حرية – (10/7/2024)
لم يتوقع الطاهر فرح أن يفقد يوماً وإلى الأبد سيارته بالنهب وقوة السلاح في قلب العاصمة السودانية الخرطوم، إذ يعتمد عليها في توفير حاجات أسرته، بعدما أضطر للعمل سائق أجرة في ظل انتشار البطالة وضيق فرص العمل وتدني المرتبات في البلاد.
على مدى عامين ظل فرح يعمل بهمة ونشاط في أم درمان بعد أن وضع علامة “تاكسي” على سيارته، وبات يتلقى اتصالات الزبائن عبر أحد تطبيقات خدمات نقل الركاب ويتجول في أحياء العاصمة يومياً لوجهات عدة، ويحصل على أموال تسهم في تأمين تعليم أطفاله وغذاء العائلة وزيارات الطبيب. وحين اندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” في منتصف أبريل (نيسان) 2023، وكحال كثير من سكان الخرطوم، وجد فرح نفسه مضطراً إلى مغادرة منزله في منطقة الثورات على رغم صعوبة المهمة في ظل تصاعد وتيرة المعارك وتفاقم أزمات الكهرباء والمياه ونقص الغذاء.
رغم أن المواطنين لم يكونوا طرفاً في الحرب فإنهم دفعوا الثمن من ممتلكاتهم الشخصية والعامة
وبعد عيش هذه التجربة المأسوية قرر الفرار برفقة عائلته إلى مدينة الأبيض غرب الخرطوم في أسرع وقت، ولم يكن أمامهم سوى المجازفة بحياتهم والهرب من المنطقة حيث يعيشون. في الطريق مروا بخمس نقاط تفتيش، وكان الجنود يتفحصون دائماً أوراقهم الثبوتية. وفي أحد التقاطعات ظهر أمامهم ثلاثة مسلحين بصورة مباغتة ومن دون مقدمات أمروهم بمغادرة السيارة، وقبل أن يرد عليهم انهالوا عليه ضرباً بأعقاب البنادق والعصي، ومن فرط الذعر والمفاجأة والعنف المفرط اضطر إلى الفرار رفقة أسرته تاركاً سيارته.
عصابات متخصصة
تعكس حال الطاهر فرح واقع آلاف السودانيين الذين لم يتوقعوا في أسوأ كوابيسهم أن تتحول عاصمة بلادهم الآمنة إلى مكان للفوضى العارمة وأن تكون عمليات النهب والسلب سمة بارزة من وجه الحرب القبيح.
وعلى وقع الصراع المسلح نهبت السيارات في مدن العاصمة الثلاث (بحري وأم درمان والخرطوم) ومن ولايات عدة شهدت نزاعاً مسلحاً، وأخرى عبرت الحدود إلى بعض دول الجوار، فضلاً عن حرق وتدمير المئات منها أثناء الغارات الجوية أو القصف المدفعي، على رغم أن المواطنين لم يكونوا طرفاً في الحرب فإنهم دفعوا الثمن من ممتلكاتهم الشخصية والعامة.
ومنذ اندلاع القتال في ذلك الوقت، هجمت مجموعات مسلحة وعصابات متخصصة في السرقة على عدد من محال وكلاء ومعارض السيارات في العاصمة وأفرغوها تماماً من المخزون، علاوة على نهب عربات مؤسسات القطاعين العام والخاص، وكذلك سيارات المواطنين من المنازل، والسلب في الطرقات العامة تحت تهديد السلاح.
لم تسلم مركبات القطاع العام في السودان من قذائف الحرب
“اندبندنت عربية” توغلت في واقع ظاهرة سرقة السيارات خلال حرب الخرطوم، وبحثت عن إجابات شافية من متخصصين ومتابعين عن مصير آلاف العربات المنهوبة والمفقودة وكيفية استعادتها من خارج السودان. فمع إطالة أمد الحرب واتساع رقعتها نحو ولايات ومدن عدة، يخشى كثير من السودانيين من ارتفاع معدلات جرائم سرقات السيارات في ظل انفراط الأمن وانتشار السلاح.
