حرية – (11/7/2024)
مستشار ريغان وبوش: أنا ضحية “إيران غيت” وأدعم تخصيب السعودية لليورانيوم
نشأ إليوت أبرامز ديمقراطياً لكن الحزب خيّبه فتحول جمهورياً وعُرف لاحقاً كأحد “المحافظين الجدد”، وهو لقب أُطلق على أولئك المتحولين الذين ذاع صيتهم في عهد جورج دبليو بوش وارتبطوا بحرب العراق. يعد أبرامز (76 سنة) من أشهر من بقي على قيد الحياة من صف “المحافظين الجدد”، ولذلك كانت فكرة مقابلته مغرية على رغم أن كل المحاولات قبل سنوات باءت بالفشل، إذ تحاشى الظهور وقتها، بلا سبب واضح وربما كان حداثة خروجه من إدارة دونالد ترمب عندما كان ممثله الخاص لفنزويلا وإيران.
تغري شخصية أبرامز بالتنقيب والتأمل في مغامراتها السياسية مع ثلاثة رؤساء وضعوا بطرق مختلفة بصمة لا تمحى في التاريخ الأميركي وهم رونالد ريغان وجورج بوش وترمب. وعلى رغم تجاربه المتنوعة فإن إدانة أبرامز بالكذب على الكونغرس في قضية إيران – كونترا في الثمانينيات ظلت شبحاً يلاحق إرثه وجعلته صيداً سهلاً للصحافيين، وتكثفت التغطية السلبية لشخصيته على نحو يغيظه، وكانت تصل في أحيان إلى حد الإهانة.
وفي حوار “اندبندنت عربية” مع المسؤول السابق على مدى يومين، حرصنا على إثارة محطات من تاريخه لنسمع روايته للأحداث بلا تشويش أو محاولة غير مجدية لمحاكمته وسرد التهم التي سيجدها القارئ عند عملية بحث بسيطة باسم “إليوت أبرامز”. وشملت المواضيع رؤيته لحرب العراق، وموقفه من منظمات حقوق الإنسان، ودوره المؤثر مع الرئيس ريغان في إطاحة الأنظمة غير الديمقراطية.
الرئيس ريغان مجتمعاً بأبرامز في البيت الأبيض عام 1986
المحافظون الجدد أرادوا إطاحة صدام
شرح أبرامز حركة “المحافظين الجدد” التي ينتمي إليها، وقال “بات المصطلح يستخدم بكثرة لمهاجمة الآخرين، ووصفهم بأنهم من أنصار الحروب أو اليهود محبي الحروب، وقليل من يأتي ويقول: مرحباً، إنني أنتمي إلى المحافظين الجدد. ونشأت الحركة في السبعينيات على يد ديمقراطيين حملوا اعتقادين أديا إلى ابتعادهم عن الحزب الديمقراطي، وهما الاعتقاد أن الحكومة لا يمكنها حل كل مشكلة ومن ثم الحد من التدخل الحكومي الهائل، والاعتقاد أن السياسة الخارجية يجب أن تكون مبنية على القوة وأن تكون مثل سياسة ريغان، لا جورج ماكغفرن أو جيمي كارتر، ولذا، انضم كثير من المحافظين الجدد إلى إدارة ريغان، وأصبحوا اليوم جمهوريين”.
وكشف أبرامز الذي عمل نائباً لمستشار الأمن القومي في عهد جورج بوش عن أن “المحافظين الجدد أرادوا إطاحة صدام حسين قبل وقت طويل من أحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول)”.
ويشكك هذا التصريح في ادعاءات الحكومة الأميركية بأن الحرب على العراق كانت مرتبطة بهجمات سبتمبر، كما قال بوش “معركة العراق انتصار في الحرب على الإرهاب التي بدأت في الـ11 من سبتمبر 2001”.
لا نملك تصوراً مكتملاً لحرب العراق
وقال أبرامز إن إدارة بوش واجهت “انتقادات عديدة بسبب الحرب على العراق من رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون، ومن دول خليجية وعربية وجهت الانتقاد نفسه، مشيرة إلى أن إيران لا العراق هي التهديد لأميركا”. والغريب أن المسؤول السابق يسمي إسرائيل ويرفض تسمية الدول العربية التي حذرت من غزو العراق بحجة أن المعلومة سرية، إلا أن التقرير الصادر في 2016 عن اللجنة البريطانية المكلفة التحقيق في الحرب كشف عن أن السعودية حذرت مبكراً من خوض تلك الحرب.
