حرية – (30/6/2024)
قد تخسر تونس في غضون سنوات قليلة عدداً من مدنها، وفق دراسات وتقارير بيئية أكدت أن البلد الأفريقي المتوسطي يعتبر من بين أبرز الدول في العالم المهددة بفقدان جزء من يابستها بسبب التغييرات المناخية.
وأكد تقرير لمنظمة “غرين بيس” العالمية المدافعة عن البيئة أن تونس، إلى جانب دول مثل المغرب والجزائر ومصر ولبنان، تعتبر من الدول المهددة بـ”التأثير المدمر للتغير المناخي”.
وتفيد مصادر عديدة بتآكل مساحات كبيرة من سواحل تونس تقدرها بنحو ربع الشريط الساحلي، ما قد ينتهي باختفاء عدد من مدنها، من بينها وجهات سياحية مشهورة كالحمامات وجربة وحتى هضبة سيدي بوسعيد. ويبلغ طول الشواطئ التونسية نحو 2300 كلم.
الأولى في حوض المتوسط
ويشير خبراء بيئيون وتقارير دولية إلى أنّ عشرات الكيلومترات من السواحل في تونس مهدّدة بالزوال بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر.
وكشفت “وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي” الحكومية التونسية في دراسة سابقة أنّ “البحر قد يُغرق نحو 16 ألف هكتار من المساحات الشاطئية، وأنّ نحو 700 ألف هكتار من الأراضي السكنية والطرق القريبة من السواحل مهدّدة بالانهيار نتيجة قرب مياه البحر خلال السنوات الأخيرة”.
وأكدت الدراسة أن تونس ستعرف في غضون سنة 2050 ارتفاعاً لمستوى سطح البحر قد يصل إلى 50 سنتيمتراً.
ووفق الوكالة تعتبر “مناطق خليج تونس وخليج الحمامات وجزيرة جربة من بين أبرز المناطق المهددة بهذه التغييرات”، كما أن “جزراً تونسية عديدة قد تفقد مساحات واسعة من اليابسة”.
أخطار الانجراف البحري
وحذرت وزيرة البيئة ليلى الشيخاوي، في تصريح إلى “النهار العربي” على هامش ملتقى علمي في العاصمة تونس، من أخطار الانجراف البحري على السواحل التونسية، مشددة على أهمية مواجهة هذه الظاهرة من خلال خطة تتضافر فيها جهود جميع الجهات المعنية.
والانجراف البحري هو تآكل السواحل بسبب غمرها بمياه البحر. وكشفت الوزيرة عن وجود خطة لحماية السواحل من هذه الأخطار.
وأكد المكلف بتسيير “وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي” مهدي بلحاج لـ”النهار العربي” أن الشريط الساحلي التونسي يحتل المرتبة الأولى في خطر الانجراف البحري في حوض البحر الأبيض المتوسط.
وتحدث المسؤول التونسي عن “عائق التمويلات” التي تبحث عنها مؤسسته من أجل الإسراع في أشغال الحماية، لافتاً إلى وجود عدد من المشاريع في هذا السياق.
لكن الخبير البيئي حمدي حشاد قال لـ”النهار العربي” إن الخطة الحالية غير كافية، موضحاً أنه تم التدخل في 50 كلم فقط من بين أكثر من 350 كلم من السواحل المهددة بالانجراف، ولفت إلى أن تونس تشتكي من صعوبة توفير التمويلات لحماية سواحلها ومدنها من هذا الخطر المتعاظم مع تقدم السنوات. وأضاف أن “التقديرات تؤكد أن 1050 كلم من سواحل تونس مهددة بدرجات متفاوتة وأن 360 كلم مهددة تهديداً كبيراً وتتطلب خطة عاجلة لحمايتها”.
وكشف أن حماية السواحل مكلفة جداً، إذ “تتراوح تكلفة حماية الكلم المربع ما بين 1 و3 ملايين دينار” وفق تقديره (الدولار يساوي 3 دنانير).
استمرار ذوبان الجليد
ورجح حشاد أن تغمر مياه البحر نحو 250 كلم مربعاً من مساحة تونس في غضون سنة 2050، متوقعاً أن ذلك سينتهي باختفاء عدد من المدن تماماً بحلول سنة 2100.
ولفت إلى أن ارتفاع درجات الحرارة التي بلغت مستويات قياسية في السنوات الأخيرة أدى إلى ذوبان الجليد، وهو ما تسبب في ارتفاع منسوب مياه البحر، وأوضح أن “150 مليار طن من الثلوج تذوب سنوياً، وهو ما يتسبب في ارتفاع تدريجي لمستوى مياه البحر”.
ووفق الخبير التونسي، لا تهدد هذه الظاهرة تونس وحدها، فالدراسات تؤكد أن مدناً ساحلية كثيرة في العالم تتعرض لمستوى التهديد نفسه على غرار البندقية الإيطالية وجاكرتا الإندونيسية.
هضبة سيدي بوسعيد مهددة
ولا تقف مخاطر التغييرات المناخية عند تقدم مستوى البحر على حساب اليابسة، فالانزلاقات تهدد، بدورها، مناطق عديدة في تونس، من أشهرها خصوصاً هضبة سيدي بوسعيد وهي أشهر وجهة سياحية تونسية يسعى البلد إلى تصنيفها ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.
تقول وكالة حماية البيئة إنه لا يمكن حالياً تقدير نسبة الخطورة ودرجة الانزلاقات المتوقعة في الهضبة إلا بعد تشخيص دقيق للوضعية.
ولكنّ بلحاج يؤكد أن أسفل الهضبة وقمتها مهددان بسبب الانزلاقات، موضحاً أن الانجراف البحري أدى إلى تآكل الهضبة من الأسفل فيما تتعرض القمة لخطر الانجراف بفعل الأمطار.