اتهامات وحقائق
بالتوازي مع النيران المتبادلة على أرض الواقع، يتبادل الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” الاتهامات حول انتهاكات وتجاوزات تحدث كل مرة بحق المدنيين من بينها عمليات السلب والنهب. وفي ظل غياب وسائل الإعلام المستقلة انحصرت مصادر المعلومات على وقائع التطورات الميدانية على الصفحات الرسمية لطرفي الصراع والبيانات التي تصدر بين الفينة والأخرى من دون القدرة على التحقق منها نتيجة لصعوبة الوصول إلى مناطق النزاع.
واتهم الجيش في بيان أكثر من مرة “الدعم السريع” بارتداء البزة العسكرية للقوات المسلحة وارتكاب أعمال سرقة ونهب في أحياء عدة بالخرطوم في محاولة لإلصاق هذه الجرائم بقواته، على حد قوله.
وبدورها نفت “الدعم السريع” وجود أي قوات تابعة لها تنفذ عمليات سرقة في المناطق التي ذكرها الجيش. وأشارت إلى أن “الانقلابيين وفلول النظام البائد المتطرفة نقلوا عناصر تابعين لهم يرتدون أزياء قوات الدعم ونشروهم في تلك المناطق بغرض إثارة الفوضى والقيام بعمليات تخريب ممنهجة لإلصاق التهمة بقواتها”.
جنود قوات الدعم السريع نهبوا آلاف السيارات بعد نزوح السكان من المنازل
وفي مدن ومناطق عدة اقتحمتها قوات “الدعم السريع”، حدثت فيها عمليات سلب ونهب واسعة. وأكد كثير من المواطنين أن جنود تلك القوات نهبوا آلاف السيارات بعد نزوح السكان من المنازل وفي وضح النهار وأمام مرأى من الناس جميعهم من دون حياء أو خوف، فضلاً عن سرقة مئات السيارات تحت تهديد السلاح.
تنفي قوات “الدعم السريع” علاقتها بسرقة مركبات المدنيين
في وقت تشهد مواقع التواصل الاجتماعي ومنتديات السودانيين بث عديد من الفيديوهات لعمليات نهب وسلب للمحال والمنازل في مختلف المناطق ينفذها مدنيون وعسكريون في ظل غياب الأجهزة الأمنية بسبب الحرب، كذلك وجدت العصابات الإجرامية التي تستخدم الدراجات النارية فرصتها في ممارسة السرقة من خلال استهداف المنازل ومعارض السيارات.
أرقام وإحصاءات
بعد بحث عن إحصاءات سرقة السيارات عقب مرور عام على بدء الحرب، تبين وجود أرقام رسمية، وبحسب الشرطة السودانية فإن عدد المركبات المنهوبة من العاصمة الخرطوم وصل إلى 153 ألفاً و572 سيارة. وقال الناطق الرسمي باسم الشرطة العميد فتح الرحمن محمد توم إن “إجمالي البلاغات المسجلة في منصة البلاغ الإلكتروني حتى يناير (كانون الثاني) الماضي بلغت 446 ألفاً و20 بلاغاً، منها 32 ألفاً و958 عن سرقة المركبات”.
وأضاف العميد توم أنهم حظروا كل السيارات المنهوبة في نظام المرور، وأبلغت الشرطة السودانية المنظمة الدولية للشرطة الجنائية “الإنتربول” بجميع سجلات المركبات المبلغ عنها حتى لا يتم تداولها أو بيعها والتعامل فيها بدول الجوار، فضلاً عن ضبط كمية المنهوبات من المعابر.
وأوضح أن “وزارة الداخلية وبتوجيهات من مديرها العام، الوزير المكلف خالد حسان محيي الدين شكلت فريقاً من المباحث المركزية متخصصاً في مكافحة سرقة السيارات والأدلة الجنائية، وستكون مهمته رصد وحصر العربات المنهوبة من العاصمة الخرطوم والولايات المتأثرة بالصراع المسلح وفق المعلومات المتوافرة عن بلاغات المواطنين ومعلومات إدارة المرور”.
وتشير تقديرات لمواطنين ومتخصصين إلى أن أرقام نهب وسلب السيارات تتجاوز الإحصاءات المسجلة لدى الشرطة بكثير، إذ إن هناك آلاف السكان في الولايات التي شهدت نزاعاً مسلحاً لم يبلغوا عن عرباتهم المنهوبة نظراً لغياب الشرطة في تلك الأقاليم.
