حرية – (20/7/2024)
تعد الشركات الأمنية الخاصة العاملة في العراق “ملف جدلي” بشأن جدوى تواجدها في ظل تواجد أعداد مليونية من القوات الأمنية المحلية في العراق، وفيما تكشف مجموعة أمنية اجنبية عن تواجد 80 شركة أمنية خاصة تعمل في العراق حالياً ورواتب المتعاقدين معها و”دول” التوظيف، يشير خبراء إلى أدوار “مشبوهة” تقوم بها هذه الشركات، في حين يوضح مسؤولون عراقيون أن “عملها” يجري تحت رقابة حكومية.
وتنتشر عشرات الشركات الأمنية الخاصة في العراق، ويتمركز مناطق تواجدها في العاصمة الاتحادية بغداد ومحافظتي البصرة أقصى جنوب البلاد، وأربيل عاصمة إقليم كوردستان، ويتركز عملها في حماية بعض كبار الشخصيات فضلا عن البعثات الدبلوماسية والشركات النفطية.
واكتسبت معظم الشركات الأمنية سمعة سيئة بين العراقيين بسبب تورط الكثير منها بحوادث دموية ذهب ضحيتها عشرات المدنيين، مثل شركتي “بلاك ووتر” و “هاليبرتون” الأمريكيتين، ما دفع البرلمان العراقي لاقتراح تعديل قانون تنظيم عمل هذه الشركات وتعزيز الرقابة عليها، إذ ترتبط ذاكرة العراقيين مع الشركات الأمنية الخاصة بذكريات سيئة تعود للسنوات التي أعقبت التدخل الأميركي عام 2003، حينما كانت مشاهد انتشار الشركات الأمنية وعجلاتها المسلحة تجوب شوارع المدن العراقية، حيث تعاظم دور هذه الشركات مع الاضطرابات الأمنية التي ضربت البلاد.
وصوت مجلس النواب في 31 تموز 2023 على مشروع قانون التعديل الأول لقانون الشركات الأمنية الخاصة رقم 52 لسنة 2017 المقدمة من لجنة الأمن والدفاع، لغرض تنظيم عمل الشركات الأمنية ومعالجة المشاكل والمعوقات التي أفرزها تطبيق قانون الشركات الأمنية الخاصة رقم (52) لسنة 2017، وبغية تحديد حالات تعليق وإلغاء الاجازة، وتعظيم موارد الدولة المالية.
وبعد مغادرة آخر شركة أمنية أمريكية للعراق، نهاية عام 2009، وهي “بلاك ووتر” (سابقا)، عادت عشرات الشركات الخاصة للظهور مجدداً في هذا البلد، بحججٍ كثيرة ومهمات مختلفة، أبرزها تأمين تجارة العراق مع دول الجوار، ونقل البضائع النفيسة بين المحافظات، وحماية المصارف والمؤسسات الحسّاسة، مستفزة بذلك مئات المتضررين منها في فترة ما بعد 2003، وسط ذهول وتبادل اتهامات بالخيانة وعدم الاكتراث، بين الأوساط الأمنية والسياسية العراقية.
أسباب وجود الشركات الأمنية الخاصة
يقول الخبير الأمني العميد السابق عدنان الكناني ، إن “شركات الحماية الأمنية الخاصة قدمت مع الجيش الأمريكي لحماية المصالح الامريكية والبريطانية بعد عام 2003 ومنها شركة (بلاك ووتر)، وكذلك هناك شركات عراقية تأسست آنذاك لبعض الأحزاب السياسية منها المؤتمر الوطني العراقي الذي أسس شركة (نسور بابل)، وهذه الشركات أخذت (صيغة أو غطاءً) أمريكياً لحمل السلاح، وتم فيما بعد تأسيس نواة الاجنحة العسكرية لبعض الأحزاب السياسية التي شكلت بموجبها (المكاتب الأمنية) لمحاسبة المعارضين لها وجرت عبرها عمليات خطف ومساومة”، مبينا أن “جنسيات هذه الشركة أغلبها أمريكية وبريطانية وكذلك شركة “فاغنر” الروسية عملت في العراق، وشركات عراقية أخرى أيضاً.
