حرية – (27/7/2024)
ناصر الحزيمي
يذكر الإمام جلال الدين السيوطي ((ت 911هجرية)) في كتاب “تحذير الخواص من أحاديث القصاص” وهو كتاب مهم في بابه وينبه إلى خطورة الوعظ ودوره في صياغة الفكر العامي الذي لازلنا نعيش تبعاته:
((… وَقد استفتيت فِي هَذِه الْأَيَّام فِي رجل من الْقصاص يُورد فِي مجْلِس ميعاده أَحَادِيث ويعزوها إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَازِمًا بهَا وَلَا أصل لَهَا عَنهُ بل مِنْهَا مَا اشْتهر فِي كتب بعض أَرْبَاب الْفُنُون وَلَا أصل لَهُ عِنْد الْمُحدثين وَمِنْهَا مَا هُوَ بَاطِل مَكْذُوب من ذَلِك
أَنه روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكذب عَلَيْهِ وحاشاه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَسْتَغْفِر الله قبل إِيرَاده من حكايته وَلَوْلَا الضَّرُورَة إِلَى حكايته لأجل بَيَان أَنه كذب مَا حكيته أَنه قَالَ لجبريل حِين نزل قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين} هَل أَصَابَك من هَذِه الرَّحْمَة شَيْء فَقَالَ نعم خلق الله قبلي ألوفا من الْمَلَائِكَة كلهم
يُسمى جِبْرِيل وَيَقُول الله لكل مِنْهُم من أَنا فَلَا يعرف الْجَواب فيذوب فَلَمَّا خلقني وَقَالَ لي من أَنا قَالَ لي نورك يَا مُحَمَّد قل أَنْت الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا أَنْت
إِلَى آخر مَا قَالَ من الْكَذِب أسْتَغْفر الله من حِكَايَة ذَلِك فأفتيت بِأَن هَذَا لَا أصل لَهُ وَهُوَ بَاطِل لَا تحل رِوَايَته وَلَا ذكره وخصوصا بَين الْعَوام والسوقة وَالنِّسَاء وَأَنه يجب على هَذَا الرجل أَن يصحح الْأَحَادِيث الَّتِي يَرْوِيهَا فِي مَجْلِسه على مَشَايِخ (الحَدِيث) فَمَا قَالُوا إِن لَهُ أصلا يرويهِ وَمَا قَالُوا إِنَّه لَا أصل لَهُ لَا يذكرهُ
هَذَا نَص الْفتيا أَولا
فَنقل إِلَيْهِ ذَلِك فاستشاط غَضبا وَقَامَ وَقعد وَقَالَ مثلي يصحح الْأَحَادِيث على الْمَشَايِخ مثلي يُقَال لَهُ فِي حَدِيث رَوَاهُ
إِنَّه بَاطِل أَنا أصحح على النَّاس أَنا أعلم أهل الأَرْض بِالْحَدِيثِ وَغَيره إِلَى غير ذَلِك من الفشارات
ثمَّ أغرى بِي الْعَوام فَقَامَتْ عَليّ الغوغاء وتناولوني بألسنتهم وتوعدوني بِالْقَتْلِ وَالرَّجم
فَلَمَّا بَلغنِي ذَلِك أعدت الْجَواب وزدت فِيهِ
وَمَتى لم يصحح الْأَحَادِيث الَّتِي يَرْوِيهَا على الْمَشَايِخ وَعَاد إِلَى رِوَايَة هَذَا الحَدِيث بعد أَن بَين لَهُ بُطْلَانه وَاسْتمرّ مصرا على نقل الْكَذِب عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَفْتيت بضربه سياطا
فازداد هُوَ حِدة وتزايد الْأَمر من عصبَة الْعَوام شدَّة وثاروا ثورة كبرى وَجَاءُوا شَيْئا إمرا وَقد ألفت هَذَا الْكتاب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وسميته
تحذير الْخَواص من أكاذيب الْقصاص …))
إن ما دعا إلى هذه المقدمة هو ما آلت إليه أفكار عوام الحاضر بسبب الوعاظ القدماء والمعاصرين ويوجد الكثير من الأمثلة حول ذلك، خذ مثلا ما جاء في النساء والأنثى فهن شر مطلق كما أن الأنثى إحدى حبائل الشيطان وأكثر من كرس هذا الرأي بين العوام والسوقة هم الوعاظ.
ذلك حديث (( لَا تُسْكِنُوهُنَّ الْغُرَفَ وَلا تُعَلِّمُوهُنَّ الْكِتَابَةَ وَعَلِّمُوهُنَّ الْغَزْلَ وَسورَة النُّورِ))
هذا الحديث طبعا موضوع أو مكذوب، ومثله هناك كثير من النصوص المكذوبة على الرسول تكرس وتدعم الحط من قدر المرأة، وسيلاحظ القارئ أني سبق أن تناولت هذا الموضوع أكثر من مرة، والسبب أنه لا يزال بيننا من يعتقد أن المرأة هي سبب كل شر وأنها بطبيعتها عوجاء وماكرة ومتآمرة، هذا ما حشي به عقول العوام والسوقة ممتهني الوعظ والتذكير قبل فترة كنت أستمع للمذياع وإذا ببرنامج تمثيلي يحمل عنوان “كيد النساء” وكاتبته امرأة ويتناول تجارب حياتية تتناول النساء وكيدهن على حلقات متصلة منفصلة.
للحديث بقية