احتلت ولاية الخرطوم المرتبة الأولى بسرقة 153 ألفاً و572 سيارة (اندبندنت عربية)
وفي شأن حالات الأضرار والتخريب التي حدثت للسيارات في ولاية الخرطوم نتيجة القتال بين طرفي الصراع المسلح، يشير أصحاب المعارض وعاملون في القطاع إلى أن “15 ألف سيارة تدمرت بشكل كلي وآلاف أخرى جزئياً، كما تعرضت العشرات من معارض السيارات الجديدة والمستعملة الواقعة بالقرب من مناطق الاشتباكات إلى الحرق والتدمير، فضلاً عن عمليات النهب من قبل الميليشيات واللصوص”.
واحتلت ولاية الخرطوم المرتبة الأولى بسرقة 153 ألفاً و572 سيارة، تليها ولاية الجزيرة بنهب وسلب 15 ألف عربة بحسب تقديرات لجان المقاومة، وجاءت ولايات كردفان التي شهدت نزاعاً مسلحاً في المرتبة الثالثة بأربعة آلاف سيارة، في المقابل سرقت آلاف السيارات من ولايات دارفور ومدن سنجة والدندر خلال الأيام الماضية.
مخاطبة الإنتربول
تسعى الشرطة السودانية لاستعادة آلاف السيارات التي عبرت الحدود إلى دول الجوار الأفريقي من خلال التنسيق مع مديري الشرطة في المحيط الإقليمي.
استهداف سيارات المدنيين أحد الوجوه القبيحة للحرب في السودان (حسن حامد)
وفي مارس (آذار) الماضي بحث وزير الداخلية السوداني خليل باشا سايرين ومدير عام الشرطة خالد حسان محيي الدين مع وفد من النيجر التنسيق المشترك لاستعادة السيارات المنهوبة من البلاد خلال الحرب. وقال سايرين إن “الإحصاءات الخاصة بالعربات المنهوبة موجودة بعد مخاطبة المكاتب الوطنية للإنتربول”.
وأوضح وزير الداخلية السوداني أن “حكومة النيجر وافقت على متابعة وإعادة المركبات التي نهبت من السودان ودخلت إلى أراضيها، وطلبت قوائم وبيانات السيارات المسروقة لإدراجها في نظام المنظمة الدولية للشرطة الجنائي”.
من جهته، أشار الناطق الرسمي باسم الشرطة السودانية العميد فتح الرحمن محمد توم إلى أن “السودان أرسل قائمة بالمركبات المفقودة إلى الإنتربول، واستجابت دولة جنوب السودان التي حجزت 365 مركبة من أصل عدد كبير من المركبات التي هربت إليها، وتم إرسال فريق إلى جوبا وقف على السيارات المفقودة”.
وأفاد بأنه “جرى التنسيق مع مديري الشرطة في المحيط الإقليمي خلال اجتماعات منظمة تعاون رؤساء الشرطة في شرق أفريقيا “ا 15 ألف سيارة تدمرت بشكل كلي وآلاف أخرى جزئياً (اندبندنت عربية)لإيابكو” لاسترداد أية سيارة دخلت تلك الدول خلال فترة الحرب شريطة أن تكون مسجلة ضمن المنهوبات”.
15 ألف سيارة تدمرت بشكل كلي وآلاف أخرى جزئياً (اندبندنت عربية)
ولفت إلى أن “بلاغات المركبات المفقودة يجرى حظرها فوراً، إذ تمكنت إدارة المرور من ضبط عدد منها عندما حاول حائزوها الجدد ترخيصها”.
تحايل وتواطؤ
وبعد التقصي، رصدت “اندبندنت عربية” تطور الأساليب والحيل التي تستخدمها عصابات سرقة السيارات في السودان بشكل لافت، وأخذت أبعاداً مقلقة وخطرة كبدت مالكي العربات خسائر فادحة، ويلجأ لصوص السيارات إلى استخدام مفاتيح مقلدة بنسخ مفتاح شبيه بذاك الأصلي والخاص بتشغيل السيارة لفتحها بطريقة سهلة ونهبها بتواطؤ من أصحاب ورش الصيانة وعمال الميكانيك نظير دفع أموال باتفاق بين الطرفين، فضلاً عن السرقة من داخل المنازل عبر عربة “سحاب” حتى في حال تعطيل الماكينة.