ولفت إلى أننا لا نملك الصورة الكاملة لحرب العراق، لكن لدينا صورة تزداد وضوحاً، رداً على سؤال عما إذا كان التصور الرسمي الذي طرحته الحكومة الأميركية واضحاً ومكتملاً. وقال “هل لدينا الصورة الكاملة لما حدث في الحرب العالمية الثانية؟ يدرس المؤرخون من كثب هذا الموضوع الجديد نسبياً، لذلك لا أقول إن لدينا الصورة الكاملة… أفضل كتاب يحاول فهم ما تسأل عنه صدر العام الماضي لمؤلفه الأستاذ في جامعة فرجينيا، ميل ليفلر بعنوان (مواجهة صدام حسين)”.
الرئيس بوش مجتمعاً بمسؤولين منهم أبرامز في المكتب البيضاوي عام 2005
رامسفيلد استفرد بحرب العراق
لم يكن هناك بد من الحرب، هكذا تفهم كلمات أبرامز عندما يقول “مما أدى إلى تغيير السياسة تجاه صدام هو الوضع الحرج الذي عشناه، إذ لم يكن ممكناً الإبقاء على نظام العقوبات ومنطقة حظر الطيران”.
وبالتأكيد يترك حديث أبرامز عن حرب العراق قطعاً مفقودة كثيرة، لكن يحسب له أنه متصالح مع الأخطاء التي اقترفتها إدارة بوش، ومن هذه الأخطاء “الفادحة” على حد وصفه منح وزارة الدفاع السيطرة الكاملة.
يقول “لم نملك خطة حقيقية لإيجاد حكومة مستقرة في العراق، وضمان عدم سقوطه تحت سيطرة إيران. عندما كنت في مجلس الأمن القومي لاحظت أن وزارة الدفاع أصرت على تولي السيطرة بناءً على مبدأ وحدة القيادة”.
سألته أنت تقصد أن وزير الدفاع نفسه دونالد رامسفيلد أراد إحكام السيطرة؟
فأجاب “نعم، الوزير رامسفيلد، لكن اتضح أنهم لم يملكوا خطة (لإعادة استقرار العراق)، وإنما أرادوا التوصل إلى طريقة خروج، إذ جادل الجنرالات بأن مهمتهم تقتصر على بسط السيطرة على العراق، وأن على طرف آخر في الإدارة التدخل لإدارة وضع ما بعد الحرب، وكان ذلك خطأ فادحاً”.
ومن ثم جاء بول بريمر الحاكم الأميركي للعراق، ألم يفشل أيضاً؟
يرد “ارتكبنا أخطاء كثيرة، نزع السلاح أحدها بكل تأكيد، وتفكيك الجيش بين عشية وضحاها كان خطأً أيضاً، على رغم أني أتفهم صعوبة تحويل الجيش الذي اضطهد غالبية العراقيين إلى قوة تعيد الاستقرار في العراق. كان ذلك خطأً واضحاً، وبالغنا كذلك بتفكيك حزب البعث”.
لم تتردد إدارة بوش لاحقاً بزيادة عدد القوات في 2007، وعن السبب يقول “أدركنا متأخرين وجود تمرد حقيقي في العراق، ففي البدء كان موقف الحكومة الأميركية هو مواجهة تنظيمات إرهابية، وتأخرنا في إدراك أننا لا نواجه مجرد مجموعة إرهابية تلو الأخرى، بل انتفاضة سنية حقيقية، فشلت الولايات المتحدة فشلاً ذريعاً في منعها”.
صوتي لم يُسمع في حرب العراق
واعتبر أبرامز مزاعم الـ”سي آي أي” عن امتلاك صدام أسلحة نووية “فشلاً استخباراتياً عالمياً”، ومن هذا المنطلق يبرئ إدارة بوش من الكذب في شأن مزاعم أسلحة الدمار الشامل، قائلاً “قدمت الاستخبارات الأميركية تقييمها، فوافقت عليه الاستخبارات البريطانية والفرنسية والألمانية والإسرائيلية، لم يقل أحد لا لا لا، إنهم لا يملكون أسلحة نووية، كلهم اتفقوا على ذلك، وكانوا مخطئين”.
