حرية – (2/7/2024)
اكتشف داخل كهف في أستراليا عودان خشبيان مغطيان بالدهون، يمثلان آثاراً لطقوس تعود لـ12 ألف عام، تناقلهما أكثر من 500 جيل من السكان الأصليين، على ما أكدته دراسة.
ومن النادر جداً أن تتمكن أدلة أثرية تعود لآلاف عدة من السنين من تتبع رمزية تصرفات أفراد مجتمعات لم تكن تمارس الكتابة بعد، على ما أوضح معدو الدراسة التي نشرت أمس الإثنين في مجلة “نيتشر هيومن بيهييفير”.
وسجل هذا الاكتشاف داخل كهف يقع عند سفح جبال الألب الأسترالية (جنوب شرقي البلاد)، في منطقة يقطنها سكان أصليون هم مجموعة غونايكورناي.
وأجريت أعمال تنقيب في الكهف خلال سبعينيات القرن الـ20، وأدت إلى اكتشاف بقايا حيوانات كنغر عملاقة يحتمل أن يكون أول من سكن الكهف استهلكها.
لكن أفراد غوناكورناي “لم يشاركوا في عمليات التنقيب” في هذا الموقع الذي ينتمي إلى “أجدادهم”، على ما يقول لوكالة الصحافة الفرنسية عالم الآثار برونو ديفيد من قسم الدراسات المتعلقة بالسكان الأصليين في جامعة موناش الأسترالية والمعد الرئيس للدراسة.
وفي عام 2020 أجريت مجدداً عمليات تنقيب في كهف كلوغز الصغير، لكن هذه المرة بقيادة مجموعة من السكان الأصليين مثلتها جمعية “غلاواك”.
ورغبة منهم في الوصول إلى طبقات قديمة لم تمس، حفر علماء الآثار حفريات صغيرة في الجدار فظهرت عصا خشبية ثم ثانية، وبدت محفوظتين بشكل جيد جداً.
وتعود الأولى لـ11 ألف سنة، فيما الثانية إلى 12 ألف سنة، خلال نهاية العصر الجليدي الأخير، بحسب التأريخ بالكربون المشع.
والعودان بالكاد محترقان، وكان كل منهما في رماد موقد بحجم كف اليد، لا يمكن استخدامه لتسخين اللحوم أو طهيها، وصقل أطراف العودين ليوضعا عمودياً في النار ويغطيا بالدهون الحيوانية أو البشرية.
وقال رئيس جمعية “غلاواك”، أحد معدي الدراسة راسل موليت، إنها “لحظات مجمدة في الزمن، ومثيرة للفضول لدرجة أننا تساءلنا عما كان يحدث في الكهف”.
وقادته سنوات عدة من البحث إلى روايات اثنوغرافية لألفريد هويت، عالم إنثروبولوجيا أسترالي في القرن الـ19 ومتخصص في ثقافات السكان الأصليين، وبقيت بعض ملاحظات هويت التي لم تنشر مطلقاً محفوظة في متحف تعين على راسل موليت التفاوض معه بشكل حثيث لاستعادتها.
ويصف ألفريد هويت الطقوس التي كان يمارسها “مولا مولونغ”، وهم معالجون ومعالجات يعتبرون أقوياء في مجموعة غونايكورناي.
وخلال الاحتفالات، كان مولا مولونغ يستخدمون أعواد خشب مماثلة لتلك التي عثر عليها في كهف كلوغز ومصنوعة من الخشب نفسه (كازوارينا)، ومغطاة أيضاً بالدهون البشرية أو دهون حيوانات الكنغر، كانت تستخدم للحفاظ على النار خلال الطقوس.
وأوضحت جامعة موناش في بيان أن “مولا مولونغ كانوا يرددون اسم الشخص المريض، وعندما يستهلك عود الخشب كان يسقط وتنتهي التعويذة”.
واستمرت ممارسة هذه الطقوس في القرن الـ19 في أماكن نائية، بحسب روايات ألفريد هويت، وتم تناقل هذه التصرفات لـ12 ألف عام عبر أكثر من 500 جيل، ضمن واحدة من أقدم الثقافات الحية في العالم.
وقال جان جاك ديلانوي من مختبر “إديتيم” (بيئات وديناميكيات ومناطق جبلية) في سافوا، الذي شارك في الدراسة “لا ندرك اليوم أي تصرفات احتفظ برمزيتها لفترة طويلة كهذه”.
ويقول “لقد احتفظت أستراليا بذاكرة الشعوب الأولى بفضل تقليد شفهي قوي في مجتمعاتنا، حدث تغيير في الذاكرة مع الانتقال إلى الكتابة وفقدنا معنى التصرفات”.
على غرار رسومات في كهف شوفيه في أرديش (جنوب شرقي فرنسا)، حيث عمل البروفيسور ديلانوي، التي ربما “لن نعرف معناها مطلقاً”، ويقول العالم “لا يمكننا سوى وضع فرضيات”.