حرية – (1/7/2024)
إنجي مجدي
بينما تتجه المملكة المتحدة إلى انتخابات عامة في الرابع من يوليو (تموز) المقبل فإن الحكومة البريطانية المقبلة ستتولي مهامها وسط واقع ملتهب على صعيد القضايا الخارجية، فمن أوكرانيا إلى غزة سيكون على الزعيم البريطاني الجديد التعامل مع حربين يكافح العالم لاستيعاب عواقبهما، فضلاً عن التحدي الجيوسياسي الأوسع المتعلق بالصين والأمن الأوروبي وعودة دونالد ترمب المحتملة إلى البيت الأبيض.
وفي حين هيمنت القضايا المحلية على النقاش بين الأحزاب البريطانية شهد السباق الانتخابي أيضاً سعي “المحافظين” وحزب العمال إلى تقديم نفسيهما على أنهما ضامنان للأمن في عالم أكثر اضطراباً، واستخدم الديمقراطيون الليبراليون أيضاً هذه القضية إذ انتقدوا بشدة سجل حكومة “المحافظين” بزعامة ريشي سوناك في مجال الدفاع. ويقول مراقبون إنه بغض النظر عن الحزب الفائز في الانتخابات المقبلة فإنه بوسع من يشكل الحكومة البريطانية المقبلة أن يستخدم أصولها على صعيد السياسة الخارجية لتحقيق أفضل النتائج في سياق النفوذ.
وفي طريقه إلى بولندا في أبريل (نيسان) الماضي قال سوناك للصحافيين على متن طائرته “للأسف، نحن نعيش في عالم أكثر خطورة مما عرفناه منذ عقود وربما أكثر خطورة من نهاية الحرب الباردة”، إذ جعل رئيس الوزراء السياسة الخارجية سمة أساس لحملته المحافظة، واختار وزير خارجية ذا خلفية سياسية قوية مثل اللورد ديفيد كاميرون وهو رئيس الوزراء السابق. وعلى جانب حزب العمال تناول وزير الظل لشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية ديفيد لامي التحديات المقبلة، فزعم أن 14 عاماً من حكومة “المحافظين” ألحقت ضرراً بنفوذ المملكة المتحدة “في عالم أكثر انقساماً وخطورة”.
ويقول الكاتب البريطاني آدم بولتون إن الأخبار الدولية هذا العام تتطلب اهتماماً، فعلاوة على تغير المناخ وعودة الرئيس ترمب المحتملة هناك تطورات حاسمة جارية في الشرق الأوسط وأوكرانيا، وربما في تايوان. وتهدد كل منها بتقويض قيادات “المحافظين” و”العمال” إذ لم يتم بعد اختبار ريشي سوناك والسير كير ستارمر كرجلي دولة على صعيد القضايا الدولية. ويرى الكاتب أن الزعيم السابق لحزب العمال جيرمي كوربين لم يكن يصل إلى زعامة الحزب من دون دوره البارز في ائتلاف “أوقفوا الحرب” في غزة والعراق وأفغانستان. وربما يكون أكبر إنجاز لسترامر الزعيم الحالي لـ”العمال” هو نجاحه في إعادة حزبه إلى التوافق مع الرأي السياسي السائد، والمؤيد لحلف شمال الأطلسي والمتقبل لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وتطرح الأحزاب البريطانية عدداً من الالتزامات بما في ذلك ما يتعلق بالصين والشرق الأوسط والسياسة النووية. وفي ما يتعلق بدور المملكة المتحدة في معالجة التحديات العالمية بما في ذلك الفقر وتغير المناخ، تلتزم أحزاب المحافظين والعمال والديمقراطيين الليبراليين بالعودة إلى إنفاق 0.7تظهر الأبحاث السياسية مستويات عالية من القلق في شأن الأمن القومي بين البريطانيين في المئة من الدخل القومي الإجمالي على التنمية. وأقر عدد من قادة الأحزاب بأن المنافسة الجيوسياسية المتزايدة والتحول المناخي يجعلان العلاقات مع القوى المتوسطة والجنوب العالمي أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية، ويؤديان إلى تحويل النظام التجاري العالمي.