يبدو أبرامز صريحاً في شأن هذه الأخطاء وناقداً لسيطرة “البنتاغون” على قرار الحرب، فهل شعر أن صوته كان مسموعاً في البيت الأبيض؟
يجيب “لا، بمجرد قيام الحرب تشكل فريق خاص في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، ولم أكن جزءاً منه لأنني لست عسكرياً. كنت على صلة أكبر بأفغانستان، خططنا لغزو أفغانستان، وقال الرئيس لي ولزميلي: لا يمكننا أن نسيطر على أفغانستان ونتركها في مجاعة هائلة، لا يمكننا أن نكون مسؤولين عن تجويع الناس، ولذلك مهمتك منع حدوث ذلك… وهكذا أجرينا جرداً وإحصاءً لعدد المستشفيات وكيفية إيصال الإمدادات لها، ومن أين يأتي الغذاء من دون موانئ بالبلاد، هل يأتي بالقطارات أو الشاحنات، وما حجم المخزون، وكيف يتم توزيعه. ونجحنا بهذه المهمة في أفغانستان. وعندما كلفنا بالمهمة نفسها في العراق قبل غزوه، قمنا بالشيء نفسه… لكن لسوء الحظ اكتشفنا عندما انتهت الحرب بسرعة أن قواتنا كانت في بغداد، وأن وزارة الدفاع لم تخطط لهذا، ولم تعرف ماذا تفعل وكان ذلك فشلاً ذريعاً”.
وبسؤاله هل أميركا اليوم في وضع أفضل للتعامل مع قضايا مماثلة في المستقبل من دون أن تؤدي أفعالها إلى نتائج غير مرغوبة؟ أجاب: “لا أعلم. فوجئت الاستخبارات الأميركية والبريطانية والفرنسية ببناء باكستان وكوريا الشمالية سلاحاً نووياً. عندما أسمع الناس يقولون لي، هذه هي قصة البرنامج النووي (الإيراني) وهذه كل الحقائق المتعلقة به، أتساءل: هل نعرف الحقائق بالفعل، كنا جميعاً مخطئين في شأن العراق… هل نحن مخطئون في شأن إيران، هل البرنامج أصغر أم أكبر؟ بالتأكيد لن يكون أصغر مما نعتقد بناءً على معلومات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن سيكون من الأفضل أن نعرف مدى قربهم من تطوير سلاح نووي”.
كنت كبش فداء “إيران – كونترا”
دين أبرامز بالكذب على الكونغرس بسبب صفقة “إيران – كونترا”، عندما باعت إدارة ريغان إيران أسلحة بوساطة إسرائيلية، للتحايل على قرار حظر بيع الأسلحة إلى طهران، وتسليم أرباح الصفقة لحركة “الكونترا” التي كانت تسعى إلى إطاحة الحكومة اليسارية وحزب “ساندينيستا” الحاكم في نيكاراغوا والمدعوم من السوفيات.
يسترسل أبرامز موضحاً موقفه:
كنت كبش فداء في ضوء ما فعله المحقق الخاص. أخبر المحقق الخاص محاميَّ بأنه لن يسعى ورائي وأنه لن يلاحق إلا جون بويندكستر مستشار الأمن القومي آنذاك، وأوليفر نورث (مسؤول شارك بالتمويل السري للكونترا). لكن بعد خسارة قضيتي نورث بويندكستر، احتاج فريق المحقق الخاص إلى السعي وراء أشخاص آخرين لمحاكمتهم، وكانوا يرونني خياراً ممكناً مع وزير الدفاع (كاسبار) واينبرغر ووزير الخارجية (جورج) شولتز، ثم قرروا عدم ملاحقة شولتز، واستهدفوني مع واينبرغر.
أعتقد أنني سأسمي ما حدث تضحية بكبش فداء، إذ كان عليهم وقف التحقيق، لكنهم لم يرغبوا بذلك، فقد أمضوا سنوات مع فريق ضخم وأنفقوا أموالاً طائلة، نحو 25 مليون دولار أو 30 مليون دولار. وكان أصعب ما يواجه المحقق الخاص هو أن يوقف التحقيق، إذ ذلك يوازي القول لقد قضيت كل هذا الوقت ولم أجد شيئاً. هناك سابقة واحدة عندما قرر المحقق الخاص الذي حقق مع المدعي العام السابق إدوين ميس (في مزاعم دوره في التغطية على فضيحة إيران – كونترا) وبعد نحو عام قرر التوقف. كان وقف التحقيق صعباً عليهم لأنهم ضحوا بكثير نفسياً ومالياً، وما حدث هو تجريم الخلافات السياسية، وأنا ضد ذلك، سواء مع هيلاري كلينتون أو دونالد ترمب أو سكوتر ليبي أو بويندكستر أو واينبرغر أو معي.
