حرية – (6/7/2024)
تصاعدت التوترات في البحر الأحمر خلال الأشهر الأخيرة، نتيجة تزايد هجمات الحوثيين في اليمن على السفن التجارية، في المنطقة التي تعتبر شرياناً حيوياً للملاحة الدولية، حيث يمثل حجم البضائع المنقولة من خلالها قرابة 13% من حجم التجارة العالمية.
وتسببت هجمات الحوثيين، بحسب “بلومبرغ”، في انخفاض عدد السفن المارة عبر البحر الأحمر بحوالي 70% منذ ديسمبر الماضي 2023، وتراجع حركة نقل الحاويات بنحو 90%، وتوقف ناقلات الغاز عن العبور.
ونقلت “بلومبرغ” عن مصادر استخباراتية أميركية قولها، إن هجمات الحوثيين المتتالية على السفن التجارية بالبحر الأحمر، ساهمت في انخفاض شحن الحاويات عبر موانئ المنطقة، بنسبة قاربت الـ90% خلال الفترة ما بين شهري ديسمبر، وفبراير الماضيين.
أبرز ردود فعل شركات الشحن على هجمات الحوثيين في البحر الأحمر
- CMA CGM: علقت أغلب الرحلات التي تمر عبر البحر الأحمر، لكنها ما تزال ترسل بعض سفن الشحن على أساس فردي، كما تتوقع استمرار الاضطراب في حركة الشحن التجارية لأشهر.
- ديانا شيبنج: تتجنب سفنها المرور من قناة السويس.
- يوروناف: أعلنت تجنبها منطقة البحر الأحمر لحين إشعار آخر.
- إيفرجرين: تغير مسار سفنها المقرر أن تمر عبر البحر الأحمرـ لتسلك طريق رأس الرجاء الصالح الأطول حول إفريقيا.
ووفقاً لورقة بحثية، أعدها معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب في نوفمبر 2023، فإن جماعة الحوثي تمتلك صواريخ باليستية متوسطة، وبعيدة المدى، وصواريخ كروز، وصواريخ مضادة للسفن، وطائرات مسيرة هجومية وانتحارية، وأساطيل من المسيرات، كما تتمتع أيضاً بقدرات، ومهارات تشغيلية في استخدام الأنظمة غير المأهولة، لتنفيذ هجمات قاتلة.
وذكرت الورقة الإسرائيلية، أن صواريخ الحوثيين الباليستية هي في الأصل “صواريخ إيرانية” يبلغ مداها ما بين 1600-2000 كم، مشيرةً إلى أنها تشمل صاروخ “شهاب-3” الإيراني المتقدم والذي يصل مداه إلى ألف كم، كذلك نسخ أخرى من “شهاب” مثل صاروخ “بركان-3” بمدى يصل لـ 1200كم.
كما تضم ترسانة الأسلحة الحوثية، صواريخ كروز من طراز “سومار”، بمختلف نسخها التي يبلغ مداها ألفي كم، وهي قادرة على حمل رأس حربي يزن 500 كيلوجرام، إضافة إلى صاروخ كروز آخر بمدى أقصر وهو “قدس-2” والذي لا يزال تحت التطوير.
المسيرات الهجومية
ومن بين الطائرات المسيرة الهجومية التي أعلن الحوثيون عن امتلاكها، مسيرة “قاصف-1” التي يبلغ طولها 250 سنتيمتراً، وطول جناحها نحو 300 سنتيمتر، وتستطيع التحليق لمدة زمنية تصل إلى 120 دقيقة بمدى 150 كيلومتراً، وهي مزودة بنظام ذكي لرصد الهدف، كما بإمكانها حمل رأس حربي بوزن 30 كيلو جرام، بحسب وسائل إعلام حوثية.
كما يمتلك الحوثيون مسيرة أخرى من طراز “صماد-1” قادرته على حمل 18 كيلو جراماً من المتفجرات، فيما يبلغ مداها نحو 500 كيلومتر، أما النوع الثالث فهي طائرة هجومية انتحارية أحادية الاتجاه من طراز “قاصف-k2″، سبق أن استخدمها الحوثيون في 10 يناير عام 2019، لقصف منصة احتفال للقوات الحكومية في قاعدة العند الجوية جنوب اليمن.
ومن بين الطائرات الهجومية كذلك، مسيرة “صماد-2” والتي تنسب تسميتها لرئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين السابق صالح الصماد، ويصل مداها نحو ألف كيلومتر، وكذلك المسيرة الانتحارية “صماد-3” ومداها ما بين 1500-1700 كم، وهي نسخة مطورة من “صماد-1،و2” إذ تمتاز بتكنولوجيا مُتطورة لا تستطيع المنظومات الدفاعية اكتشافها واعتراضها.
