حرية – (23/7/2024)
ذكرت صحيفة “ذي ناشيونال” الصادرة بالإنجليزية نقلا عن وثائق رفعت عنها السرية، أن رئيس الحكومة البريطانية الأسبق طوني بلير كان قبل غزو العام 2003 بسنة، يعتبر أن بريطانيا “لا يمكنها الوقوف جانبا” وعليها التدخل، وان حكومة لندن بذلت جهودا من أجل مواجهة اعتراضات أوروبية على الحرب المحتملة.
وبحسب الوثائق التي نشرها الأرشيف الوطني في بريطانيا والتي يعود تاريخها إلى الفترة من 1999 إلى 2003، فان حكومة بلير كان حريصة على التحرك لمنع تعزيز الدعم للمعارضة التي أظهرتها فرنسا وألمانيا للحرب على العراق.
وأشار التقرير إلى أن المفوض البريطاني للاتحاد الأوروبي وقتها كريس باتن تحدث في إحدى المناسبات لدبلوماسيين عرب، قائلا إنه لا ينبغي للعراق أن يتلقى “الرسالة الخاطئة” من التظاهرات المناهضة للحرب في أوروبا قبل أشهر من بدء الحرب.
ولفت التقرير إلى أن المذكرات المتعلقة بالعراق من بين الاف الاوراق التي نشرها الأرشيف الوطني البريطاني، تتضمن برقيات دبلوماسية، ومذكرات جرى اعدادها من اجل بلير عندما تحدث الى زعماء أجانب، ومذكرات في مقر رئاسة الوزراء في “داونينج ستريت”، والتي قام بكتابتها بخط يده، وهي وثائق تشمل الفترة ما بعد هجمات 11 ايلول/سبتمبر عندما اعتبر بلير والرئيس الأمريكي جورج بوش أن العراق وصدام حسين يشكلان التهديد الخطير المقبل.
وذكر التقرير أن ديفيد مانينغ الذي كان مساعد لبلير، أشار في مرحلة مبكرة من مارس/آذار 2002، خلال اجتماع مع السفير الالماني في لندن، ان الولايات المتحدة “اتخذت قرارها بشأن تغيير النظام” في العراق. ونقلت مذكرة تحمل تاريخ 19 مارس/آذار أنه “إذا كان هناك عمل عسكري في نهاية الامر، فان وجهة نظر ديفيد (مانينغ) الشخصية هي أن رئيس الوزراء (بلير) من المحتمل أن يقرر أن بريطانيا لا يمكنها الوقوف جانبا”.
وبحسب التقرير؛ فإن الوثائق تظهر أن بلير أكد للقادة المناهضين للحرب، مثل المستشار الالماني جيرهارد شرودر، أنه لم يتم اتخاذ قرار نهائي بغزو العراق. ونقل التقرير عن وثيقة مصنفة حساسة، اشارتها في العام 2002، أن شرودر قال سرا أنه سيتم إعدامه دون محاكمة في حال ايد العمل الأمريكي ضد العراق.
ولفت التقرير إلى أن المسؤولين البريطانيين كانوا يشككون سرا في نجاح الدبلوماسية، وكان لديهم الشعور بأن مفتش الاسلحة التابع للأمم المتحدة هانز بليكس لم يكن يحرز تقدما يذكر في العراق.
وتابع التقرير؛ أنه مع اقتراب الحرب، وخروج تظاهرات السلام العالمية في 15 فبراير/شباط 2003، بما في ذلك التظاهرة التي شارك فيها أكثر من مليون شخص في بريطانيا، فإن السفير البريطاني لدى القاهرة جون ساورز أرسل بعد يومين برقية إلى لندن للابلاغ عن “الاجتماع الصعب” الذي جرى مع الوزراء العرب والذي أثيرت خلال التظاهرات التي جرت في لندن، مضيفا أن وزير الخارجية اليوناني جيورجوس باباندريو تحدث عن “الرسالة المؤيدة للسلام” التي تظهرها التظاهرات وطرح بعض الأفكار العربية المتداولة.
لكن الوثائق تظهر أن كريس باتن، حذر من أنه “لا يمكن استبعاد استخدام القوة” ضد العراق، مضيفا ان “الوقت كان قصيرا ويجب على العراقيين الا يتلقوا رسالة خاطئة من التظاهرات”.
وأضاف التقرير؛ أن بلير وفي نفس اليوم الذي تلقى فيه البرقية، تناول العشاء مع زعماء الاتحاد الأوروبي في قمة متوترة، مشيرا إلى أن مساعدي بلير وضعوا لائحة بالدول التي دعمت بريطانيا وتلك الموجودة في المعسكر المناهض للحرب.