سر التساهل الأميركي التاريخي مع إيران
بسؤاله عن نظرته إلى صفقة “الكونترا” اليوم في ضوء أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، رد أبرامز بأن ذلك “موضوع مختلف”، لكنه سرعان ما تراجع وأشار إلى المحاولات الأميركية المتكررة لاسترضاء طهران، ومنها زيارة مستشار ريغان للأمن القومي آنذاك روبرت ماكفرلاين إلى إيران بكعكة على صورة مفتاح ترمز على انفتاح أميركي للتعاون معها.
يقول أبرامز “لقد كان عملاً مبنياً على فكرة وجود مصالح مشتركة مع إيران، يمكن البناء عليها إذا فُهمت بصورة أفضل… السياسة الأميركية تجاه إيران منذ الثمانينيات أو أواخرها حتى اليوم كانت معيبة لأن إيران واصلت وتحاول قتل الأميركيين منذ 40 عاماً، ولم ترد الولايات المتحدة على الإطلاق باستثناء إغراق ريغان في 1988 نصف بحريتهم، وقتل سليماني في عهد ترمب”.
وأضاف، “في عهدي أوباما وبايدن ساد اعتقاد أن التسوية مع إيران ممكنة وهذا خطأ لأن النظام يصر على الهيمنة على المنطقة بأكملها وليس فقط الخليج… لقد بنوا شبكة واسعة من الوكلاء، ومن الواضح أنهم يطمحون لسلاح نووي وفق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة لا يمكن أن يكون لغرض مدني فقط”.
عشاء ظريف والعوامل الثلاثة
ولفت المبعوث السابق إلى أن ضعف السياسات الأميركية تجاه إيران متجذر منذ عام 1979. ولدى سؤاله عن سبب التساهل الأميركي، قدم أبرامز تحليلاً مطولاً ومهماً، لكنه لا يراه بالضرورة الإجابة الفضلى. وقال “سيعطيك المحللون الآخرون إجابة مختلفة لكنني أعتقد أنه سؤال مثير للاهتمام، لأن هذا التساهل لم يحدث في عهد وزير خارجية واحد أو رئيس واحد أو سنة واحدة من أربع سنوات، بل مستمر منذ 45 عاماً”.
هناك 3 عوامل يلخصها أبرامز كالتالي:
1. رغبة واعتقاد في واشنطن بأن السلام والصداقة مع إيران ممكنان، وهو نهج أميركا تجاه السوفيات، عندما كان هناك اعتقاد أن هناك صراع في كل دولة بين مسؤولين صالحين وسيئين، ونحن في حاجة إلى مساعدة المعتدلين. كان هذا الجدل دائماً ما يقال عن روسيا السوفياتية، واليوم يقال عن إيران.
يدلل أبرامز على ذلك بالنقاش الذي جمعه مع الإيراني جواد ظريف عندما كان وزير الخارجية أثناء حفل عشاء في “مجلس العلاقات الخارجية” في نيويورك، ويقول:
لم أكن سعيداً بخطابه ولا بالأسئلة التي طرحت عليه، فقررت أن أسأله عن حقوق الإنسان. هذا بلد يعلق المثليين بأعمدة الإنارة وبلد تقتل فيه النساء لعدم ارتداء الحجاب، ولذلك طرحت سؤالاً قاسياً عن حقوق الإنسان وكانت إجابته إجابة مثالية لجمهور ليبرالي أميركي:
“لن أقول إنكم جميعاً مخطئون، لن أقول إننا لا نعاني مشكلات متعلقة بحقوق الإنسان. نحن نحاول حل هذه المشكلات، لكن نحتاج إلى مساعدتكم. إذا كان ما يأتي من واشنطن فقط الحرب والعداء والتهديدات، فإن ذلك يساعد الأشرار ولا يساعد المعتدلين أمثالنا”.
يصف المسؤول السابق إجابة ظريف بأنها “هراء وبروباغندا، لكن كثيراً من الأميركيين يرغبون في تصديقها وكان ظريف بارعاً وخبيراً في ذلك”.
2. الإحساس بالذنب وتأنيب الضمير، الذي يتضح في سياسة أوباما. داعمو هذه السياسة يقولون “نحن أطحنا مصدق ونصبنا الشاه وكل ذلك خطأنا، لذلك نحن مدينون لهم”.
