حرية – (28/7/2024)
أثارت دعوة الجزائر إلى الإسراع في تشكيل قوة تدخل عسكرية أفريقية وتجهيزها، تسند لها مهام إحلال السلام وحل قضايا الأمن في بؤر التوتر في القارة الأفريقية، تساؤلات وتكهنات بشأن خلفيات الدعوة، ومدى تجسيدها في ضوء الواقع الأفريقي المثخن بالانقلابات وضعف الاقتصاد والمؤسسات وعجز بعض الحكومات الأفريقية عن توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها.
وكانت أسس إنشاء هذه القوة العسكرية قد وضعت في مؤتمر رؤساء الدول والحكومات الذي انعقد في دوربان بجنوب أفريقيا في تموز (يوليو) 2002، وفي الاجتماع الاستثنائي لقادة الأركان ورؤساء الأجهزة الأمنية الأفريقيين الذي انعقد في سرت الليبية في شباط (فبراير) 2004، واعتمد إطاراً لإنشاء القوة الأفريقية الجاهزة ولجنة الأركان العسكرية.
بعد ذلك، صدق مؤتمر رؤساء الدول والحكومات على هذا الإطار في أديس أبابا بإثيوبيا في تموز (يوليو) 2004. ثم اجتمعت مفوضية الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية في أديس أبابا في آذار (مارس) 2005، واعتمدت خريطة طريق لتفعيل هذه القوة.
آليات وقائية
وقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إن الوقت حان “لتفعيل دور القوة الأفريقية الجاهزة في تجسيد أفريقيا آمنة ومستقرة، وأفريقيا مندمجة ومزدهرة، تساهم بكل مسؤولية في معالجة التحديات التي تواجهها في مجال السلم والأمن”، مخاطباً المسؤولين الأفارقة المشاركين في الاجتماع السنوي السادس بين الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية والآليات الإقليمية، المنعقد يوم الأحد الماضي في العاصمة الغانية أكرا.
وطالب الرئيس تبون المسؤولين الأفارقة بالتعجيل في اعتماد مذكرة التفاهم المتعلقة بالقوة الأفريقية الجاهزة، والمعقودة بين مفوضية الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية والآليات الإقليمية، “ومراجعة المفهوم الاستراتيجي للقوة الأفريقية الجاهزة، لجعلها أكثر اتساقاً مع عقيدة الاتحاد الأفريقي بخصوص عمليات حفظ السلام، وتوفير الدعم اللازم لها باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من البنية الأفريقية للسلم والأمن”.
وتأتي هذه الخطوة، بحسب تبون، ضمن مساعي تفعيل آليات الوقاية من النزاعات وتسويتها، “وفي مقدمتها القوة الأفريقية الجاهزة، بهدف توظيفها أحسن توظيف في الاستجابة للتحديات الراهنة”.
التخلص من النفوذ الغربي
يرد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبد الرزاق صاغور دعوة الرئيس تبون إلى سعي الجزائر إلى التخلص التدريجي من النفوذ العسكري الأجنبي في أفريقيا، وسد جميع منافذ التأثير والتنافس بين القوى الكبرى، في الشقين الجيوسياسي والاقتصادي.
والجزائر اليوم في وضع مريح يؤهلها كي تؤدي دوراً كبيراً في تفعيل القوة الأفريقية الجاهزة، لا سيما أنها اعتمدت في عام 2020 تعديلاً دستورياً لافتاً يسمح لها بإرسال قواتها في مهمات خارج البلاد، بموافقة ثلثي أعضاء البرلمان بغرفتيه، بعدما كانت العقيدة العسكرية الجزائرية تمنع ذلك.
يقول صاغور لـ”النهار العربي” إن دعوة الرئيس تبون تدخل في باب الرغبة الجزائرية في احتواء أزمات الجوار، “لا سيما أن تجربة ليبيا مع الطمع الخارجي في ثرواتها تتكرر في النيجر ومالي”، مشيراً في هذا السياق إلى مجموعة فاغنر الروسية التي صارت الآمر الناهي في بلدان عدة، “ما يفسح المجال للقوى الكبرى لاختراق القارة السمراء من طريق عملائها، ولذلك اقترحت الجزائر تجهيز جيش أفريقي للتدخل السريع يشكل مكسباً لأفريقيا، وقوة لردع أي تدخل أجنبي فيها”.
فكرة مؤجلة
من جانب آخر، يقرأ أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة غرداية حاج بشير جيدور، الرغبة الجزائرية في تأسيس الجيش الأفريقي من منظور “فرض ما يسمى الانضباط الأمني في القارة السمراء، خصوصاً في المناطق الواقعة الخاضعة للتنافس الغربي”.
لكن، هل ينجح هذا المشروع؟ يقول جيدور لـ”النهار العربي”: “في المدى المنظور، هناك ضبابية بخصوص القدرة على فرض هذه الفكرة في ذاتها، لسببين، يتعلق الأول بتقبل الرعيل الحاكم في الدول الأفريقية بمثل هذه الفكرة، وتحديداً جنوب الصحراء، خصوصاً أن أغلبهم يمارس ديموقراطية صورية شكلية، أو يأتي من خلفية انقلابية، ويتصل الثاني بالضعف الاقتصادي وبطء نمو الدخل في العديد من البلدان الأفريقية، ما يجعل أي فكرة من هذا القبيل مؤجلة إلى حين”.
واستحضر جيدور مبادرات مشابهة انتهت بالفشل، مثل مقترح تشكيل قوة أفريقية للردع، تقدم به الزعيم الليبي (الراحل) معمر القذافي خلال قمة الاتحاد الأفريقي في سرت في نيسان (أبريل) 2004. يقول: “حظي هذا المقترح بدعم أوروبي، إذ أبدى رئيس المفوضية الأوروبية حينها رومانو برودي استعداده لدعم تشكيل هذه القوة بنحو 250 مليون يورو، أي ما يعادل 312 مليون دولار، لكن القوة بقيت حبراً على ورق بسبب رفض الدول الأفريقية المشاركة”.