كما أظهرت الوثائق أن بلير قال لرئيس الوزراء اليوناني كوستاس سيميتيس، الذي كان يستضيف حفل عشاء الاتحاد الأوروبي: “نحن جميعا بالطبع نعتبر العمل العسكري هو الملاذ الأخير… إلا أنه من الضروري مواصلة الضغط وزيادته على صدام، فالوقت ينفد سريعا”.
ونقل التقرير عن إحدى الوثائق اشارات الى ان الهدف الرئيسي لبريطانيا خلال المحادثات الأوروبية، هو تجنب قيام الرئيس الفرنسي وقتها جاك شيراك والمستشار الألماني شرودر “بربطنا باستراتيجيتهما الخاصة بعمليات التفتيش المفتوح”.
ولفت التقرير إلى أن من بين ملاحظات بلير في الاجتماع ما كتبه بأنه “علينا التدخل مبكرا لضمان عدم تراكم الدعم خلف الموقف الفرنسي الألماني”. كما أن سكرتيره الخاص ماثيو ريكروفت كتب قائلا انه “إذا بدأ الفرنسيون أو غيرهم القتال، فسنحتاج إلى الرد بقوة”.
وذكر التقرير؛ أن بريطانيا بقيت حريصة على كسب النقاش الدبلوماسي حتى بعد بدء الغزو في 19 مارس/آذار 2003، بقيادة قوات الولايات المتحدة وبريطانيا، للإطاحة بصدام، مضيفا أنه في اليوم التالي خلال قمة عقدت في بروكسل، اعد مساعدون لبلير “حججا دفاعية” في حال اتهمه الزعماء الأوروبيون؛ بأنه يساهم في تقويض الأمم المتحدة حيث ان مجلس الامن الدولي لم يأذن بشن الحرب. ومن بين الملاحظات أن عليه القول ان “أحداً لم يبذل جهدا أكبر من بريطانيا لمحاولة سد الفجوة” في مجلس الأمن.
وتابع التقرير؛ أن بلير اعترف علنا في العام 2004، بأن المعلومات الاستخباراتية التي تفيد بان صدام كان يمتلك اسلحة كيميائية وبيولوجية “كانت خاطئة”. ولفت التقرير إلى أن الحرب استنزفت شعبية بلير على الرغم من فوزه بفترة ولاية ثالثة في العام 2005 بأغلبية أقل بكثير، إلا أنه ترك منصبه بعد ذلك بعامين. وتابع التقرير أن تحقيقا بريطانيا توصل في العام 2016، إلى أن بريطانيا ذهبت الى الحرب عندما كانت الخيارات السلمية لا تزال مطروحة على الطاولة، وقال بلير وقتها انه “اتخذ قرارا بحسن نية بناء على المعلومات التي كانت متوفرة لدي في ذلك الوقت”.
وقال التقرير انه بعد اقل من اسبوعين من إسقاط تمثال صدام رمزيا في بغداد، كتب بلير مذكرة إلى تسعة من مساعديه حول “السياسة الخارجية في مرحلة ما بعد العراق”، وهذه مؤلفة من 7 صفحات، ودعا الى اقامة تحالفات وثيقة مع كل من الولايات المتحدة وأوروبا، وحول ضرورة تسوية أوضاع العالم بالشكل الصحيح خلال 6 شهور. كما تحدث عن النهج الذي تتبعه بريطانيا تجاه العالم العربي قائلا إن “مفتاح ذلك” هو عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين، بينما كتب وزير خارجيته جاك سترو “نحن بحاجة الى تفاهم طويل المدى حول كيفية بناء علاقة أفضل بين الغرب والعالم الإسلامي”.
وبحسب الوثائق ايضا، فان بلير كان يحظى في واشنطن بالاحتفاء باعتباره حليفا قويا بعد وقوفه الى جانب بوش بشأن العراق. كما أن بلير تلقى عرضا ليكون مواطنا اميركيا فخريا، مثل الزعيم البريطاني الأسبق ونستون تشرشل من قبله.
واوضح التقرير ان فريق بلير تلفى مشروع قرار من مجلس الشيوخ حول المواطنة التي ستمنح له باعتباره “حليفا لا غنى عنه” يتمتع “بذكاء وسحر بريطاني رائع”. الا ان سلسلة من رسائل البريد الالكتروني تظهر ان مساعدي تجاهلوا فكرة المواطنة، وكتب احدهم، وهو جوناثان باول، معلقا “بالتأكيد كلا”.