حرية – (6/8/2024)
أعلنت الولايات المتحدة قبل أسبوع تقريباً خططً لرفع مستوى قيادتها العسكرية في اليابان من أجل تعميق التعاون مع القوات اليابانية الحليفة. والإعلان هذا لم يأت من دون مقدمات، إذ أن واشنطن تعمل منذ سنوات على تطوير علاقاتها العابرة للمحيط الهادئ وتعزيزها، وسبق أن أعلنت عزمها على تشكيل قيادة عسكرية جديدة لقواتها في اليابان تتيح لها التحرك بمعزل عن قيادة المحيطين الهندي والهادئ في هاواي.
وعقب محادثات أمنية في طوكيو بين وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن ونظيريهما اليابانيين يوكو كاميكاوا ومينورو كيهارا، قال أوستن إن بلاده “سترفع مستوى القوات الأميركية في اليابان إلى مقر قوة مشتركة مع توسيع المهمات ومسؤوليات العمليات”. وهذه “التحسينات في العلاقة العسكرية” تعدّ الأكبر منذ 70 عاماً في وقت يصف فيه البلدان الصين بأنها “أكبر تحدٍ استراتيجي” يواجه المنطقة.
وللسبب عينه، أي الصين، أعلن الوزيران الأميركيان من العاصمة الفيليبينية مانيلا أن واشنطن ستقدم تمويلاً عسكرياً للفيليبين بقيمة 500 مليون دولار. ووصف بلينكن هذه الحزمة بأنها “استثمار يتمّ مرّة في كل جيل” للمساعدة على تطوير القوات المسلحة الفيليبينية وخفر السواحل.
أكثر من ذلك هذه هي المرة الأولى، التي يُطرح فيها مصطلح “الردع الممتد”، وهو يُستخدم في وصف التزام الولايات المتحدة استخدام قواتها النووية لردع الهجمات عن الحلفاء.
هذا في الشرق الأقصى حيث تضع الولايات المتحدة ثقلها وتعمل على تأسيس تحالفات جديدة وتطوير العلاقات التاريخية، لاحتواء النفوذ الصيني. وفي إطار المواجهة غير المباشرة مع “العدو التاريخي” روسيا، عملت واشنطن على دعم أوكرانيا في حربها مع موسكو، وفتحت مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) مخازن أسلحتها لجعل كييف قادرة على مواجهة الترسانة العسكرية الروسية، وآخر جرعات الدعم الاستثنائية كانت وصول طائرات “أف-16” إلى إحدى القواعد العسكرية الأوكرانية، حيث التقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الطيارين معلناً بدء تحليق المقاتلات الأميركية الصنع التي جرى “انتظارها طويلا بعد أكثر من 29 شهراً من الغزو الروسي”.
صداع الشرق الأوسط
بينما كانت الإدارات الأميركية المتعاقبة، لاسيما في العقد الأخير، تعمل على ضمان سيطرتها العالمية من خلال “المواجهة” مع روسيا والصين، عاد “صداع الشرق الأوسط” ليؤرق المؤسسات الأمنية والعسكرية في واشنطن بعد أن ظنت أن أزمات هذه البقعة الجغرافية باتت في حكم المؤجلة أو بأسوأ الحالات أنه يمكن إبقاؤها تحت السيطرة. ومن ثمّ جاء “الطوفان” ليعيد خلط الأوراق، لاسيما بعد اغتيال المسؤول العسكري في “حزب الله” فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، ما دفع وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى إرسال الأساطيل باتجاه البحر الأبيض المتوسط، ونشر المزيد من المقاتلات.
وفي هذا السياق أعلن نائب مستشار مجلس الأمن القومي الأميركي جوناثان فاينر في حديث الى شبكة (CBS) أن “الهدف العام هو خفض حدة التوتر في المنطقة إلى جانب الردع وصد تلك الهجمات، وتجنب صراع إقليمي، وأن الولايات المتحدة وإسرائيل تستعدان لكل الاحتمالات”. وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي لشبكة “فوكس نيوز”: “لا أعلم ما سيقومون به ولا متى سيفعلون ذلك، لكن علينا الحرص على أن نكون جاهزين”.
بالتوازي فتحت وزارة الخارجية خطوط الاتصالات مع كل عواصم المنطقة والإقليم، مباشرة أو من خلال الحلفاء، لإحتواء الرد على الاغتيالين، باعتبار أن حرباً إقليمية لن تكون في مصلحة أي طرف.
بين مشارق الأرض
بين شرق أوروبا والشرق الأقصى والشرق الأوسط تقف الولايات المتحدة، وتستخدم في كل ساحة منها قوتها “الناعمة” أو”الخشنة” بحسب ما تقتضيه الظروف الموضوعية. لكن بالنظر إلى مجريات الأمور فإن “القوة الخشنة” المباشرة لم تستخدم إلّا في الشرق الأوسط، ما يدلّ الى أن التهاب الصراع على هذا الجزء من الخريطة من شأنه أن يؤثر على باقي الساحات في مواجهة روسيا والصين، حيث الصراع استراتيجي.
وانفجار بركان هذا الشرق، يعني الحاق أزمة أكبر بحركة التجارة العالمية ومصادر الطاقة وغيرها… وبالتأكيد سوف تتأثر الصين اقتصادياً، لكن مفاعيله ستطال الحلفاء أيضاً في منطقة المحيطين الهادئ والهندي. كما أن تداعيات هذا الانفجار ستضع أوروبا على رأس القوى العالمية المتضررة، إذ أن التأثيرات الاقتصادية قد تكون مضاعفة، خصوصاً في ظل التضخم العالمي واستنزاف الحرب الأوكرانية. هذا بالإضافة إلى حركة نزوح جماعية، ما يعني أن الحليف على الضفة المقابلة من الأطلسي سيجد نفسه بين حلفاء تعرضوا لإصابات مباشرة في خضم معركة الحفاظ على أحادية القيادة العالمية، هذا عدا الآثار المباشرة وغير المباشرة على الولايات المتحدة نفسها.
ومن هنا يأتي السؤال الصعب، كيف يمكن لإمبراطورية العالم الحديث أن تدير هذه الأزمة؟
حشد القوات الأميركية في البحر المتوسط، هدفه أن يكون “قوة ردع” أمام هذه الحرب الكبرى، أو “جبهة اسناد” في حال انفجرت. لكن طالما أن الطرفين المعنيين بالردّ من طهران وبيروت يؤكدان عدم رغبتهما باشعال الشرق الأوسط في حرب ضروس، ربما يكون الجواب الأقرب إلى الواقعية، على رغم مسار الحكومة الإسرائيلية، هو ما ذكرته “مجموعة الأزمات الدولية” وعدد كبير من الصحف الغربية، من ان على الإدارة الأميركية الحالية وبعد أن تحررت من عبء الانتخابات، كما على المرشحيّن للانتخابات الرئاسية، ممارسة أقصى الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتوقف عن المماطلة في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار الذي سيكون ضرورياً لتهدئة التوترات في هذه المنطقة المضطربة… علّها تكون الخطوة الأولى للتخفيف من آلام هذا الصداع المزمن.