ومن الطرق التي تستخدمها عصابات نهب السيارات للتحايل على القانون، بحسب عاملين في القطاع، يتفادى كثير من اللصوص إجراءات فحص العربات المهربة إلى دول الجوار عبر الاتفاق مع متخصصين يتولون عملية تفكيكها إلى قطع وتعبئتها في صناديق وإرسالها إلى دول الجوار.
تقارير الشرطة السودانية تؤكد نقل مركبات محلية إلى دول الجوار الأفريقي
وتستخدم شبكات سرقة العربات قطع غيار من السيارات المصنفة بالتالفة والتي تعرضت لأضرار أثناء الاشتباكات المسلحة وتحديداً المحرك و”الشاسيه”، وكذلك الهيكل القاعدي الذي يضمن تماسك السيارة، ويجري استبدال تلك القطع التي عليها رقم منحوت عبارة عن هوية المركبة التي تأتي في نشرة الإنتربول بـ”الشاسيه” والمحرك الخاص بسيارة أخرى تالفة من أجل إتمام إجراءات ترخيصها من دون الكشف عن هوية المركبة المطلوبة للشرطة الدولية أو السلطات السودانية.
خطوات قانونية
يأمل آلاف السودانيين في جبر الضرر والتعويض الفردي والجماعي لمتضرري الحرب من خلال جهود وزارة الداخلية والشرطة لاستعادة السيارات المنهوبة بالطرق القانونية.
وفي هذا الصدد، يقول المحامي والمستشار القانوني حاتم إلياس إن “هناك اتفاقيات دولية للتعاون القضائي والقانوني يمكن اللجوء إليها لاسترداد السيارات المنهوبة والمهربة إلى دول الجوار، لكن مع واقع الحرب تبرز صعوبات في تنفيذ هذه الإجراءات القانونية”.
وأضاف “ينبغي تشكيل لجنة قانونية سودانية عقب توقف الصراع المسلح لمتابعة ملف استعادة العربات التي نهبت في الفترة الماضية، وهذه الخطوة لن تكتمل إلا بمساعدة دول الجوار نفسها، ومن الخطوات التي تسرع الإجراءات بصورة فعالة ضرورة أن تكون هذه السيارات مسجلة لدى السلطات السودانية بشكل رسمي يثبت ملكية أصحابها برقم الماكينة وتفاصيل الموديل واسم صاحب العربة”.
وأوضح إلياس أن “مهمة هذه اللجنة يجب أن تشمل تلقي بلاغات الفقدان من المواطنين، ويتم ابتعاث حكوميين وضباط شرطة متخصصين لتلك الدول للتعاون مع سلطاتها في تسليم هذه السيارات وإعادتها لأصحابها، وينبغي أن تتم هذه الإجراءات عبر لجنة قانونية تكون عضويتها وفي رئاستها قضاة ووكلاء نيابة وضباط من الشرطة، وتشكل بقانون وتسمى لجنة استرداد المنهوبات سيارات وغيرها”.
ولفت المحامي والمستشار القانوني إلى أن “الإجراءات ستكون معقدة وصعبة ويتوقف نجاح عمل اللجنة على التعاون القانوني الإقليمي مع دول الجوار نفسها التي تم تهريب السيارات إليها”.
وتابع المتحدث “أنصح كل من فقد سيارته أن يقوم بفتح بلاغ سرقة من الآن إلى حين توقف الحرب، وهذا في التصور القانوني العام، لكن التحرك بشكل فردي لمن فقد سيارته ممكن في الوقت الراهن أن يتم عبر إجراءات فتح بلاغ في الدولة التي يعتقد أن السيارة نقلت ليها معززاً بالأوراق الرسمية التي تؤكد ملكيته، وهو أمر متاح، إذ إن عبور السيارة للحدود لا يعني انقطاع الحق في ملاحقة استردادها قانونياً ولو في الدولة التي تم تهريب السيارة إليها”.
نزع اللوحات
إلى ذلك، شرعت شرطة المرور السودانية في تنفيذ الإجراءات القانونية والشرطية الفورية واللاحقة المطلوب اتخاذها.
وبحسب إحصاءات الشرطة فإن عدد السيارات المنهوبة داخل ولاية الخرطوم وصل إلى 153 ألفاً و572 سيارة، لكن ضابط في شرطة المرور فضل حجب اسمه يرى أن “الرقم ضئيل مقارنة مع العدد المفقود، منوهاً إلى أن الشرطة ربما اعتمدت في الإحصاءات على البلاغات التي وصلت إليها”.