ثلاث قضايا أساس
وحدد المراقبون في لندن وواشنطن ثلاث قضايا أساس تتعلق بالسياسة الخارجية للمملكة المتحدة والتي بطبيعة الحال سيكون لها دور في الانتخابات المقبلة، وهي الأمن القومي من خلال التعامل مع التحديات التي تشكلها القوى العظمى التي لا يمكن التنبؤ بها والتي أصبحت معقدة بسبب التوترات الصينية الأميركية المتزايدة، وتحسين علاقات المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي، جزئياً للتعويض عن خطر انخفاض مشاركة الولايات المتحدة في أوروبا وفي جزء آخر لسد فجوات سياسة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وإعادة تنشيط دور المملكة المتحدة في الحوكمة العالمية والتنمية الدولية، وهو مجال يتعلق بالنفوذ التاريخي للبلاد.
ووفق مديرة المنظمة البحثية “مجموعة السياسة الخارجية البريطانية” إيفا أسبينال فإن الأمن القومي سيظل تحدياً كبيراً للمملكة المتحدة. ومن الواضح أيضاً أن هذا يشكل مصدر قلق كبير بالنسبة إلى الشعب البريطاني، إذ تظهر الأبحاث السياسية استمرار مشاعر قوية للغاية من انعدام الأمن ومستويات عالية من القلق في شأن الأمن القومي بين البريطانيين. ولا يقتصر ذلك على ما يدور بالجوار الأوروبي وتهديدات روسيا وحتى التنافس مع الصين، ولكن يشمل بصورة أكبر ملف المهاجرين غير الشرعيين.
وفي ما يتعلق بالصين يتعين على الزعيمين السياسيين اتخاذ قرار صعب. ويطرح الباحثون لدى معهد شاثام هاوس للأبحاث في لندن تساؤلات في هذا الصدد ينبغي على القادة البريطانيين من الأحزاب المتنافسة الرد عليها، فهل ينبغي للمملكة المتحدة أن تنضم إلى الولايات المتحدة في حماية نفسها ضد الإغراق الصيني بالألواح الشمسية والسيارات الكهربائية وغيرهما من السلع الإلكترونية، أم ينبغي لها اغتنام الفرصة لتحقيق الأهداف المناخية من خلال استيراد مركبات كهربائية أرخص من الصين؟ ويمتد النقاش إلى الذكاء الاصطناعي. وتتمثل المعضلة في ما إذا كان الأمن القومي ينبغي أن يكون له الأولوية على الكفاءة والتحول الأخضر. ومع معاناة اقتصاد المملكة المتحدة من النمو البطيء وارتفاع أسعار الفائدة والديون فإن المعضلة حقيقية.
تظهر الأبحاث السياسية مستويات عالية من القلق في شأن الأمن القومي بين البريطانيين
ويظل دعم تايوان أمراً أساساً بالنسبة إلى حكومة “المحافظين” التي دائماً ما تستشهد بانتهاك الحريات وحقوق الإنسان في هونغ كونغ. ويمكنها أن تفخر بعرض وطن آمن للصينيين في هونغ كونغ بعد حملة القمع. وقد يكون حزب العمال أقل صوتاً لكنه سيدعم القيادة الأميركية في حماية الديمقراطية في تايوان. ووفق “شاثام هاوس” تحتاج المملكة المتحدة إلى زيادة قدراتها لإدارة روابطها مع الصين. وفي الوقت الحالي، تتوزع عملية صنع القرار في المملكة المتحدة في شأن الصين بين الإدارات الحكومية، مما يؤدي إلى أجندات غير متماسكة أو متنافسة. ويتمثل أحد الخيارات في تشكيل وحدة سياسية مشتركة بين الحكومات تركز على الصين. وهناك خيار آخر يتمثل في تعيين إدارة رائدة واضحة معنية بالصين لإدارة المفاضلات بين الأمن والازدهار. وينبغي لاستراتيجية الأمن الاقتصادي ذات الأهداف والغايات الواضحة أن تعطي نظرة عامة أفضل على نقاط الضعف في المملكة المتحدة، إزاء تعطيل سلسلة التوريد أو العقوبات.
