حرية – (25/6/2024)
اعتبر “معهد واشنطن” الامريكي ان زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر يشكل حملا معقدا على اللعبة السياسية في العراق، وان عودته إلى المعترك السياسي الرسمي، من خلال “التيار الوطني الشيعي”، ستؤدي الى زعزعة استقرار المشهد السياسي الشيعي الداخلي، لكن جهوده ستكون مقيدة بتراجع الثقة به في صفوف حلفائه السابقين من الكورد والسنّة والمعضلة المستمرة المتمثلة في التعامل مع إيران.
ورأى التقرير الأمريكي ,إن التسمية الجديدة التي اختارها الصدر لجماعته السياسية مهمة من نواح متعددة، حيث يدل اختيار كلمة “وطني” على آمال الصدر في أن يتم الاعتراف به كشخص لديه أجندة وطنية عابرة للطوائف (أي شخص مستعد للتعامل خارج نطاق الشيعة) وأجندة متعددة الأعراق (أي أن حركته ليست عربية حصرًا).
الا ان التقرير لفت إلى أن كلمة “وطني” لا تكون واقعية إلا بقدر ما سيكون الصدر قادراً أو راغباً على التعامل مع أحزاب من أعراق وطوائف أخرى، مضيفا أنه ينبغي ألا يتم فهم ذلك على أن الصدر بامكانه الحصول على أصوات الطوائف الأخرى ويدعي تمثيل أجزاء منها.
أما استخدام مصطلح “شيعي” في اسم الجماعة الجديدة، فقد أشار التقرير إلى أنه أمر ملحوظ لأكثر من سبب، أولًا، انها المرة الأولى التي يستخدم فيها الصدر هذا المصطلح لأي من الجماعات التي أنشأها، اذ ان جماعاته السابقة أو الحالية من “جيش المهدي” إلى “التيار الصدري” و”تيار الأحرار” و”سائرون” و”سرايا السلام”، لم تحمل هذه الدلالة المتمحورة حول الطائفية بشكل صريح.
وبالاضافة الى ذلك، فان استخدام صفة “الشيعي” في الاسم الجديد للجماعة يكشف عن إقرار بأن المشهد السياسي الشيعي هو الساحة المباشرة الأولى للنشاط السياسي للصدر، ويعكس تصميمه على تحدي خصومه الشيعة الموالين لإيران والمجتمعين ضمن “الإطار التنسيقي”.
ورأى التقرير انه بينما قد يُنظر إلى إدراج كلمتي “شيعة” و”وطني” في اسم الجماعة، على أنه تناقض مُحير، إلا أنه يعكس واقع السياسة العراقية وحدودها السياسية والطائفية الصارمة، مشيرا إلى أنه من المتوقع أن يستمر هذا الواقع في المستقبل المنظور نتيجة التركيبة الديموغرافية للدولة وتاريخها.
وتابع التقرير؛ ان العراق يفتقر الى وجود اتحاد متعدد الطوائف عبر حزب سياسي على مستوى الاتحاد بإمكانه الأداء بشكل مقبول عبر جميع المجتمعات العرقیة و الدینیة، مضيفا ان الصدر ربما يطمح إلى لعب هذا الدور، لكنه لن يتمكن من ذلك، لأن خطابه والأعباء السابقة التي جلبها لن تسمح له بتجاوز الحدود القائمة، مشيرا في هذا السياق بشكل خاص الى ذكريات جيش المهدي لدى السنة ومشاركته في الصراع الطائفي بعد العام 2003.
أسس أيديولوجية أخرى
وذكر التقرير أن الصدر حرص على أن تظل التوجهات المعادية للولايات المتحدة (وإن كانت غير عنيفة) والمعادية لإسرائيل، من العناصر الأساسية في هذه المرحلة الجديدة من مشروعه السياسي.
وتابع التقرير انه في حين أن “الإطار التنسيقي” الحاكم يضم عناصر أكثر ليبرالية وبراغماتية مثل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وحيدر العبادي وعمار الحكيم، وبدرجة أقل، نوري المالكي، فإنه يشمل أيضًا شخصيات موالية بشدة لإيران تفتخر علنًا بالمواجهات العنيفة، الماضية والحالية، ضد الولايات المتحدة، ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، ضد إسرائيل.
في هذا السياق، اضاف التقرير ان الصدر شدد على معاداته للولايات المتحدة وإسرائيل، مشيرا الى ان الصدريين ذكروا خصومهم بأنهم قادوا المقاومة الأساسية المناهضة للولايات المتحدة في العراق، وقاتلوا القوات الأمريكية منذ العام 2004 تحت راية “جيش المهدي”.
وتابع التقرير؛ ان الصدر منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، طالب علنًا بإغلاق السفارة الأمريكية في بغداد ودعا إلى طرد السفير في مناسبتين على الأقل، على الرغم من أنه حث على استخدام وسائل غير عنيفة لتحقيق هذه الأهداف.
