حرية – (23/6/2024)
قبل اختراع فرشاة الأسنان في القرن الـ18 كان معظم الناس ينظفون أسنانهم بالقماش المبلل بالماء المالح، ولكن قرر شخص بريطاني إيجاد طريق أقل مشقة وأكثر فاعلية لتنظيف أسنانه وبعد أيام من التفكير والعمل اخترع ويليام آديس فرشاة صغيرة ثبت عليها مجموعة من الشعيرات القصيرة من ذيل حصانه.
بعدما استخدم فرشاته وشعر بالفائدة التي يمكن أن تؤديها في تنظيف الأسنان قام آديس بإنتاجها وبيعها على نطاق واسع، وفي عام 1780 أسَّس شركته الخاصة لإنتاج ابتكاره وتسويقه، فلاقت الفرشاة نجاحاً كبيراً، وانتشر استخدامها في بريطانيا كلها، حتى باتت أداة رئيسة من الأدوات التي يستخدمها المواطن البريطاني منذ استيقاظه وقبل خلوده إلى النوم، وخلال الأعوام التالية، انتقلت فرشاة الأسنان نحو دول العالم فانتشر استخدامها في فرنسا وألمانيا واليابان ثم الولايات المتحدة.
وبسبب نجاح هذه الأداة الباهر في تنظيف الأسنان مع ظهور أنواع الطعام الكثيرة والسكريات منذ ذلك الحين فقد بلغ عدد براءات الاختراع الخاصة بفرشاة الأسنان على مستوى العالم في الفترة ما بين 1963 و1998 نحو 3 آلاف براءة اختراع، ثم اخترعت فرشاة الأسنان الكهربائية وتطورت معها معاجين الأسنان ومطهرات اللثة، ولا تزال الشركات حتى اليوم تتنافس في تقديم أفضل فرشاة أسنان ممكنة.
تنظيف الأسنان أسهم بفاعلية في الحفاظ على أسناننا منذ الطفولة حتى مرحلة البدء بفقدان الأسنان من الفم، وأسهم في تأخير تسوسها ومرضها وسقوطها وفي عدد الأمراض التي كان يصيبها وفي فهم مدى أهمية الأسنان لحياة صاحبها.
الأسنان بوصفها مصدر معلومات موثوقاً
توجد الأسنان بوفرة في المواقع الأثرية لأنها أقوى من العظام، وتوفر الأسنان المعلومات حول السمات الوراثية للأفراد أو حتى مجموعات كاملة من السكان، وتشترك الأسنان في شيفرة وراثية مشتركة تحدد نوع صاحبها، ولذلك يمكن تمييز الأسنان البشرية بسهولة في الحفريات عن أسنان بقية الحيوانات.
وتوفر أدلة تشريحية لفهم الاختلاف في السلوكيات البشرية على مر العصور القديمة سواء كل تطور الجنس البشر ورسم كيفية حدوث هذا التطور من خلال الأسنان التي تميز بين مرحلة البشر الصيادين والبشر المزارعين وفترات الاستقرار والترحال البشري، على سبيل المثال عند النظر إلى بقايا الإنسان الآسيوية تظهر الأسنان اختلافات عن نظيراتها القوقازية.
توفر الأسنان أدلة تشريحية لفهم الاختلاف في السلوكيات البشرية على مر العصور القديمة
ويمكن تحديد جنس الرفات البشرية القديمة لأن النساء لديهن أسنان مختلفة عن أسنان الرجال، وبشكل أكثر تحديداً، يمكن التنبؤ بالأنماط الغذائية بناء على حال الأسنان، ويساعد العصب المحمي داخل أسناننا في تقديم معلومات موثوقة حتى لو تضررت بقية السن إلى حد كبير، ويمكن أن يكون الحمض النووي المخزن في عصب أسناننا باباً لثقافتنا السابقة، كما يقول عالم أنثروبولوجيا الأسنان كولفارد.
واستخرج علماء الأنثروبولوجيا المعلومات الوراثية من الأسنان في البشر الذين عاشوا قبل ما يصل إلى 20 ألف عام، من الفراعنة المصريين وصولاً إلى البشر الأوائل الذين هاجروا إلى الأمريكتين خلال العصر الجليدي الأخير منذ حوالي 10 إلى 12 ألف عام.
وجد هؤلاء الباحثون أن الأسنان القديمة التي وضعها الهنود، الذين عاشوا ذات مرة في كوستاريكا الحديثة من قبائل ما قبل المايا، كانوا يزرعون قطعاً صغيرة من حجر اليشم في أسنان مرضاهم لإصلاح التسوس أو للزينة، كما تمكنوا من إيقاف الألم باستخدام الأدوية النباتية، مثل الليدوكائين المخدر وهو أحد أهم الأدوية في العالم ويشتق من الكوكايين، الذي يصنع من أوراق الكوكا في أميركا الوسطى والجنوبية.
وأدهش الشعب الأتروري في إيطاليا في القرن السابع قبل الميلاد في صنع الأسنان من العاج أو العظم، وثبتوها في الفم بواسطة جسور من ذهب، لكن بعد ذلك على مدى قرون كان طب الأسنان يقتصر عموماً على خلع السن المتسوسة.