3. الرغبة المعقولة في عدم التصعيد إذا كان تجنبه ممكناً، وذلك غير دقيق لأن هناك من أمثال بوتين من يبحث عن الصراع ويعتقد أنه مفيد لأجندته.
وزير الخارجية الإيراني السابق جواد ظريف
سياسة بايدن الحالية: لا نفعل شيئاً
يحذر المبعوث السابق من الخوف من التصعيد وهو خطأ يرى أن بايدن يرتكبه ضمن نمط متكرر جعل الولايات المتحدة تبدو خائفة من التصعيد، مشيراً إلى أن ترمب فهم خطورة ذلك. وأضاف “أهذه نكتة، إنها ليست الصين، هذ دولة مكونة من 70 مليون شخص، ويحتاجون إلى الخوف من مواجهة مع الولايات المتحدة”.
عندما قال أبرامز “سياسة بايدن تجاه إيران ضعيفة للغاية”، سألته هل هناك أصلاً سياسة؟ فأجاب “إنها سياسة عدم القيام بأي شيء لضمان الاستقرار حتى الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، خذ الحوثيين كمثال، لا يمكنهم فعل ما يفعلونه من دون إيران، لم يطور الحوثيون هذه الصواريخ المتطورة بأنفسهم، لقد أعطتهم إيران، وهل دفعت إيران ثمناً لذلك، لا، على الإطلاق”.
وعن روبرت مالي مبعوث بايدن الذي اختفى؟ يقول، لا أتذكر متى غادر لكن لم يعد له تدخل في هذا الملف. ولا أعتقد أنه سيعود مجدداً لمنصبه.
إيران تواصل تهديد مسؤولين أميركيين
وكشف المبعوث السابق إلى إيران عن أن عدداً من كبار مسؤولي إدارة ترمب ما زالوا يواجهون تهديدات إيرانية بالقتل وفي مقدمهم وزير الخارجية مايك بومبيو، والمبعوث الخاص لإيران براين هوك، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، مشيراً إلى أن حماية هؤلاء المسؤولين الثلاثة وغيرهم ما زالت مستمرة منذ أربع سنوات.
وأضاف بأن التهديد الإيراني طاول المسؤولين الذين لعبواً دوراً في عملية اغتيال قائد “فيلق القدس” بالحرس الثوري قاسم سليماني، لكنه لم يكشف ما إذا كان هناك عسكريون على قائمة الحماية أيضاً.
وأكد أبرامز أن إيران لم تستهدفه شخصياً لأنه لم ينضم إلى إدارة ترمب إلا بعد أشهر من الغارة الأميركية التي قضت على سليماني في الثالث من يناير (كانون الثاني) 2020، مشيراً إلى أن التردد حيال الضربة ساد في أوساط مسؤولي الجيش لكن المدنيين مثل بولتون وبومبيو وروبرت أوبراين مستشار الأمن القومي السابق كانوا داعمين لها.
أدعم ترشح ترمب
انتقلنا إلى ملف الانتخابات الأميركية التي تؤكد كل المؤشرات الحالية أنها ستكون “تاريخية” بكل ما تعنيه الكلمة. ضيفنا خرج في مقابلة عام 2016 وقال “هذا الكرسي جلس عليه أبراهام لينكولن. لا هيلاري كلينتون ولا ترمب مؤهلان للجلوس على هذا الكرسي”.
كلف ذلك التصريح أبرامز منصب نائب وزير الخارجية الذي كان مرشحاً له عام 2017، لكن يبدو أن الضغينة بين الاثنين انتهت إلى حد ما بعد انضمام أبرامز إلى الإدارة في 2019، إذ يحمل اليوم وجهة نظر مختلفة، فهو يرى أن ترمب مؤهل للرئاسة وفق ما أوضحته رئاسته الماضية، مضيفاً، “لقد عارضته في 2016، لكني لم أوقع أبداً على الخطابات المناهضة لترشيحه التي وقعها عديد من الجمهوريين”.
ويعتقد أبرامز أن ترمب سيفوز في الانتخابات المقبلة، وما يهمه اليوم هو أن “تنتهي ضغينة الرئيس تجاه الجمهوريين الذين عارضوه في الماضي، لأنهم مؤهلون وسوف يضيفون كثيراً لإدارته المقبلة”.