ويضيف الكناني أنه “رغم تأسيس مديرية حماية المنشآت والشخصيات في وزارة الداخلية عام 2006-2007 والشخصيات والوزراء والمنشآت والفضائيات تحمى من قبل هذه المديرية، لكن بقيت هذه الشركات تعمل وتجني أرباحاً خيالية، وربما يصل الأمر الى ابتزازها جهات حكومية والقيام بأدوار قذرة في بعض الأحيان من أجل تحقيق مصالحها”.
ويكشف الكناني عن “وجود مكتب في كل شركة أمريكية والبريطانية خاصة يدعى (العمليات) يديره عناصر من المخابرات يتولى إدارة العمل فيها”، مبيناً أن “إدارة الشركة التي كانت تتولى إدارة مطار بغداد امنياً سابقاً جميعهم من عناصر مخابراتية، اما الموظفين في هذه الشركات وغيرها من شركات الحماية الأمنية الخاصة فيها فهم عراقيون برواتب لا تتجاوز 500 دولار كحد أعلى، في حين الأجور المتعاقد عليها مع الحكومة العراقية تكون أعلى لكل موظف عراقي، فيما المشرفون على التنفيذ اما ضباط متقاعدين أو من الأجهزة الأمنية المنحلة سابقاً كفدائيي صدام وأجهزة الأمن الخاص لتنسيق الاستثمارات في بعض المناطق”.
ويلفت الكناني الى ان “احدى شركات الهاتف النقال سابقاً كانت تعمل بمسألة التجسس والتنصت على المسؤولين العراقيين وأبلغنا رئاسة الوزراء بذلك آنذاك، كما أنها كانت تعرقل الوصول للمختطفين في أي منطقة من مناطق عملها”.
وعن وضعها الحالي، يؤكد العميد المتقاعد أن “لا حاجة لهذه الشركات في ظل وجود الأجهزة الأمنية الحالية والمديرية المعنية بذلك، بل ان وزارة الداخلية يمكن لها ان تقوم بمهام هذه الشركات عبر استثمار الموارد البشرية للوزارة، لكن هذا الموضوع قوبل برفض نتيجة وجود شركات أمنية تؤمن الحماية لبعض الجهات السياسية حالياً التي تمتلك اجنحة مسلحة، وهذا خطر جدا لإمكانية القيام بعمليات خطف ومساومات تحت مظلة الشركات الأمنية الخاصة، وهو ما يتنافى مع حصر السلاح بيد الدولة”.
وفي مقال سابق نشرته الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين يبيّن أن الحكومات الأمريكية المتعاقبة لديها رغبة قوية في التواجد النشط لهذه الشركات في العراق، إذ تشمل شركات الأمن أشخاصاً يقدمون خدمات احترافية، أي أنهم يدربون الجنود حيث يصبحون أشخاصا عسكريين معروفين فيما بعد في العالم.
وتقدم هذه الشركات مجموعة واسعة من الخدمات، بما في ذلك الدعم الدبلوماسي، والعمليات التجارية، والأنشطة العسكرية والاستخباراتية، والمرافق الأمنية، وتقديم المشورة لقوات الأمن، وما شابه ذلك، كما تولت الشركات الأمنية الأمریكية مسؤولية حماية ومرافقة كبار الضباط العسكريين الأمریكيين بعد سقوط نظام صدام حسین ونفذت العديد من المهام على مختلف المستويات في العراق. وبسبب مشارکتها مع الجيش الأمريكي في العديد من العمليات، أطلق البعض اسم “الجیش الآخر” لأميرکا علی هذه الشرکات.
ويُمكن تلخيص اهتمام حكومة الولايات المتحدة باستخدام شركات الأمن في أربع قضايا مهمة: أولاً، تأسيسها لا يتطلب أخذ موافقة الكونجرس. ثانيًا، ترتبط هذه الشركات بعلاقات قوية مع الجهاز السياسي. ثالثًا، قد يكون استخدام الجيش الخاص، لا سيما في المهمات الإنسانية، الخيار الأفضل لإرسال العسکرین الرسمیین، وفي النهاية أصبحت الولايات المتحدة تعتمد بشكل لافت على هذه الشركات.
