حرية – (3/8/2024)
تحافظ العاصمة السورية دمشق على برودها في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة منذ حادثة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، وما تلاها من ردّات فعل إسرائيلية شملت اغتيال إسماعيل هنية في طهران، وفؤاد شكر، الرجل الثاني في “حزب الله”، بغارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية في بيروت، إضافة إلى مقتل عدد من قادة الحشد الشعبي في جرف الصخر بغارة أميركية.
لا تعزيزات أمنية
تزامن البرود الرسمي السوري مع موجة من الوعيد أطلقها عدد من قادة محور المقاومة بضرورة الردّ على اعتداءات إسرائيلية امتدت من إيران إلى اليمن وصولاً إلى العراق ولبنان. وبينما تترقّب المنطقة والعالم تداعيات الردّ الموعود وانعكاساته على مختلف الجبهات في ضوء تهديد إسرائيل بأنها لن تتباطأ بالردّ على أي ردّ، لا تشهد الجبهة السورية أي إجراءات استثنائية ترتقي إلى مستوى الحدث، لا على صعيد التصريحات والمواقف، ولا على صعيد التحركات العسكرية.
وخلافاً لما جرى بعد استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق في نيسان (إبريل) الماضي، لم يُسجّل إرسال الحرس الثوري الإيراني تعزيزات أمنية أو عسكرية من مناطق البادية في الوسط السوري إلى محافظات الجنوب، ولا سيما درعا والقنيطرة التي لهما حدود مشتركة مع الأراضي السورية التي تحتلها إسرائيل.
ولم يتسرّب أي خبر عن التحركات العسكرية السورية بعد حادثة مجدل شمس، سوى ما نقله موقع “صوت العاصمة” يوم الجمعة الماضي بشأن استنفار في ثكنات الدفاع الجوي في جنوب سوريا ووسطها، بعد التهديدات الإسرائيلية بقصف مواقع “حزب الله” والحرس الثوري في سوريا ولبنان، في حين اقتصرت التصريحات الرسمية على الشجب والإدانة من دون أن تتضمن أي إشارة إلى الردّ أو التهديد به.
جبهة صامتة
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان الخميس، نقلاً عن مصادر موثوقة، أن قيادة القوات الحكومية السورية أصدرت أوامر جديدة لكافة القطعات العسكرية والمواقع المتمركزة قرب الحدود مع الجولان السوري المحتل، في القنيطرة وريفي دمشق ودرعا، تمنع استخدام أي من المواقع العسكرية لشن هجمات صاروخية أو القيام بأي تحركات باتجاه الجولان السوري المحتل، إضافة إلى تحييدها عن أي مواجهات عسكرية محتملة.
وقد اعتُبرت أرض الجولان السوري دائماً من الجبهات الصامتة التي تحرص جميع الأطراف على تحييدها عن أي تصعيد، بمن فيهم إسرائيل. ومردّ ذلك إلى أن للجولان وضعية قانونية ودولية تكرّست بعد حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، بموجب اتفاق فض الاشتباك الذي تعرّض لخروق كثيرة منذ اندلاع الأزمة السورية. وقد جهدت روسيا والولايات المتحدة منذ عام 2018 على إعادة إحيائها وتعزيزها باستعادة انتشار القوات الدولية لوقف القتال “أندوف” على خطوط التماس.
وجاء تقرير المرصد السوري بعد ساعات فقط من تأكيد مديره رامي عبد الرحمن في مقابلة تلفزيونية مع قناة “الحدث”، وجود أوامر أُعطيت للميليشيات الإيرانية في الجولان المحتل ومحيطه والقنيطرة ودمشق بالاستنفار وإعلان الجهوزية الكاملة.
وتتداول أوساط سياسية سورية معلومات تفيد بوجود اتفاق موثق بين أطراف “محور المقاومة” على اعتبار الجبهة السورية أرض دعم وإمداد وليس أرض معارك وحروب، مشيرة إلى أن من مصلحة أطراف “محور المقاومة” كلهم الحفاظ على حدّ معين من الهدوء في الأراضي السورية، لأنها تقوم بدور أساسي في توصيل السلاح والدعم اللوجستي إلى فصائل وميليشيات المحور المنتشرة في لبنان والعراق. وقد سبق للسيد حسن نصر الله، أمين عام “حزب الله”، أن أكّد هذه الوضعية الاستثنائية لسوريا. وعلى الرغم من تعارض هذا الهدوء مع مبدأ “وحدة الساحات”، فتبرير ذلك هو أن عمليات الإمداد شريان ضروري لمواصلة باقي الجبهات نشاطها القتالي في هذه المرحلة.
وضع خاص
ويؤكّد مصدر سوري لـ “النهار العربي” أن جبهة الجولان تخضع لقرارات واتفاقات دولية، وأن القيادة السورية بالتنسيق مع الجانب الروسي تعمل على التزام فحوى هذه القرارات والاتفاقات، بما فيها الاتفاق على إبعاد الميليشيات الإيرانية عن المنطقة.
ولم يؤثر اندلاع حرب غزة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي على الوضعية الخاصة التي تمتعت بها هضبة الجولان السوري، حيث ظلت هذه الجبهة هادئة طوال الوقت باستثناء ما كانت تشهده في أحيان قليلة من إطلاق قذائف صاروخية لم يكن لها أي مفعول حقيقي على الأرض. ومثّل ذلك جانباً من موقف الحياد الذي اتخذته دمشق إزاء حرب غزة، تماشياً مع نصائح العديد من الأصدقاء العرب.
في المقابل، تجددت خلال الأسبوع الماضي محاولات الميليشيات الإيرانية استهداف القواعد الأميركية المنتشرة في الشرق السوري، ويعتقد العديد من مراقبي المشهد السوري أن الصواريخ التي أطلقتها إيران باتجاه القواعد الأميركية كانت محمّلة بالرسائل أكثر مما تحمل من رؤوس متفجّرة ضئيلة الفعالية، وأن الغاية منها هي إبلاغ الجانب الأميركي أن الميليشيات الإيرانية مستعدة للردّ، وربما توسيع نطاقه في حال استلزمت الظروف ذلك.