أما النسخة المطورة من عائلة “صماد الصاروخية”، فهي طائرة الهجوم المسيرة “صماد-4” بمدى يتراوح بين 2000-2500 كم، ورأس حربي يزن 45 كيلوجرام من المتفجرات.
وبحسب تقارير غربية، زودت طهران، موسكو، بعدد كبير من المسيرات ذات الاتجاه الواحد أو ما تعرف بـ”الطائرات الانتحارية” والتي يستخدمها الحوثيون منذ عام 2016، فيما تطورت مهامها خلال المعارك من الاستطلاع والرصد إلى الدخول على الجبهات الأمامية.
ووفقاً لما أعلنته دائرة التصنيع العسكري التابعة للحوثيين، يمكن تقسيم الطائرات المُسيرة، بحسب مهامها، إلى نوعين: “طائرات للرصد والاستطلاع”، و”طائرات هجومية انتحارية”.
وبحسب وسائل إعلام تابعة للحوثيين، تشمل طائرات الاستطلاع والرصد الحوثية 3 أنواع وهي: “الهدهد”، و”رقيب”، و”راصد”، إذ تتميز جميعها بأنها طائرات “صغيرة الحجم”، و”لا تحتاج إلى مدارج أو محطات تحكم”، كما أنها “تطير بمستويات منخفضة”.
أبرز طائرات الاستطلاع والرصد الحوثية
- “الهدهد”: يبلغ طولها 150 سنتيمتراً، وبطول جناح يصل إلى 190 سنتيمتراً، كما تستطيع التحليق لقرابة 90 دقيقة بمدى 30 كيلومتراً.
- “رقيب”: تمتلك القدرة على التصوير الليلي والحراري، ويصل زمن تحليقها إلى 90 دقيقة، بينما يبلغ مداها نحو 15 كيلومتراً.
- “راصد”: تعتبر أهم أنواع طائرات الرصد والاستطلاع الحوثية، فزمن تحليقها يصل إلى 120 دقيقة بمدى 35كيلومتراً، وهي مزودة بنظام مسح جغرافي، وذات قدرة على رسم الخرائط وبمحرك كهربائي.
الصواريخ المضادة للسفن
ويمتلك الحوثيون عدد كبير من الصواريخ المتنوعة التي استهدفت من خلالها سفن بالبحر الأحمر، وخليج عدن، والخليج العربي.
وبحسب وكالة “ريا نوفستي” الروسية، تتضمن ترسانة الحوثيين الصاروخية مجموعة متنوعة أبرزها:
- (صواريخ بي-21\22): وهي سوفيتية الصنع، ويصل مداها إلى 80كيلومتراً، وكانت ضمن مخزون الجيش اليمني.
- “المندب-1”: وهي صواريخ صينية موجهة بالرادار بمدى 40 كيلومتراً، وكانت أيضاً ضمن مخزون الجيش اليمني.
- “المندب-2”: صواريخ إيرانية الصنع بمدى 300 كيلومتر.
- “سياد بافي”: صواريخ إيرانية مجنحة (أرض–أرض) جرى تطويرها لتصل إلى مدى أبعد من 800 كيلومتر.
- عائلة صواريخ “قدس” الإيرانية المجنحة: وهي تعد من الصواريخ بعيدة المدى التي يصدها مداها إلى أكثر من ألفي كيلومتر.
- صواريخ “محيط” المجنحة: وهي نسخة من “سام-2” الروسية.
وفي الآونة الأخيرة، تداولت وسائل إعلام تابعة للحوثيين، روايات تتعلق بامتلاكهم صواريخ فرط صوتية، مشيرة إلى استعدادهم لاستخدامها ضد إسرائيل، التي نفت عبر وسائل إعلامها استخدام الحوثيين لتلك الصواريخ، خلال استهدافهم للداخل الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، شكك العقيد المتقاعد في الجيش اليمني عبد الحكيم صالح في “قدرة الحوثيين على امتلاك منظومات صواريخ فرط صوتية، باعتبار أن التقنيات المستخدمة في هذه الصواريخ تقتصر على دول معينة ذات إمكانات، وخبرة عسكرية وتصنيعية هائلة بينها روسيا والصين”، مشيراً إلى أنه “من الصعب حتى على إيران حيازة مثل هذه التقنيات، فهي صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت من 5-10 مرات”.