وقال “عندما كنت في الإدارة كان هناك كثير من الأشخاص الموهوبين الذين أرادوا الانضمام إلى الإدارة لكن كان رد مكتب موظفي البيت الأبيض كالتالي: انسوا ذلك، عارضتم الرئيس، ولا يمكنكم الانضمام. كثيراً ما تساءلت هل السبب دونالد ترمب أم الموظفون الموالون ومكتب الموظفين الذين كانوا كاثوليكيين أكثر من البابا نفسه”.
يوحي حديث أبرامز بأنه لا يستبعد العودة إلى العمل الحكومي في حال عودة ترمب، فهل هو مستعد؟ يجيب “لا أعرف ما إذا كنت مستعداً. أحياناً لا يدرك الناس مدى صعوبة هذه الوظائف. أمضيت 8 سنوات في البيت الأبيض، ثم عامين في وزارة الخارجية. وفي كل يوم كنت أستيقظ في الساعة 5:30 صباحاً، وأذهب إلى المكتب في نحو الساعة 6:30 أو 6:45، وكنت أمضي في المكتب 12 ساعة، هذه وظائف صعبة. من الجيد أنه ليس لدي أطفال في البيت، لكنني أملك كلباً في المنزل، مما يساعد… ولكن لا أعرف ما إذا كنت سأعود”.
“السعودية محقة بطلب التخصيب”
وبذكر السعودية، أعرب أبرامز عن دعمه لمعاهدة دفاعية بين واشنطن والرياض لأنها ستردع الخطر الإيراني على الرياض والمصالح الأمنية الأميركية، كما أعلن دعمه لاتفاق مع السعودية يسمح لها بتخصيب اليورانيوم في “مستويات محددة”.
وقال، “قبل عشرين عاماً، كانت إدارة بوش تصر على الفصل 123 الذي ينص على أن يسمح للدول الموقعة عليه تطوير الطاقة النووية من دون تخصيب اليورانيوم، لكن هذا البروتوكول يضع الولايات المتحدة اليوم في موقف محرج، لأنها تمنع شركاءها من تخصيب اليورانيوم في وقت سمحت إدارة أوباما لإيران بالتخصيب وفق الاتفاق النووي”.
وأفاد بأن الفصل 123 لم يعد صالحاً، مضيفا ،”أتفهم الموقف السعودي بأنه إذا سُمح لإيران بالتخصيب، يجب أن تكون السعودية أيضاً قادرة على التخصيب، لكن يجب تحديد طريقة ومستوى التخصيب في أي اتفاق تتوصل له السعودية والولايات المتحدة، لا أعرف ما البنود التي سيتضمنها الاتفاق، لكن أرجو أن يُبرم”.
أبرامز خلال زيارة سابقة للرياض ولقاء بوزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان
الفوضى في الشرق الأوسط
ولدى سؤاله عن الفوضى الحالية في الشرق الأوسط في ظل الحرب في غزة، لم يتطرق أبرامز إلى إسرائيل وهو مدافع شرس عنها، لكنه حذر من “تعاون متزايد بين روسيا والصين وإيران ضد الولايات المتحدة، وهذا جديد نسبياً، فقبل 10 سنوات لم يكن هذا التعاون موجوداً. وهذا العداء أو التنافس موجود في أوروبا وفي آسيا وفي الشرق الأوسط، ومن الواضح أن الإيرانيين يعتمدون على شبكة الوكلاء التي أنشأوها وأفضل مثال على ذلك الحوثيون”.
ولفت إلى أن “ما أسهم في هذه التحولات هو الضعف الظاهر من جانب الولايات المتحدة والرسائل بأنها تريد الخروج من الشرق الأوسط. كانت سياسة ترمب تسير في الاتجاه الصحيح بتحذير الإيرانيين من أنهم سيدفعون ثمن أفعالهم، لكن عندما جاء بايدن سمح لهم بأخذ عشرات المليارات من الدولارات والحيلولة دون عقوبة”. وأضاف “إذا عاد الرئيس ترمب فأرجو أن يعود إلى سياسته القديمة ويقول للإيرانيين: هناك ثمن حقيقي يجب دفعه، لأن ما يفعله الإيرانيون منطقي، ليسوا مجانين، إنهم يتخذون قرارهم بناءً على موازنتهم للأخطار والمكاسب”.