بالإضافة إلى ذلك، قال التقرير ان الصدر ادلى بعدة تصريحات معادية لإسرائيل، مستندًا في الغالب إلى نصوص دينية، ونظّم حملات مساعدة إنسانية للسكان في قطاع غزة.
الانتخابات المقبلة والصراع مع إيران
وربط التقرير بين إطلاق “التيار الوطني الشيعي” وبين التحضيرات للانتخابات البرلمانية المقبلة في أواخر العام 2025، قائلا انه الرغم من أن “التيار الصدري” نال أكبر نسبة من الأصوات في انتخابات عام 2021، إلا أن الصدر فشل في نهاية المطاف في تأمين ائتلاف من ثلثي المقاعد البرلمانية اللازمة لتشكيل الحكومة، وانسحب لاحقًا من العملية السياسية برمتها في خطوة صادمة.
ورأى التقرير؛ أن الصدر يناور من أجل الظهور كالقوة الشيعية المهيمنة في الانتخابات المقبلة، وهو يدرك جيدًا عدم شعبية الطبقة الحاكمة الحالية، كما يتضح من نسبة الإقبال الأدنى على الإطلاق في انتخابات مجالس المحافظات العام الماضي (26 % من جميع الناخبين المؤهلين)، مشيرا الى ان الصدر سيضع نفسه في موقع استراتيجي للاستفادة من هذا الاستياء الشعبي الضخم من “الإطار التنسيقي” المنافس من خلال تقديم نفسه كقوة وطنية لمكافحة الفساد لا تدين بالفضل للمصالح الإيرانية ولا الأمريكية.
ولفت الى التقارير التي تحدثت عن تحالف محتمل بين الصدر ورئيس الوزراء السوداني لتشكيل الائتلاف البرلماني الرئيسي المقبل على الساحة الشيعية، مضيفا أن السوداني سعى إلى تقديم نفسه على أنه تكنوقراطي مهتم بدعم الحكم الرشيد والتركيز على الخدمات العامة، وتجنب أن يتم النظر إليه على أنه تابع لمعسكرات أيديولوجية عميقة داخل المشهد السياسي الشيعي أو العراقي.
وفي المقابل، قال التقرير ان الصدر حاول الإبقاء على الأبواب مفتوحة للعمل مع جميع الأطراف، وتجنب إقالة المسؤولين الصدريين من المناصب الحكومية الإدارية التي شغلوها منذ الحكومات السابقة.
وتابع التقرير؛ أن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، العدو اللدود للصدر، عندما أدرك إمكانية قيام تحالف بين الصدر والسوداني، بدأ بتقديم مبادرات للصدر على أمل تقويض السوداني وفرصه في الفوز بكتلة برلمانية كبيرة، كما اقترح المالكي مؤخرًا، إجراء الانتخابات المبكرة بحلول نهاية العام 2024.
واشار التقرير الى ان الصدر يرى أيضًا قيمة في الشراكة مع السوداني بعد الانتخابات المقبلة، نظرًا إلى معدل التأييد الإيجابي الذي يحظى به رئيس الوزراء بين العراقيين.
واضاف انه برغم ذلك، فإنه يبقى أن نرى ما إذا كان السوداني سيتمكن من ترجمة هذا التقييم الإيجابي العام إلى أصوات في الانتخابات المقبلة.
وقال التقرير ان الصدر يواجه مأزقًا كبيرا، ففي حين يسعى إلى إضعاف منافسيه في “الإطار التنسيقي” من خلال إبعاد السوداني عنهم، إلا أنه لن يكون سعيدًا باحتمال ظهور شخصية شيعية شعبية أخرى في شكل السوداني، تتمتع بجاذبية لدى الناخبين الشيعة العاديين أكبر منه أو من منافسيه في “الإطار التنسيقي”.
واضاف انه لا يمكن تشكيل أي حكومة بدون شراكة مع بعض الجماعات الكوردية والعربية السنّية، وهنا قد يواجه الصدر بعض العقبات، اذ انه كان تخلى في اللحظة الأخيرة عن حلفائه الكورد والسنّة، أي “الحزب الديمقراطي الكوردستاني” بزعامة مسعود بارزاني و”حزب التقدم” بزعامة محمد الحلبوسي، بعد انتخابات العام 2021 ما ترك الحزبين على شفير الهاوية.
وبالنتيجة، قال التقرير ان هذه الاطراف ستكون حذرة للغاية، أو حتى رافضة، لتجديد التحالف السياسي مع الصدر وحده، مضيفا أن “الحزب الديمقراطي الكوردستاني” و”التقدم” دفعا ثمنًا باهظًا لتحالفهما الذي ما عاد قائمًا اليوم، حيث استخدمت إيران وحلفاؤها داخل العراق أساليب متعددة لتقويض إقليم كردستان، والذي يشكل الحزب الديمقراطي الكوردستاني حزبه الحاكم الرئيسي، ونجحوا في إقالة الحلبوسي من منصب رئيس مجلس النواب الذي يطمع الجميع به من خلال حكم صدر عن المحكمة الاتحادية العليا.