وأضاف صالح لـ”الشرق”، أن “بناء نظام لصواريخ كروز الفرط صوتية بسرعة تصل إلى أكثر من 5 ماخ، (وهو مؤشر لقياس معدل السرعة الحقيقة إلى سرعة الصوت)، يتطلب بنية تحتية صناعية وتكنولوجية كبيرة، وخبرات بشرية ماهرة، ومواد هندسية يصعب الحصول عليها، علاوة على وجود أنظمة إطلاق مختلفة لها قدرة التكيف مع المحركات الخاصة بالصواريخ الفرط صوتية”.
طرق التهريب
وبالرغم من القيود والعقوبات الدولية المفروضة على الحوثيين، إلا أنهم شرعوا في تنويع طرق تهريبهم للأسلحة سواء عبر البحر، أو البر، أو الجو.
وفي ضوء ذلك، أنشأت جماعة الحوثي ورش، ومعامل تولها خبراء إيرانيون، ويمنيون، لإعادة تجميع وصنع الطائرات المسيرة المهربة على شكل أجزاء وقطع صغيرة، وضع بعضها داخل شحنات أسطوانات الغاز المنزلي، بحسب وكيل وزارة الإعلام في الحكومة اليمينة أسامة الشرمي.
وأوضح الشرمي، أن الحوثيين بحوزتهم نماذج كاملة لطائرات إيرانية مسيرة متنوعة وعددها 122، لافتاً إلى أنها شحنت من طهران إلى صنعاء جواً عبر طائرات الخطوط الجوية اليمنية، ومعها العديد من الأسلحة، والمعدات الدقيقة عبر رحلات شبه يومية، وتحديداً من أوائل سبتمبر عام 2014، وحتى يناير 2015.
وتابع: جرى استخدام أغلب هذه المسيرات خلال الحرب اليمنية، وما بقي منها تستخدم حالياً كنماذج للتدريب في مراكز يشرف عليها خبراء إيرانيون، ويمنيون تلقوا تدريبهم في سنوات سابقة، بمعسكرات تابعة لجماعة “حزب الله” في جنوب لبنان.
ولفت الشرمي، إلى أن الحوثيين تمكنوا، أثناء الحرب، من إدخال عدد غير محدود من الطائرات المسيرة التي جرى تفكيكها، وإعادة شحن قطعها عبر قوارب صيد صغيرة، وأخرى في حاويات بضائع جرى ضبط واحدة من هذه الشحنات في ميناء الحاويات بعدن عام 2020.
وبحسب تقارير أممية وأخرى صادرة عن الحكومة اليمنية، فإن غالب التقنيات الصاروخية، ومعدات تطوير الطائرات المسيرة جرى تهريبها إلى اليمن، وفي ديسمبر 2017 رصدت وحدة الاستخبارات التابعة للحكومة اليمنية، وصول 4 شاحنات تحمل مواسير مياه حديدية ومعدات أخرى قادمة عبر الحدود البرية الشرقية لليمن.
وأوضح خبير التسليح العسكري في الجيش الحكومي عبد العزيز لغبر لـ”الشرق”، أن “هذه المواسير يمكن استخدامها بعد إدخال بعض التعديلات عليها في صنع الصواريخ”.
إيلات في مرمى هجمات الحوثيين
وفي منتصف أكتوبر الماضي، اتسعت رقعة الاستهدافات الحوثية لتشمل مناطق داخل إسرائيل، وعلى رأسها ميناء إيلات، وذلك رداً على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وتقع منطقة إيلات في أقصى جنوب إسرائيل، إذ تحدها من الشرق منطقة العقبة الأردنية، ومن الغرب شبه جزيرة سيناء المصرية، وخليج العقبة، والبحر الأحمر من الجنوب.
وتضم منطقة إيلات العديد من الأهداف العسكرية، من بينها قواعد تابعة لسلاح البحرية الإسرائيلي، ومطارات عسكرية، وقاعدة صواريخ مضادة للطائرات، بالإضافة إلى صواريخ، وبوارج عسكرية تحمل منظومات القبة البحرية وهي منظومات دفاع جوي تم تركيبها على سفن عسكرية إسرائيلية.
ووفقاً لبيانات سابقة للجيش الإسرائيلي، استطاعت تل أبيب اعتراض الجزء الأكبر من هذه التهديدات بما فيها الصواريخ المجنحة، والتي يتطلب إسقاطها عملية تعاون واسعة، تبدأ برصد إطلاق الصواريخ ثم تتبع مساراتها وارتفاعاتها وسرعتها، بهدف تحديد النقاط الممكنة لإسقاطها.