وكان من المألوف أن تكون هناك فراغات بين الأسنان حتى في صفوف الأثرياء، حتى أن الملكة إليزابيث الأولى (1533 – 1603) كانت تملأ الفراغات بين أسنانها بقطع من القماش الأبيض.
ويقال إن جورج واشنطن عانى متاعب رهيبة من أسنانه حتى وفاته 1799، أما محاولات صناعة أسنان بديلة، فقد كانت قليلة وتعتمد على عاج الفيلة أو وحيد القرن أو الذهب والعقيق أو حتى على أسنان الموتى من الناس، أو أسنان يشتريها الأثرياء من الفقراء.
وأول سن منفردة من البورسلين المثبت في اللثة بواسطة مسمار من البلاتين فقد صممها الإيطالي فونزي لنفسه عام 1808 اشمئزازاً من استعمال سن منتزعة من جثة ميت، وفي الفترة نفسها ابتكر هوراس ويلز مخدراً لزرع الأسنان من دون ألم، فارتفع الطلب على الأسنان الصناعية.
في تحقيق “ناشيونال جيوغرافيك كرييتف” فإن الإنسان الصياد قبل 10 آلاف عام، وجامعي الثمار من العصر الحجري الوسيط كانوا يصطادون الأسماك ويأكلون النباتات النشوية، ويعرف العلماء هذا من بعض الأسنان القديمة التي وجد فوقها مواد لزجة بكتيرية ومتكلسة ساعدت الباحثين على فهم النظام الغذائي لهؤلاء الصيادين وجامعي الثمار التي كان يعتقد أنها مهمة شبه مستحيلة، نظراً إلى وجود عدد قليل جداً من البقايا البشرية من تلك الفترة الزمنية.
تحول البشر وتحولات الأسنان
ويظهر التحليل الكيماوي لأسنان أم البشر لوسي، أنه منذ 4 ملايين عام مضوا، أصبحت وجبات طعام أشباه البشر فجأة أكثر تنوعاً من الرئيسيات الأخرى، وكانت القردة التي تعيش في الأشجار لا تزال تأكل من قائمة الغابة الثابتة، في حين أن أشباه البشر وسعوا ذوقهم ليشمل ما تقدمه البوفيه في الغابة والسافانا.
عام 2015 اكتشف الباحثون 47 سناً في كهف جنوب الصين، تم تحديد هذه الأسنان على أنها تنتمي إلى الإنسان العاقل وأن جنسنا البشري وصل إلى آسيا في وقت أبكر بكثير مما كان يعتقد سابقاً، أي منذ حوالي 80 إلى 120 ألف عام.
كان لدى الإنسان المنتصب الذي عاش في جميع أنحاء العالم قبل 1.5 مليون عام أنياب أكبر من البشر المعاصرين، لكن الاتجاه التطوري يتمثل في تقليل حجم الأسنان وحجم الفك بسبب التغييرات في الإستراتيجيات الغذائية تكيفاً مع الظروف البيئية المتغيرة.
يقول الباحث بيتر أونغار في تحقيق بعنوان “قصة الأسنان والنظام الغذائي والأصول البشرية” إن “الأسنان أرشيف فريد، ويمكن أن تكشف عن صعوبات الطفولة والهجرة الموسمية والتعرض إلى التلوث والإشعاع أو الزهري الخلقي والتعديل الثقافي والعمر عند الوفاة، إضافة إلى ثروة من المعلومات حول النظام الغذائي لذا ليس من المستغرب أن يكرس عدد من العلماء حياتهم المهنية لفتح الأدلة من الأسنان الحديثة والأحفورية”.
في كتابه (Evolution’s Bite)، يقدم عالم الأنثروبولوجيا القديمة بيتر أونغار وصفاً مقنعاً لكيفية تشكيل تفاعل الأسنان والنظام الغذائي والبيئة للتطور البشري، إذ حلل أونغار التفاعل بين الطعام وشكل الأسنان، إذ يمكن سحق الأطعمة الصلبة والهشة مثل البذور بين الأسنان المستديرة وتحتاج الأطعمة القاسية، مثل اللحوم النيئة أو الأوراق، إلى تقطيعها أو قصها بواسطة الأسنان ذات القمم الأرق التي تشبه الشفرة.
والرئيسيات هي رتبة تنضوي تحت فصيلة الثدييات وتشمل عدداً من الحيوانات مثل القردة والغوريلات وأيضاً الإنسان، وتحوي رتبة الرئيسيات خصائص ومتشابهة في ما بينها مثل الأصابع القادرة على التحرك والأظافر والنظر وتجويف العينين في الجمجمة وتركيب الجمجمة نفسها وضخامة الدماغ مقارنة بالجسم ككل.
وجميع أنواع هذه الرتبة لها حاسية شم ضعيفة تقريباً، أما أشباه البشر فهي مجموعة ضمن رتبة الرئيسيات وتحوي كلاً من الإنسان والقردة العليا، هذه المجموعة تعتبر أول من مشى على قدمين اثنتين في استخدام الحركة والتنقل.