واضاف التقرير ان السنّة والكورد لن يعادوا إيران مرة أخرى من خلال الدخول في شراكة مع الصدر ضد الفصائل والأحزاب الموالية لإيران في العراق.
وذكر التقرير؛ أنه يجب معرفة إلى أي مدى يمكن أن يذهب الصدر لتحقيق رؤيته المتمثلة بحكومة أغلبية تقودها جماعته، مضيفا أنه عندما حان وقت الحسم في أعقاب انتخابات العام 2021، تجنب الصدر مواجهة حاسمة مع الجماعات الموالية لإيران التي بدت مستعدة للجوء إلى العنف إذا لزم الأمر.
وبعدما رأى التقرير أنه لا يمكن تشكيل حكومة بدون موافقة إيران، قال إن الصدر بدأ في رأب الصدع مع إيران خلال الأشهر الأخيرة، لكن الطريق إلى التقارب الكامل في نهاية المطاف سيكون طويلًا وشاقًا، مضيفا أنه برغم أن إيران لن تعادي الصدر تمامًا، فمن المرجح أن تتلاعب به ضد الخصوم الشيعة الآخرين للحفاظ على نفوذها في المشهد السياسي الشيعي.
إلا أن التقرير اعتبر أنه من غير المرجح أن تعهد طهران إلى الصدر بزمام الحكم في الدولة العراقية لأنها تعتبره غير موثوق ولا يمكن التنبؤ بأفعاله، وأيضًا نظراً لأهمية العراق الاستراتيجية الهائلة في المخططات الإقليمية الإيرانية.
وخلص التقرير الى القول انه ذلك يعني أنه سيكون للصدر، في أحسن الأحوال، فرصة للمشاركة في الحكومة إلى جانب جماعات أخرى أكثر ولاءً لإيران، ولكن لن يُسمح له بتشكيل حكومة أغلبية من شأنها تهميش الجماعات الموالية لإيران. واضاف انه من المرجح أن تكرار سيناريو ما بعد انتخابات العام 2021 لن يمنح الصدريين نتيجة أفضل مقارنة بعامَي 2021 و2022، لأن السلطة في العراق لا تحدَّد في نهاية المطاف على أساس الأداء الانتخابي.
وختم التقرير الأمريكي بالقول؛ إنه بالنظر الى إلى الحمل المعقد الذي يجلبه الصدر إلى اللعبة السياسية العراقية، فإن عودته إلى المعترك السياسي الرسمي بعد غياب دام سنوات ستزعزع على الأرجح استقرار المشهد السياسي الشيعي الداخلي. واضاف ان الصدر أظهر برغم ذلك، استعدادًا براغماتيًا لتجنب العنف (على الرغم من الاشتباكات الصغيرة هنا وهناك) في مواجهة الجماعات الموالية لإيران، لأن هذا سيكون سيناريو خاسرًا على كافة الأصعدة للشيعة الذين نجحوا أخيرًا في السيطرة على الدولة العراقية بعد عقدين من الصراع العنيف والدموي. واضاف انه “سيتعين على الصدر اجتياز درب وعر ومن المرجح أن يقدم تنازلات لإيران وحلفائها في العراق”.
وتابع قائلا: إن طموحات الصدر لا تتماشى مع الوسائل المتوفرة بحوزته لتحقيقها، مضيفا أن الحركة بتسميتها الجديدة تدل على مرحلة جديدة في عمله السياسي أكثر من كونها مشروعًا سياسيًا جديدًا تمامًا أو واقعًا سياسيًا جديدًا في العراق.
واوضح التقرير؛ ان سلوك “التيار الصدري” (والسياسة العراقية بشكل عام) ستشهد استمرارية أكثر من التغيير، على الرغم من تركيزه بشكل أكبر على ساحة الدعم والتنافس الشيعية المباشرة. وتابع قائلا انه بينما تشكل المناورة لتحقيق مكاسب انتخابية مذهلة من خلال حركة متجددة باسم جديد، أمرا مفهوما، ومن المحتمل أن يزيد الصدر حصته من الأصوات نظرًا إلى الاستياء الواسع النطاق من الجماعات السياسية الأخرى، إلا أنه من غير المرجح أن تُترجم المكاسب الانتخابية إلى رغبته الطويلة الأمد في تشكيل حكومة أغلبية، حيث ان ايران وحلفائها من العراقيين، سيستمرون بتشكيل حاجز لا يمكن التغلب عليه أمام طموحات الصدر في قيادة حكومة أغلبية.