ولمواجهة هذه التهديدات، تعاونت إسرائيل بالأساس مع القواعد الأميركية في المنطقة، من خلال القيادة المركزية الأميركية CENTCOM، وتشير الورقة البحثية الصادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي، إلى أن تصدي الجيش الإسرائيلي للهجمات الحوثية ارتكز على نقطتين أساسيتين:
- تحسين قدرات الاعتراض الإسرائيلية، وتعزيز وتطوير منظومات الدفاع الجوي.
- التركيز على تجميع مواد استخباراتية نوعية تمكن إسرائيل من تنفيذ غارات دقيقة لتدمير مخازن الأسلحة الحوثية وبطاريات إطلاقها من خلال توجيه ضربات استباقية، تضمن تدمير هذه القدرات، ومنع الحوثيين من إعادة بناءها.
ورغم تلك الجهود الإسرائيلية لدحر هجمات الحوثيين، فإن الجماعة لجأت إلى استخدام تنقية حديثة للهروب من عمليات الرصد، حيث قال مسؤول رفيع في وزارة الاتصالات اليمنية لـ”الشرق”، إن “جماعة الحوثي تمتلك شركة اتصالات خاصة لديها كافة المعدات والتقنيات والأجهزة والأبراج، حيث تستخدم في إطار التشكيلات العسكرية والسياسية، وبين المحافظات الخاضعة لسيطرة الجماعة”، مؤكداً: “لا علاقة لها إطلاقاً بوزارة الاتصالات التابعة للحكومة”.
خسائر إسرائيلية
وتكبدت إسرائيل خسائر اقتصادية كبيرة جراء الهجمات الحوثية، وأبرز تلك الخسائر هي توقف ميناء إيلات عن العمل، في ظل استمرار الاستهدافات الحوثية.
وتعتبر إيلات واحدة من أهم المراكز السياحية في إسرائيل، لكونها المدينة الإسرائيلية الوحيدة الواقعة على البحر الأحمر، كما تشكل أهمية كبرى للاقتصاد الإسرائيلي حيث تحتوي على مطار رامون، وهو ثاني أكبر مطار مدني في البلاد.
ويواجه ميناء إيلات، الذي يعتبر البوابة الجنوبية لإسرائيل، أزمة حادة بسبب الهجمات الحوثية، وانخفاض الإيرادات بأكثر من 80% في نهاية العام الماضي، بحسب ما ذكرته وسائل إعلام إسرائيلية.
وساهم تراجع إيرادات ميناء إيلات في تقلص حركة التجارة بين إسرائيل، ودول العالم، خاصة أن الميناء كان نافذة لتصدير العديد من السلع منها المعادن إلى الصين، والهند، ودول أخرى في الشرق.
وتشير التقارير الصادرة عن هيئة الشحن والموانئ في وزارة المواصلات الإسرائيلية، إلى أن إجمالي سفن شحن البضائع التي زارت ميناء إيلات عام 2023 بلغت نحو 60 سفينة، وخلال العام ذاته تمكّن الميناء من شحن قرابة 2 مليون طن من البضائع، لكن تلك الأرقام شهدت انخفاضاً ملحوظاً منذ نهاية العام المنصرم، نتيجة للتوترات الأمنية في البحر الأحمر.
ويعد استيراد السيارات من الشرق الأقصى، خاصة من الصين وكوريا الجنوبية واليابان، النشاط الأكثر حيوية في الميناء الجنوبي، حيث يمثل قرابة 75% من إجمالي النشاط الذي يتم فيه.
وبلغ نشاط استيراد السيارات ذروته عام 2022 حين وصلت أعداد السيارات المصدرة عبر الميناء نحو 166 ألف سيارة، وفقاً لما رصدته وسائل إعلام إسرائيلية.
وازدادت هجمات الحوثي المتوالية على السفن التجارية في مضيق باب المندب من أوجاع إسرائيل، حيث أدت إلى تغيير مسار السفن التجارية بالتوجه إلى طريق رأس الرجاء الصالح، مما شل حركة السفن باتجاه ميناء إيلات.
وأشارت “بلومبرغ”، إلى أن تأثير الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أضر بما لا يقل عن 65 دولة، وأجبر قرابة 29 شركة كبرى للطاقة والشحن على تغيير مساراتها، فيما أضافت طرق الشحن البديلة حول إفريقيا حوالي 11 ألف ميل بحري (20.4 ألف كم) لكل رحلة، مما ساهم في ارتفاع تكلفة الشحن بشكل كبير.