مئات السيارات سرقت ولم يتمكن أصحابها من تدوين بلاغات
ولفت إلى أن “هناك مئات السيارات سرقت ولم يتمكن أصحابها من تدوين بلاغات إما بسبب عدم وجود نقاط شرطة في منطقة الاختصاص أو لغياب أصحاب العربات بسبب النزوح واللجوء”. وأفاد بأن “غالبية السيارات المنهوبة تم العثور عليها منزوعة اللوحات وملطخة بالطين، مما يجعل أمر التعرف أو الاستدلال عليها من طريق اللوحات مسألة صعبة للغاية أو شبه معدومة”.
حافز للقتال
انطلاقاً من الأغنية الشعبية التي اشتهرت على نطاق واسع في منتديات السودانيين بمواقع التواصل الاجتماعي قبل وأثناء الحرب “عشان أم قرون بركب الحديد بكاسي”، وهي شاحنات صغيرة (نصف نقل) مكشوفة يطلق عليها محلياً (بكاسي)، المعروفة لدى شركات السيارات بـ”تويوتا هايلوكس”، وبسبب هذه الكلمات من مقطع لأغنية شعبية من تراث إحدى القبائل العربية في غرب السودان، استولى عدد كبير من المساندين لقوات “الدعم السريع” في حربها مع الجيش السوداني على مئات السيارات في العاصمة الخرطوم وبعض الولايات من طريق النهب والسلب من منازل المواطنين أو المؤسسات الحكومية، وكذلك المنظمات الإنسانية بحسب إفادات مواطنين وعاملين بقطاع السيارات وتقارير الشرطة.
وتعني أغنية “عشان أم قرون بركب الحديد بكاسي” أن الشاب الذي يحصل على تلك السيارة ترضية للفتاة الجميلة ذات الضفائر. وبحسب متخصصين في التراث الشعبي فإن هذه الأغنية مثلت حافزاً لآلاف الشباب من القبائل العربية بولايات كردفان ودارفور للقتال في صفوف قوات “الدعم السريع”.
مركبات “بكاسي” الأكثر عرضة للسرقة في السودان لاستغلالها في المعارك
ووفقاً لشهادات مدنيين في ولاية الخرطوم فإن هؤلاء المتطوعين ومعهم بعض عناصر “الدعم السريع” يشرعون بعد انتهاء أية معركة في الاستيلاء على السيارات مع تفضيل الـ”بكاسي” على غيرها، وفي سبيل ذلك يدخل المسلحون المنازل وبمعيتهم مهندس متخصص في كهرباء السيارات لفتح أبواب العربات وتشغيل محركها من دون مفتاح.
أسواق للمنهوبات
وبعد التقصي، جرى رصد أسواق بيع السيارات المنهوبة، إذ تشهد بعض مدن ولايات دارفور عرضاً لمئات العربات، لكنها وبحسب أحد سماسرة سوق السيارات غير المقننة “البوكو” فإن الإقبال على شراء العربات المنهوبة ضعيف خوفاً من الملاحقة حال استقرار الأوضاع الأمنية.
وأشار إلى أن “اللصوص يصلون إلى حدود دولة ليبيا وبالتنسيق مع عصابات أخرى تجري عملية مبايعة عينية بسيارات أخرى تأتي من الداخل الليبي تفادياً لأية إجراءات قانونية متوقعة، على رغم أن هذه السيارات سعرها في الأسواق مرتفع مقارنة مع المسروقة من الخرطوم”.
وأوضح سمسار سوق السيارات أن “غالبية العربات يتم تجريدها من مكوناتها الرئيسة بصورة تصعب من مهمة التعرف إليها وذلك باستخدام أساليب متطورة للغاية”.
بلاغات ومتابعة
بدوره، أوضح الفريق شرطة عابدين الطاهر مدير مباحث السودان السابق في تصريح خاص، “أن حدوث مثل هذه العمليات من النهب والسرقات عادة ما يكون متوقعاً في مثل هذه الظروف، لا سيما عند غياب سلطات الدولة”.
