حرية – (4/8/2024)
نجد الروقي
تستمر ذكرى الغزو العراقي للكويت كحدث بارز في التاريخ الخليجي، إذ إنه خلّف تضحيات وآثاراً لا تزال ملموسة وعلى رغم مرور الأعوام وسقوط نظام صدام حسين بواسطة الولايات المتحدة، إلا أن التحديات الأمنية والسياسية الناتجة من هذا الحدث ما زالت تؤثر في المنطقة، مما ألقى بظلاله على العلاقات الكويتية – العراقية، فيرى المراقبون أن التهديد الإيراني أصبح بارزاً في قضايا عدة بعد انحسار تهديد صدام، مما أدى إلى حال من التذبذب في العلاقات بين البلدين خلال الأعوام الأخيرة.
ذكرى حاضرة
على رغم مرور ثلاثة عقود ونصف على الغزو العراقي للكويت، إلا أن هذا الحدث لا يزال حاضراً بقوة في الوعي الكويتي والإقليمي، متزامناً مع التوترات الحالية التي تشهدها المنطقة، خصوصاً وسط التصعيد الإسرائيلي الأخير الذي تمثل في اغتيال القيادي في ميليشيا “حزب الله” فؤاد شكر ورئيس المكتب السياس لحركة “حماس” إسماعيل هنية.
وفي مفارقة لافتة، نفى الجيش الكويتي بحزم الادعاءات التي زعمت استخدام أراضيه وقواعده نقطة انطلاق لاستهداف الميليشيات العراقية التي رددت تلك المزاعم، في ما يعتقد بأنه ذريعة للتحرش بالأمن الكويتي الذي سارع إلى النفي، وتأكيده عدم السماح باختراق أجواء البلاد أو استعمال أراضيها لشن هجمات على الدول الشقيقة والصديقة.
وهكذا فإنه على رغم توقعات تحسن العلاقات بعد زوال نظام صدام، فإن الواقع السياسي أظهر أن الشكوك والمخاوف لا تزال تُلقي بثقلها على هذه الأطراف، فالكويت لا تزال تشعر بالقلق من الموقف العراقي تجاهها، في وقت تواصل إيران ممارسة ضغوطها على الجانب العراقي.
الدمار الذي خلفه الغزو العراقي للكويت عام 1991
مزاعم عراقية في الذكرى
في أوائل أغسطس عام 1990، ادعى النظام العراقي آنذاك أن الكويت والإمارات العربية المتحدة كانتا “تحاربان رزق العراق” عبر خفض أسعار النفط وإغراق السوق وأن الكويت كانت تسرق النفط من الحقول الحدودية، وفقاً لتصريحات وزير النفط العراقي السابق عصام الجبلي في مقابلة تلفزيونية منشورة على مواقع التواصل، نفى خلالها ادعاءات بغداد تجاوز الكويت للحدود العراقية واستخراج البترول داخل الأراضي العراقية.
بعد دخول الجيش العراقي إلى الكويت بأيام، أعلن صدام حسين أنه سيسحب قواته بعد ما قال إنه “مساندة الثورة” المزعومة، إلا أن تلك الذرائع لم تقنع المجتمع الدولي الذي اعتبر أن الهدف الحقيقي هو السيطرة على ثروات الكويت النفطية وتحقيق الطموحات التوسعية للنظام البعثي، إذ أصدر حينها مجلس الأمن الدولي قراره رقم 660 الذي دان فيه بشدة هذا الغزو وطالب العراق بالانسحاب الفوري من الكويت.
ومما يثير تساؤل المراقبين حتى بعد سقوط النظام العراقي، أن الكويت لا تزال تواجه تداعيات تلك الحرب، فالتوترات الإيرانية والعراقية لا تزال تغازل القضايا والملفات الكويتية مثل خورعبدالله الذي يشكل أحد أبرز ملفات ترسيم الحدود بين البلدين، بحيث يقع هذا الخور شمال الخليج العربي بين الجزر الكويتية وشبه جزيرة الفاو العراقية، وكان محل نزاع بين البلدين حتى قبل استقلال الكويت عام 1961، نظراً إلى امتلاك العراق سواحل محدودة على الخليج، وفق ما يتردد.
الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أثناء وصوله أرض الكويت بعد التحرير
تفشي عقيدة الغلو الأصولي
يؤكد الإعلامي الكويتي خالد الطراح في حديثه إلى “اندبندنت عربية” أن الكويت “انشغلت من دون مبرر في شؤون إقليمية معقدة، مما أدى إلى تفشي عقيدة الغلو الأصولي، في المقابل غاب مشروع إعادة ترميم العلاقات مع الجار العراق على المستويات الثقافية والإعلامية وعلى مستوى القوى المدنية”.