وفي مراجعة حديثة لاستراتيجيتها الدفاعية والدبلوماسية العام الماضي واصلت الحكومة البريطانية اعتبار روسيا بقيادة فلاديمير بوتين “التهديد الأكثر إلحاحاً لأمن المملكة المتحدة”. وأعرب كل من حزبي العمال والمحافظين عن دعمهما الكامل لأوكرانيا في دفاعها ضد روسيا. ولا يوجد تمييز في التزامهما بتدريب الأوكرانيين وتقديم أسلحة متطورة لهم حتى قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. ووفق بيانات معهد كيل لتتبع المساعدات الدولية فإن الحكومة البريطانية منحت 12.62 مليار يورو لأوكرانيا حتى الآن، لتكون الثالثة بصورة عامة في المساعدات الثنائية بعد الولايات المتحدة وألمانيا.
الدفاع
وتقترح الأحزاب الرئيسة الثلاثة الحفاظ على نظام الأسلحة النووية في المملكة المتحدة، وإنفاق 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع ــ ولو في أطر زمنية مختلفة ــ والوفاء بالتزاماتها تجاه حلف شمال الأطلسي، والاستمرار في تقديم المساعدات والدعم العسكري لأوكرانيا. وقال الديمقراطيون الليبراليون أيضاً إنهم سيعيدون بناء الجيش البريطاني لما يصل إلى 100 ألف جندي، من المستوى الحالي البالغ نحو 73 ألف جندي. ولكن لمواجهة روسيا ولعب دور قيادي في حلف شمال الأطلسي تحتاج المملكة المتحدة إلى التفكير في التقارب مع دول مثل بولندا التي تنفق أكثر من ثلاثة في المئة على الدفاع. ومن المرجح أن يسد 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الفجوات الحالية في خطة المعدات الدفاعية الحالية.
وتقول مديرة برنامج المملكة المتحدة لدى معهد شاثام هاوس أوليفيا أوسوليفان إن المملكة المتحدة كانت إما رابع أو سادس أكبر منفق عسكري في العالم خلال عام 2023، ومع ذلك فقد حذرت اللجان البرلمانية المتعاقبة وغيرها من التحليلات العسكرية من أن القوات المسلحة في المملكة المتحدة تواجه نقصاً خطراً في القدرات والمخزونات ونقص الموارد. ويوصي المراقبون في المملكة المتحدة بأن تعتمد الحكومة الجديدة على النهج الجديد للمشتريات الذي أعلنته وزارة الدفاع في فبراير (شباط) الماضي، والذي يركز على متطلبات أبسط ومشتريات أسرع وأكثر شفافية، والعمل مع مزيج من شركاء الصناعة الأصغر والأكبر.
ويشير المراقبون إلى الأهمية المتعلقة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ والتي تشكل أهمية خاصة لأمن المملكة المتحدة وتجارتها، لكنها تفتقر إلى الموارد اللازمة لتحقيق طموحها الأولي كما جاء في المراجعة المتكاملة لعام 2021 المتمثلة في “تأسيس وجود أكبر وأكثر استمرارية من أية دولة أوروبية أخرى” في المنطقة. وتقول أوسوليفان إن حكومة المملكة المتحدة المقبلة قد تستمر في اتباع نسخة تعاونية ومحدودة من “الميل نحو المحيطين الهندي والهادئ”. ويمكن أن يركز هذا على تعزيز الروابط مع الشركاء الإقليميين – أستراليا والهند واليابان وكوريا الجنوبية – والوفاء بالتزامات المملكة في الشراكات الدفاعية، بما في ذلك تحالف أوكوس الأمني وبرنامج القتال الجوي العالمي GCAP الذي تقوده المملكة المتحدة بالشراكة مع إيطاليا واليابان لبناء طائرات مقاتلة من الجيل التالي. وربما تفكر المملكة المتحدة في توسيع نطاق تقاسم التكنولوجيا لتحالف أوكوس ليشمل حلفاء إقليميين مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
وفيما يؤكد المراقبون على ضرورة توسيع التعاون الأمني مع الاتحاد الأوروبي فإنه يظل أحد المجالات التي تحدد فيها الأحزاب البريطانية نهجاً مختلفاً. ويعد المحافظون بعلاقات ثنائية أقوى والعمل مع الاتحاد الأوروبي في شأن أوكرانيا. كما يعد الديمقراطيون الليبراليون (الذين حددوا خطط للعودة إلى السوق الموحدة) بمزيد من التعاون في مجالي الدفاع والسياسة الخارجية. ويقول حزب العمال إنه سيسعى إلى إبرام اتفاقات أمنية جديدة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، لكن هذا الاقتراح لا يزال يفتقر إلى التفاصيل.