سبق وأن أعلنت رئاسة الشرطة عن منصة للتبليغ إلكترونياً
ونبه على كل المواطنين بضرورة الحرص على التبليغ الفوري عن السيارات المسروقة منهم وتوضيح كل تفاصيل بياناتها “الموديل وتاريخ الصناعة وأرقام الشاسيه والماكينة”، بحسب ما موضح في ملفها وما يثبت ملكيته لها، وأهم خطوة هي الإبلاغ للجهات المتخصصة.
وأضاف الطاهر “سبق وأن أعلنت رئاسة الشرطة عن منصة للتبليغ إلكترونياً، وهي عبر إداراتها المتخصصة قادرة على المتابعة داخلياً وخارجياً، والواقع أن هناك عدداً كبيراً من هذه السيارات المسروقة ما زالت داخل السودان، وأيضاً أخرى منها عبرت الحدود لبعض دول الجوار”.
وفي شأن الإجراءات القانونية والشرطية، أفاد مدير المباحث الأسبق إلى أنه عادة يتطلب ذلك مجهودات كبيرة، لكنه ليس صعباً للشرطة لما لها من خبرات في هذا المجال البحثي والجنائي، أما في ما يخص السيارات المنهوبة التي غالباً قد يخرج معظمها خارج الدولة، فيتطلب الأمر تعاوناً دولياً لاستردادها وهنالك اتفاقات في هذا الشأن تحد من انتقالها غير القانوني، وبالرصد والمتابعة بناءً على بلاغات الملاك وعبر الشرطة الدولية يمكن استعادتها من أية دولة عبر إرسال نشرات تتضمن كل المعلومات الخاصة بها وتطلب حجزها أن تم العثور عليها ومن ثم تكمل إجراءات استردادها.
السيارات المدمرة في المعارك يعاد استخدامها كخردة مباعة في الأسواق
وأردف الطاهر “على الدولة والسلطات أن تبدأ في اتخاذ هذه الخطوات كسباً للزمن، أما بالنسبة إلى السيارات التي ما زالت داخل السودان، فهذه عبر مكاتب المباحث يتم إكمال حجزها ثم تكملة إجراءات استردادها لأصحابها وفق الخطوات المتبعة وبمعرفة أقسام الشرطة التي بها البلاغات، أو عبر مكاتب المباحث تحت إشراف وكلاء النيابة ووفقاً للخطوات المعلومة التي توضحها نصوص قانون الإجراءات الجنائية”.
ولفت إلى أن “شرطة المرور السودانية اتخذت خطوة استباقية وأوقفت أية إجراءات تغيير أو تعديل في سجل المركبات، وفي تقديري هي خطوة كانت مطلوبة ومهمة لقطع الطريق أمام من استولوا على تلك السيارات بغير وجه حق”.
تعاون دولي
إزاء هذا الوضع وغياب الشرطة وبقية الأجهزة الأمنية والعدلية لم يجد أصحاب السيارات سوى مواقع التواصل الاجتماعي واسعة الانتشار لنشر صور وبيانات العربات المنهوبة والمفقودة، طالبين معاونة المواطنين ليتمكنوا من استعادتها مرة أخرى.
إنشاء صندوق دولي لجبر الضرر والتعويضات
في سياق متصل، طالب النائب العام في السودان ياسر بشير البخاري أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف دول الجوار بالتعاون مع اللجنة الوطنية للوصول إلى الضحايا والشهود والمنهوبات في الحرب التي اندلعت بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ 14 شهراً.
واعتبر أن “العدالة الوطنية وأجهزتها قادرة بكل نزاهة على تنفيذ مبدأ سيادة القانون وصولاً إلى تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا وتحقيق مبدأ عدم الافلات من العقاب.
وطالب البخاري مجلس حقوق الإنسان والمجتمع الدولي بإعمال مبدأ التكاملية بحيث يكون الجهد الوطني هو الأساس، وذلك بتقديم المساعدة الفنية التي يطلبها السودان في مجالات التحريات والتحقيقات الجنائية وإنفاذ القانون في إطار التزام الدول.
ودعا النائب العام السوداني إلى التعاون مع بلاده لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية بكل أشكالها وتقديم المساعدة اللازمة لإنشاء صندوق دولي لجبر الضرر والتعويضات، مناشداً دول الجوار لتسهيل مهمة اللجنة الوطنية للانتهاكات التي وقعت خلال حرب السودان من خلال تقديم الدعم الفني واللوجيستي بما في ذلك الدعم الاستشاري.