الرئيس رونالد ريغان
بصمة ريغان الخالدة
أعدنا أبرامز إلى الوراء، الثمانينيات تحديداً، عندما كان عنصراً فاعلاً في إدارة ريغان، فقال إن “أزمات 1979 بدءاً من الحرب الباردة وأفغانستان، ووصولاً إلى سيطرة آيات الله على إيران، ومشكلتي نيكاراغوا وغرينادا، أججت إحساساً متزايداً بأن الولايات المتحدة تعيش ضعفاً وتراجعاً خطراً، مشيراً إلى أن ريغان جاء فوضع حداً لهذا الإحساس عبر سياسات التوسع الاقتصادي التي أنهت الركود الاقتصادي السائد في عهد جيمي كارتر، ولذلك فهو “أهم رئيس” مر على أميركا في العقود الأربعة الماضية.
تولى المسؤول المخضرم في الفترة من 1981 إلى 1985 منصب مساعد وزير الخارجية لحقوق الإنسان وهو منصب طالب باستحداثه وطلب تعيينه عليه. لاحظ أبرامز اعتراضات كثيرة من المحافظين على سياسة كارتر لحقوق الإنسان وأنها خطأ يساري. وفي ضوئها، عمل مع وزير الخارجية شولتز على صياغة “سياسة حقوق إنسان محافظة ومبنية على وجهتي نظر واقعية سياسياً وأخلاقية”.
هذه السياسة لم تكن سياسة حقوق إنسان بالصورة التي توحي بها الشعارات الحالية حول حقوق الإنسان، بل هي سياسة مصممة خصيصاً للحرب الباردة، واستخدمتها أميركا بذكاء في استراتيجيتها لكبح المد الشيوعي، وإطاحة الأنظمة غير الديمقراطية.
يقول أبرامز “كانت أميركا تنظر إلى الاتحاد السوفياتي والكتلة السوفياتية باعتبارهما العدو الأكبر لحقوق الإنسان، ولذلك دافعنا عن حقوق الإنسان في العالم وسعينا إلى إرساء أنظمة ديمقراطية في الفيليبين وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا ودول أخرى في نصف الأرض الغربي مثل الأرجنتين والبرازيل وأوروغواي وتشيلي، كلها كانت ديكتاتوريات عسكرية أعدنا إليها الديمقراطية”.
اليسار يسيطر على “أمنيستي” وHRW
منصب أبرامز في حقوق الإنسان جعله عرضة للانتقادات من أكبر منظمتين في المجال، منظمة العفو الدولية (أمنيستي) و”هيوومن رايتس ووتش” وكلتاهما منظمتان تنتقد الدول العربية تغطيتهما وتتهمهما بأنهما “غير عادلتين”.
يرى أبرامز أن هاتين المنظمتين في حاجة إلى إصلاحات من الداخل، ويستخدم التعبير اللاتيني “من هو وصي الأوصياء؟”، أي أن هاتين المنظمتين تزعمان أنهما حاميتان لحقوق الإنسان لكن من يحكم عليهما ويراقب أفعالهما، خصوصاً أنهما أكبر منظمتين وتهيمنان على المجال ولديهما موازنات هائلة وطاقم عمل ضخم، “فمن الضامن لضبط الجودة والعزلة ولعدم تحيزهما ضد دولة ما؟ وما الإجراءات التي تضمن ذلك؟ هل هما أصلاً عادلتان مع موظفيهما؟ لا توجد ضمانات ولا إجراءات، إنها منظمتان تسيطران على المجال بصورة كاملة وهذا خطر”.
وتابع “إذ عدنا إلى الثمانينيات فسنجد أن المنظمتين كانتا مسيستين في معارضتهما إدارة ريغان، وبلا شك فغالبية موظفيهما ينتمون إلى اليسار، وأدركت أن لديهما تمييزاً في التعامل مع البلدان بناءً على تحيزاتهما الخاصة لا المبادئ، وما زال هذا موجوداً إلى اليوم”. وعلى رغم ذلك لا يرى أبرامز أن كل ما تفعله هاتان المنظمتان فظيع، فعندما كان ممثلاً بخاصة لفنزويلا في نهاية إدارة ترمب، قامت “أمنيستي” و”هيوومن رايتس ووتش” بعمل جيد في ما يخص فنزويلا على حد قوله، لكنه يحذر من هيمنة المؤسستين على المجال وغموضهما.