وأضاف أن “شرارة العداء لا تزال موجودة في كثير من الأوساط العراقية، مما يشير إلى قصور في الدبلوماسية الكويتية منذ التحرير وحتى الآن، فلم تُعِد ترتيب الأوراق بما يتناسب مع المجتمع العراقي والنخب السياسية المستقلة والمتحررة من القيود الفارسية”، لكنه لفت إلى ضرورة النظر بعز وفخر إلى ذكرى الغزو، “فالشعب الكويتي قدم درساً تاريخياً إلى العالم بتلاحمه ضد المحتل ومع القيادة السياسية الشرعية”.
ورأى الطراح أن الكويت كان من المفترض أن تخرج بعدد من الدروس الاجتماعية والسياسية التي تعزز أركان الدولة المدنية، “ولكن تراكمت الأخطاء وتآكل مفهوم الدولة المدنية وتفشى الفساد”، في إشارة إلى المرحلة التي سبقت العهد الحالي ودعوة أمير البلاد الشيخ مشعل الصباح إلى حل البرلمان وتعليق مواد في الدستور، مبرراً ذلك بأن واقع الدولة أصبح في حال من الفوضى لا يمكن السكوت عنها.
وأكد أن “غزو الكويت لا يزال رواية غير مكتملة ولم توثق بصورة شاملة، فهناك جوانب مهمة وأمور كثيرة لم يتم توثيق الرواية لها، مما سمح لكثير من المزاعم بالانتشار”.
فرحة الشعب الكويتي بعد التحرير من الغزو
ملفات كويتية مطروحة
في ذكرى الغزو العراقي للكويت قبل 34 عاماً، يستذكر الكويتيون شخصيات أدت دوراً كبيراً في تحرير بلادهم وتعبئة الشعب والعالم لتلك الغاية، أمثال العاهل السعودي حينها الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز وأميرهم الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح والأمير الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح (ولي العهد ورئيس الوزراء آنذاك) ممن اضطلوا بدور محوري في حشد الدعم الدبلوماسي العربي والدولي للشرعية الكويتية والدفاع عن حق الكويت في السيادة والاستقلال، حين أصدر النظام العراقي السابع بقيادة صدام حسين أوامره للقوات العسكرية بغزو الأراضي الكويتية واحتلالها، وبعد ستة أشهر من الغزو في الـ17 من يناير (كانون الثاني) 1991 بدأت قوات التحالف الدولي عملياتها العسكرية المعروفة باسم “عاصفة الصحراء” لتحرير دولة الكويت وإعادة السيادة والاستقلال إليها.
وفي آخر اجتماع للمجلس الوزاري الخليجي قبل أيام في الدوحة، أبدت المنظومة الخليجية دعمها القوي للموقف الكويتي في عدد من القضايا الشائكة التي تواجهها مع جارتيها إيران والعراق، تحديداً حق الكويت في “حقل الدرة” الذي تطالب إيران بملكيته، كذلك دعا المجلس بغداد إلى التراجع عن إعلانها التخلي عن “اتفاقية خور عبدالله” التي أثار إبطالها من قبل المحكمة العراقية الاتحادية غضب الخليجيين قبل أشهر، وهذا الإجراء العراقي أعاد إلى الأذهان المخاوف من سيناريو غزو الكويت في عهد صدام عام 1990 وذرائعه الواهية.
وأكد المجلس الوزاري “رفضه التام” لما جاء في حيثيات الحكم الصادر من المحكمة الاتحادية العليا في العراق، معتبراً أي قرارات أو ممارسات أحادية الجانب من العراق في هذا الشأن باطلة وملغاة ورافضاً الإجراء العراقي بإلغاء بروتوكول المبادلة الأمني الموقع عام 2008 والخطة المشتركة لضمان سلامة الملاحة في “خور عبدالله”.
طائرات عاصفة الصحراء
بعد 34 عاماً كيف ينظر الكويتيون إلى العراق؟
يقول وزير الإعلام الكويتي السابق سعد بن طفلة العجمي في سياق مقالة كتبها في “اندبندنت عربية” لمناسبة الذكرى الـ34 للغزو إن المواطنين الكويتيين ينظرون إلى جيرانهم في بغداد بمشاعر متباينة، فمن جهة يرون العراق المستقر والمزدهر شريكاً محتملاً يمكن أن يسهم في استقرار الكويت وتطورها، وأن التعاون بين البلدين هو الخيار الأفضل، ومن جهة أخرى هناك عوامل عدة تلقي بظلالها على المشهد العراقي الحالي.
ومن بين تلك العوامل بحسبه أن “الحكومة العراقية الحالية قد تبدو مدنية في المظهر وحسنة العبارة، إلا أنها ليست الجهة الحاكمة الفعلية في العراق، وهناك هيمنة إيرانية على تشكيل الحكومات العراقية ومراكز صنع القرار، إضافة إلى استنزاف موارد العراق والاقتتال الطائفي المستمر، مما يشغل العراق بمشكلاته الداخلية”.
ونقل أن بلاده تتمنى أن “يتعلم العراق من دروس التاريخ الذي أدى إلى كارثة غزو الكويت عام 1990 ويأملون في استقرار العراق وتحقيق السلام الدائم بين البلدين”.