حرية – (5/8/2024)
“أحب مهنتي السوداء”، كتبت سيمون بايلز في تعليق على منشور يصف نجاحها المبهر في ألعاب باريس الأولمبية بأنه واحد من المهن التي يبرع فيها الأفارقة الأميركيون.
لاقت كلمات لاعبة الجمباز تفاعلاً مدويّاً في وسائل التواصل الاجتماعي لمن اعتبروا كلماتها الثلاث إضافة إلى إيموجي القلب الأسود أبلغ ردٍ على دونالد ترامب.
الرئيس السابق والمرشح الحالي كان قد قال في لقاء مفتوح مع منظمة الصحافيين السود إن المهاجرين غير الشرعيين يسلبون “المهن السوداء”. وهذا موقف يكرره لاستمالة الصوت الإفريقي الأميركي، لكنّ للكلام وقعاً آخر حين يكون بين جمهور معظمه من السود، لأنه ينكأ في رماد واحدة من أكثر الصور النمطية “البيضاء” إهانة للسود، وهي أنهم لا يفلحون إلا في مهن متواضعة.
قد لا يكون هذا قصد ترامب الذي تعثر أيضاً بنفاد صبره من الدقيقة الأولى للقاء حين أجاب على السؤال الأول من الإعلامية الإفريقية الأميركية بهجوم لاذع عليها، والذي سيضاف في سجل خصومه إلى تاريخه في التعامل مع النساء. وزاد الجمهور من الشعر بيتاً حين شكك في عرق هاريس قائلاً إنه يجهل ما إذا كانت سوداء أو من أصول هندية.
“زلّات” ترامب هذه يمكن إضافتها إلى الصدف الحسنة التي لا تنفك تجعل من أول إسبوعين في حياة كامالا هاريس كمرشحة للرئاسة، أيام عسل طويلة.
أيام بدأت بما بدا خروجاً للحزب الديموقراطي وجمهوره وأعداء “ماغا” من الغيبوبة، حين حسم جو بايدن تردده وانسحب حاسماً في الوقت نفسه الجدل بشأن خليفته. هاريس أنهت السباق حول ترشيح الحزب قبل أن ينطلق. وكما نزلت الحماسة من فوق، من كبار الديموقراطيين والمانحين، صعدت بالسرعة نفسها من الأسفل، تحديداً من “الجيل زي” الذي استقبل هاريس على “السوشال ميديا” استقبال الخالة المرحة بضحكتها العالية وعباراتها التي كأنها قيلت خصيصاً لكي تتحول إلى جميع أشكال الفيديوهات والميمز التي ملأت وسائل التواصل عن بكرة أبيها، بخاصة “تيكتوك”، المكان المفضل لهذا الجيل.
الفئة الثانية كانت المتحمسات لإيصال واحدة منهن إلى البيت الأبيض كأول رئيسة. النساء. هكذا نظمت على عجل لقاءات افتراضية على “زوم” أولها كان للنساء السود، حضره نحو 90 ألفاً بين مشاركة ومشاهدة، لتكر السبحة بعده بلقاء آخر ضم هذه المرة أكثر من 150 ألفاً وكان من تنظيم “نساء بيض من أجل هاريس”. ثم كرّت السبحة: رجال سود. لاتينيون. جنوب آسيويين، ثم الرجال البيض. وكان ختام شهر تموز (يوليو) مسكاً: 310 ملايين دولار من التبرعات أكثر من ثلثيها من متبرعين أفراد يعكسون الحماسة العامة للسيدة نائبة الرئيس التي ضمنت الجمعة الفائت العدد الكافي من أصوات المندوبين التي تخولها الحصول على ترشيح الحزب رسمياً.
أيضاً، وبعدما بدت الهزيمة قدر الديموقراطيين ورئيسهم عاجز عن تقليص الفارق مع ترامب الذي ظل لأشهر يتفوق عليه بخمس نقاط في معدل استطلاعات الرأي الوطنية، استطاعت هاريس تقليص هذا الفارق إلى نقطة واحدة، في ما يمكن اعتباره نظرياً تعادلاً بعد حساب هامش الخطأ، لكنه عملياً قفزة كبيرة لهاريس وحملتها، وهي لم تختر بعد شريكها على البطاقة الانتخابية.
باقٍ نائب الرئيس لكي تنفجر رسمياً حرب المئة يوم التي تفصل أميركا عن الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. لم تعلن هاريس عن نائبها بعد، لكن حملتها قالت إنها ستكشف عن اسمه الثلاثاء خلال لقاء انتخابي في ولاية بنسلفانيا. ومع أن فحص المرشحين المحتملين للمنصب يبدأ قبل أشهر في العادة، سرّعت شركة المحاماة التي وكلتها حملة هاريس العملية وأعلنت فراغها من هذا البحث المضني في تاريخ نصف دزينة من الرجال البيض أجاب كل منهم عن مئات الأسئلة وسلم مئات الأوراق التي طلبت منه. البحث الأولي لشركة المحاماة هو تقنياً لتفادي أي مفاجآت في ماضي المرشح من أي نوع كانت، أو ما يسميه الأميركيون الهيكل العظمي المخبأ في الخزانة. وقد خصصت هاريس عطلة نهاية الأسبوع للقاء المرشحين الستة المحتملين لتكون الكلمة الأخيرة لها ولها وحدها بحسب حملتها.
على خط موازٍ، وبعد تحوّل حملة رئيسها جو بايدن إليها، والوقت لا يسمح بتغييرات جذرية، قررت هاريس الإبقاء على مديرة الحملة جين أومالي ديلون، لكنها طعمت الصف الأول من المسؤولين الكبار بجنود غير مجهولين البتة، أولهم ديفيد بلوف مدير حملة باراك أوباما الأولى (2008)، وستيفاني كاتر من الحملة نفسها والتي عادت لتصير نائبة مدير حملة أوباما 2012. واختارت آخرين من حملة هيلاري كلينتون الرئاسية.
تبدأ هاريس الثلاثاء جولة انتخابية تستمر خمسة أيام يرافقها فيها النائب العتيد تجول فيها ست ولايات: فيلاديلفيا، نورث كارولينا، ميشيغان، جورجيا، أريزونا ونيفادا. وجميعها ولايات متأرجحة كانت لصالح ترامب في استطلاعات الرأي ضد بايدن، لكن الفارق تقلص فيها جميعاً حين دخلت هاريس السباق.
أسبوعان من الحظ الجيد إذن، تخللهما تبادل “الأسرى” المشهود بين روسيا والولايات المتحدة وما فيه من انعكاس إيجابي عند الرأي العام الأميركي على صورة الإدارة الحالية، ومنها هاريس التي حرصت على أن تكون عند سلم الطائرة التي جلبت الأميركيين الثلاثة المحررين إلى أرض الوطن، إلى يمين رئيسها كالعادة. لكن حماسة الأيام الأولى لا تشير بالضرورة إلى انقلاب موازين القوى لصالح طرف على الآخر. الأكيد أن طبول الحرب قد دقت، والتشويق سيستمر تصاعدياً مع العد التنازلي لهذه الأيام المئة. ومع أميركا عامة، ودونالد ترامب بالتحديد، فإن هذا التشويق مرشح لأن يستمر طويلاً بعد الخامس من تشرين الثاني.