“كيف ينام كارتر مرتاح الضمير؟”
عاش أبرامز جل حياته العملية متهماً بأنه تستر على جرائم ارتكبتها القوات المدعومة من الولايات المتحدة في كل من السلفادور وهندوراس وغواتيمالا، ويسترسل في الرد على الاتهامات:
“اعتدت الهجمات المستمرة منذ 1982. لا أتوقع أبداً ما يمكن أن أعتبره معاملة عادلة أو متوازنة من اليسار، هذا لا يفاجئني، لكن ما أرفضه ويلفتني هو أنهم لا يقدمون حججاً منطقية… دعنا نأخذ السلفادور مثالاً، أحياناً أذهب إلى الجامعات لإلقاء محاضرات، وأتذكر إحداها منذ نحو تسعة أشهر، جاءني سؤال من فتاة: ألم تكن إدارتكم، إدارة ريغان، داعمة لتقديم مساعدات عسكرية للحكومة العسكرية في السلفادور، كيف بوسعك النوم بضمير مرتاح؟
أجبت هذه الفتاة بأن الإنصاف يلزمني أن أقول لك إنك تسألين السؤال الخطأ، إليك السؤال الصحيح: كيف كان جيمي كارتر ينام بضمير مرتاح؟
رونالد ريغان لم يأت ليعكس سياسة جيمي كارتر، الذي قدم المساعدات لتلك الحكومة وهو يعلم بوجود فرق الاغتيالات، كيف ولماذا؟ هل تعتقدين أنه لم يكترث لحقوق الإنسان؟ لا، أنت لا تظنين ذلك.
إذاً ما الذي كان يفكر به كارتر، ذلك هو السؤال المهم لا الإشارة إلى أن ريغان ومسؤولي إدارته وحوش، هذا سخيف. ما كان يفكر به كارتر هو منع الشيوعيين من السيطرة على الحكم لأن ذلك سيكتب نهاية حقوق الإنسان”.
ودافع أبرامز عن إدارة ريغان، وقال “كنا نظن أننا نستطيع إصلاح النظام، وفعلاً أصلحنا النظام وفي غضون بضع سنوات تم استبدال الديمقراطي المسيحي خوسيه نابليون دوارتي بالحكومة العسكرية، وانخفضت عمليات القتل التي تقوم بها فرق الموت، إذا كانت ذاكرتي صحيحة بنسبة 90 في المئة. هل استطعنا القضاء عليها تماماً؟ استغرق ذلك سنوات وسنوات، ولكن مع انخفاضها كنا ننقذ الأرواح”.
وأضاف “أفهم حجة منظمات حقوق الإنسان، نحن هنا فقط لنندد، ولكن هذا ليس دور الحكومة. الحكومة ليست منظمة حقوق إنسان، ولا منظمة غير حكومية. علينا أولاً أن نوازن بين كل من مصالح حقوق الإنسان ومصالح الأمن القومي والمصالح المالية والمصالح التجارية، ومن ثم علينا بناء السياسات. وما كنا نحاول فعله هو بناء سياسات من شأنها إحداث تغيير ملموس في تلك البلدان، سواء كان ذلك في تشيلي تحت حكم بينوشيه، أو الأنظمة العسكرية في الأرجنتين أو أوروغواي أو السلفادور”.
الرئيس جيمي كارتر
جدل المجلس الاستشاري
وعن ترشيح بايدن له في مجلس استشاري للدبلوماسية العامة، قال إن ذلك الترشيح فهم بصورة خاطئة على نطاق واسع، لدرجة أن البعض ظن أنه لم يعد جمهورياً، مؤكداً أن الترشيح جاء من ميتش ماكونيل زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ. وقال “تلقيت كثيراً من الرسائل الإلكترونية من أشخاص يقولون ’يا له من انقلاب، هل غيرت حزبك؟‘ وآخرون على اليسار يقولون ’كيف يمكن لجو بايدن فعل ذلك؟‘”.
وأوضح أبرامز بأن “النظام الأميركي يحوي كثيراً من اللجان والهيئات الثنائية الحزبية، التي يختار الرئيس لها مرشحين ديمقراطيين، في حين يختار زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ مرشحين جمهوريين… ومن ثم ينظر البيت الأبيض إلى سجل المرشح الجمهوري فإذا كان شخصاً يهاجم الرئيس ويسخر منه عبر حسابه في تويتر فلا يجتاز هذا الاختبار، وبالنسبة إليَّ فقد كنت ناقداً بشدة لسياسة بايدن، لكنني لم أكن ساخراً ولئيماً تجاهه”.
عيسى النهاري / محرر الشؤون السياسية / اندبندنت عربية