الشرق الأوسط والجنوب العالمي
وفي الشرق الأوسط يدعم كل من حزب المحافظين وحزب العمال حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وتقول الزميلة لدى مركز ويلسون وودرو للأبحاث في واشنطن ديانا نيغروبونتي إن من خلال تكرار هذا التأكيد يدرك قادة حزب العمال المخاوف في شأن معاداة السامية وهو الاتهام الذي لاحق الحزب في عهد الزعيم السابق جيريمي كوربين، وأن الزعيم الحالي كير ستارمر في حاجة إلى التعامل مع الدعم القوي لفلسطين داخل صفوف حزب العمال. ويتمتع حزب العمال بعدد كبير من الناخبين الشباب العازمين على وقف القصف الإسرائيلي لغزة، وهم يحثون الحكومة على استخدام أي نفوذ يمكنها حشده لحماية الفلسطينيين وتحقيق وقف طويل الأمد لإطلاق النار. وأعرب لامي عن دعمه لدعوة المحكمة الجنائية الدولية لاعتقال بعض السياسيين الإسرائيليين البارزين. وفي هذه التصريحات انفصل عن نهج ستارمر لكن كلماته تعكس الانقسامات داخل حزب العمال تجاه حرب غزة.
وبالنسبة إلى حزب المحافظين، أعاد ديفيد كاميرون بصفته رئيس الوزراء والمحافظ السابق تقديم سياسة خارجية أكثر حزماً. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، حذر إسرائيل من أنها لن تكون آمنة أبداً ما لم يكن هناك “سلامة وأمن واستقرار على المدى الطويل للشعب الفلسطيني”. ويعمل كاميرون حالياً مع دول المنطقة لوضع خطة سلام مقبولة لكل من إسرائيل والفلسطينيين، وعلى رغم إدراكه أن لندن لا تملك نفوذاً كبيراً على نتنياهو فإنه منغمس أيضاً مع واشنطن لطرح خطة سلام وتحقيق عودة الرهائن، الذين بعضهم مواطنون بريطانيون إسرائيليون مزدوجون.
وفي حين لا يمكن القول إن السياسة الخارجية ستؤثر في كل صوت، لكن ثمة تأثيراً ما خصوصاً لدى الأفراد الأكثر تأثراً بالقضايا العالمية. ويوصي المراقبون في لندن بأنه يجب على الحكومة البريطانية المقبلة أن تستمر في السعي إلى القيام بدور بناء في الشرق الأوسط من خلال علاقات المملكة المتحدة الإقليمية. وينبغي لها أن تساعد الجهود الرامية إلى طرح خطط ذات صدقية لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وينبغي لها أن تولي مزيداً من الاهتمام لمنع عدم الاستقرار في بؤر التوتر في جوارها الخارجي، كما هو الحال في السودان وإثيوبيا ومنطقة الساحل. وفي العدد الحالي من مجلة فورين أفيرز، دعا وزير خارجية الظل إلى نهج جديد يرتكز على “الواقعية التقدمية”، ودافع عن ضرورة إيجاد سبيل للعمل مع العالم الجنوبي، معترفاً أن دول الجنوب العالمي المتشككة في نيات الغرب لديها وجهة نظر.