيادة النساء للسيارات في البلاد”.
وأضاف: “أتحدث عن دور المرأة في المجتمع، فهو أمر غير مسبوق، وهو يتخطى رؤية واشنطن المحصورة باعتبار قيادة النساء أكبر إنجاز، فحينما تأتي إلى هنا، فإنك ستجد أن مسألة قيادة النساء هي مجرد غيض من فيض، فالتغيير الكبير الذي غيَّر وجه هذا البلد بشكل أساسي هو حقيقة أن المرأة باتت تشارك في كل جانب من جوانب الاقتصاد، وفي كل جانب من جوانب المجتمع، إذ أرى النساء يشاركن بشكل كامل في المناقشات التي أحضرها خلال الاجتماع مع كبار المسؤولين الحكوميين في البلاد، كما أنهن لا يتواجدن هناك بشكل رمزي فقط، فقد حصلن على تعليم عالٍ، وفي كثير من الحالات، يكن من الحاصلات على مستوى تعليم جيد أو حتى أفضل من نظرائهن من الذكور، من جامعات الولايات المتحدة، وهو ما يعد أمراً استثنائياً”.
وعن مجالات التعاون والفرص بين الولايات المتحدة والسعودية، قال راتني إن “هناك الآن مجالاً للتجارة والتبادل في مجال التكنولوجيا المتقدمة والصناعات الإبداعية”، مضيفاً: “نحن نعمل بشكل مكثف مع الشركات الأميركية التي أصبحت مهتمة بهذا السوق، وذلك من أجل التصدير إليه، والشراكة مع السعوديين والاستثمار هنا، وهو الأمر الذي لا نراه في مجالات مثل الرعاية الصحية فحسب، ولكن أيضاً في مجال البنية التحتية”.
وتابع: “من الواضح أن هذا البلد يقوم باستثمارات ضخمة في البنية التحتية، والشركات الأميركية تجلب قيمة حقيقية هنا، ففي مجال التكنولوجيا المتقدمة تطمح المملكة إلى أن تصبح مركزاً للابتكار والتطور التكنولوجي، وهو المجال الذي يعد علامة تجارية أميركية، وبالتالي فإن الشركات الأميركية مثل (أمازون) و(جوجل) وغيرها، باتت موجودة هنا، ومهتمة بالمشاركة في العملية، وهي شريكة مع السعوديين في تلك الجهود”.
وتابع: “كما أنه في الماضي، لم يكن هناك صناعة سينما في المملكة بهذا الشكل، لكن الآن نرى شركات السينما والتلفزيون الأميركية مهتمة بالشراكة مع صناعة السينما الناشئة في البلاد، وهذا أمر غير عادي أيضاً، ولذلك، نرى فرصاً للولايات المتحدة عبر الاقتصاد بأكمله”.
المنافسة على السوق السعودي
ولفت السفير الأميركي لدى الرياض، خلال المقابلة مع “عرب نيوز”، إلى أن الأوروبيين والصينيين يتنافسون مع الولايات المتحدة على “السوق السعودي”، وأضاف: “لكن يجب أن أقول إنه في حين أن الصين قد تقدم سعراً منخفضاً، فإن الولايات المتحدة تقدم القيمة، وتجلب الابتكار والشراكة بطريقة لا يمكن أن يضاهيها سوى عدد قليل جداً من المنافسين”.
وأشار السفير الأميركي إلى أن هناك مجالاً آخر للتعاون المستقبلي بين البلدين يتعلق بقطاع الفضاء، قائلاً: “من الواضح أنه كان هناك للسعودية طموحات في هذا الجانب، وذلك من خلال الاستماع إلى القيادة السعودية، وهي تتحدث عن ذلك، وأعتقد أن قطاع الفضاء، أو الفضاء التجاري، قد أصبح على نحو متزايد جزءً طبيعياً من أي اقتصاد صحي كبير”.
وذكر السفير الأميركي أن شركة “أكسيوم سبيس” الأميركية، أرسلت اثنين من رواد الفضاء السعوديين إلى محطة الفضاء الدولية، العام الماضي، أحدهما طيار في القوات الجوية وعالمة في الأحياء الدقيقة، قائلاً: “من الواضح أن السعوديين لديهم طموحات أخرى هناك أيضاً، ونريد أن نكون جزءاً من ذلك، فالفضاء، والفضاء التجاري على وجه الخصوص، هو المستقبل، فهو مستقبل مربح وطموح للغاية”.
وعلى الرغم من أنه لم يمر سوى عام واحد على تعيينه كسفير لواشنطن لدى المملكة، إلا أن راتني يتطلع إلى “الإرث الذي يريد تركه”، إذ قال في نهاية المقابلة: “مع توسع طموحات السعودية، سواء كان ذلك بتوسيع وإصلاح قطاعها التعليمي، أو بناء قطاع إعلامي أكبر، أو استكشاف الفضاء، أو بناء صناعة التكنولوجيا الفائقة، أو المجموعة الكاملة من المجالات التي تكون فيها واشنطن والرياض شريكين طبيعيين، فإنني أود أن أرى (في إرثي) بضع سنوات من هذه العملية، وأن تنجح السعودية في تحقيق طموحاتها، ويُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها الشريك الأول لها في الوقت الذي تفعل فيه ذلك”.