أعداد الشركات الأمنية الخاصة
حاولت الحصول على إحصائية او حتى أعداد تقريبي للشركات الأمنية الخاصة في العراق من الجهات المعنية، ولكن لم تتحصل على أي عدد حقيقي او تقريبي لهذه الشركات حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
كما أن عضو لجنة الامن والدفاع البرلمانية محمد مهدي الامرلي أوضح في تصريحات سابقة عدم امتلاك لجنته إحصائية دقيقة، مشيرا إلى أن هناك شركات عديدة في بغداد وأخرى في جنوب العراق وغربه، مبينا أن بعضها يحظى بالحصانة الدبلوماسية.
واعتمدت الوكالة على تقرير مترجم نشرته مجموعة فريق (ICoCA) وهي مجموعة شركات أمنية خاصة تعمل في جنوب العراق (المقر الرئيس)، حيث تتركز الحقول النفطية، وفي بغداد، يثبت أن حتى شهر آذار 2024، فإن نحو 80 شركة امنية خاصة “مرخصة” تعمل في العراق بينها 24 شركة أمنية خاصة عراقية تابعة لشركة ICoCA، إلى جانب ما لا يقل عن 5 شركات أمنية خاصة دولية.
ويضيف التقرير أن “من بين 24 شركة عراقية خاصة انضمت حتى الآن إلى ICoCA، فأن العديد منها لديها أيضاً عمليات مهمة في المنطقة”، مبينا أنه “لا يزال هناك عدد قليل فقط من الشركات العالمية الخاصة التي تقدم خدماتها في البلاد في ظل سوق تنافسية متزايدة مع تنافس المزيد من الشركات المحلية على الأعمال التجارية الدولية”.
وتحمي الشركات الأمنية التابعة لـ(ICoCA)، بحسب التقرير، حقل الرميلة النفطي على بعد حوالي 50 كيلومتراً غرب البصرة في جنوب العراق، ويمتد على مساحة شاسعة تبلغ 1600 كيلومتر مربع. وهو ثالث أكبر حقل نفط في العالم، ويزود حوالي ثلث إجمالي إمدادات النفط في العراق”، لافتا الى أن “شركات النفط والغاز الدولية (IOGCs) تعمل في وضع أمني متقلب على زيادة الطلب على الأمن في المنطقة”.
ويبرر التقرير تواجد هذه الشركات بـ”وجود السكان المحليين المدججين بالسلاح والتأثيرات القبلية القوية الذي يخلق بيئة أمنية معقدة”، مبينا ان “النفوذ القبلي كبير، ويمكن أن تنشأ نزاعات، تصبح مميتة بسبب الوجود الكثيف للأسلحة، وتحدث هجمات معزولة، غالبًا ما يقوم بها موظفون ساخطون أو منخرطون في نزاعات شخصية، ويحدث قتال بين القبائل. ويمكن لهذه النزاعات أن تتحول إلى صراعات مميتة بسرعة، نظرا لانتشار الأسلحة على نطاق واسع بين السكان”.
وبحسب التقرير “يجب على الشركات أيضًا أن تدفع للموظفين العراقيين حدًا أدنى للأجور يقل قليلاً عن 500 دولار أمريكي شهريًا، وهو ما يتجاوز متطلبات الحد الأدنى للأجور المعيشية”.
ويوضح التقرير آلية تجنيد رجال هذه الشركات بالقول “أنهم موظفون دوليون من بلدان منخفضة الدخل، مثل نيبال وفيجي وأوغندا، وتقوم الشركات أيضاً بالتوظيف في دول أوروبا الشرقية مثل مقدونيا ودول مثل جنوب إفريقيا حيث يوجد خط أنابيب من العسكريين السابقين المدربين جيدًا وذوي الخبرة العالية الذين يتطلعون إلى الانتقال إلى قطاع الشركات. ونظرًا لانتشار مواطني الدول الثالثة الذين يعملون في مجال الأمن الخاص.
تحت السيطرة
ويؤكد عضو لجنة الامن والدفاع البرلمانية ياسر وتوت، في تصريحات سابقة، إن “عمل كل الشركات الأمنية في بغداد وكذلك المحافظات الأخرى، يتم عبر الموافقات الرسمية حصراً”، مشيرا الى انه “لا يمكن لأي شركة العمل بهذا المجال دون حصولها على الموافقات الرسمية الأمنية وغيرها”.
ويبين وتوت ان “الشركات الأمنية مسجلة بشكل رسمي لدى الجهات المختصة بكل عناصرها وكذلك عجلاتها وحتى أسلحتها”، مشددا ان “اي شركة امنية تخالف ذلك تعرض نفسها الى المساءلة القانونية، وهناك متابعة من قبل الجهات الأمنية المختصة لعمل كافة الشركات”.
تحذير أمني سابق
وكانت وثيقة صادرة من مديرية شؤون الشركات الأمنية الخاصة، في عام 2020، عن معلومات استخبارية لاستهداف الشركات الامنية العاملة بالعراق.
وجاء في الوثيقة المعنونة إلى الشركات الامنية العراقية والاجنبية كافة، والمذيلة بتوقيع مدير مديرية شؤون الشركات الأمنية الخاصة العميد الحقوقي فارس ناظم ، أنه “وردت معلومات استخبارية عن استهداف الشركات الامنية والدعم اللوجستي المتعاقدة مع الجانب الأمريكي والمعلومات تتضمن مواقع الشركات وعنوانها والجنسيات العاملة فيها مع طبيعة عملها لاتخاذ ما يلزم”.
كما دعت الوثيقة إلى “أخذ الحيطة والحذر من استهداف مقار شركاتكم او العاملين فيها”.
ويعزز ذلك تصريح، جوناثان غارات، المدير الإداري لشركة (ايرانييز) التي كان يعمل لديها ألف موظف أمن في العراق، ومعظم عقودها مع الحكومة الأميركية، في 4 تموز 2020، إن ‘الوضع أصبح أكثر خطورة فالتعقيد وعدد الهجمات يزداد، فضلا عن أن مستوى المعلومات التي يعرفها الارهابيون عن أنشطتنا ارتفع ايضا، وعلى مدى 4 أعوام نجح المتمردون في رصد الطريقة التي تدير بها الشركات الامنية الخاصة أنشطتها وبالتالي عملوا على تعديل عملياتهم تباعا، ونتيجة لذلك، عمدت تلك الشركات الى نصح زبائنها بعدم السفر إلا عند الضرورة، كما حرصت على تجنب العمل ضمن أسلوب ونمط واحد لا يتغير وسفر في أوقات متغيرة واستخدام طرق مختلفة بسيارات مختلفة.
ملف سابق في البرلمان
وكان رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، حاكم الزاملي، قد كشف في آب/أغسطس 2017، (قبل توليه منصب نائب رئيس البرلمان والانسحاب من العمل السياسي)، عن أن أغلب الشركات الأمنية العاملة في العراق، هي واجهات لوكالات استخبارية أجنبية، فيما أكد أن مالك شركة “بلاك ووتر” الأميركية (سابقاً) إيريك برنس، متهمٌ بتجنيد “مرتزقة” جدد.
ويقول الزاملي إن “أغلب عناصر الشركات الأمنية كانوا ضباطاً في CIA (وكالة الاستخبارات الأميركية)، وبعضهم ضباط في جهاز الموساد الإسرائيلي، والبنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية)”، مشيراً إلى أن “هذه الشركات نفذت الكثير من الخروقات الأمنية في البلاد”.
ويلفت الزاملي إلى أن “مدير إحدى الشركات الأمنية التي تعمل في العراق، متهم بقضايا فساد، بالإضافة إلى تجنيد مرتزقة من أميركا الجنوبية للقتال في اليمن، فضلاً عن كونه ضابطاً سابقا في الجيش الأميركي ويمتلك معلومات استخبارية، وهذا موثق في ملف اللجنة في البرلمان”.