حرية – (20\3\2021)
روى الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، الجمعة، شريطاً من ذكريات جولته إلى العراق التي سبقت قرار الحرب الأميركي، متحدثاً عما جرى بينه وبين الرئيس الأسبق صدام حسين، وفيما أشار إلى أن إيقاف قرار الحرب كان ممكناً حينذاك، تحدث عن تفاصيل رفضه للهدية العراقية التي قدمتها الحكومة.
وقال موسى في الجزء الأول من مقابلة خاصة ضمن برنامج “ساعة مع هارون” الذي يقدمه الزميل “هارون رشيد”، وتابعته – حرية – (19 آذار 2021)، إن “زيارته إلى العراق مطلع عام 2002 ولقائه بصدام حسين كانت ضمن جولة له، وكان الكلام يدور حينئذ على ان العراق مهدد بضربة أميركية، وانه لا يتعاون مع المفتشين الدوليين، فضلا عن الصورة الخاصة لصدام حسين أمام العرب والعالم”.
واضاف موسى “قبل ذهابي الى العراق التقيت الامين العام للامم المتحدة انذاك كوفي عنان، وطلبت منه رسالة لإيصالها إلى صدام حسين تتعلق بأهمية استئناف المفاوضات وعمل المفتشين، إذ أن ملف البرنامج النووي كان يشغل العالم”.
وتابع عمرو موسى الحديث قائلاً “عند مقابلة صدام حسين سألته: هل لديكم برنامجا نوويا: قال لا. كررت السؤال وكرر الإجابة، فسألته: لماذا يرفض العراق التفتيش؟ أجابني صدام حسين: لأن المفتشين يحملون أجندات مخابراتية ويسربون معلومات عن البلاد”.
وتابع موسى، “نقلت لصدام حسين رسالة كوفي عنان والتي تنص على استعداد الجميع لاستئناف المفاوضات وتدعوك الى ايقاف المقاطعة العراقية لها، وبعد شرح الجو العام العالمي حينها ونوايا الولايات المتحدة، شددت له على أنني أحاول حماية العراق من مواجهة الحرب”.
وأجاب موسى بالجزم على سؤال أثار الجدل فيما سبق، “لم أصرُخ بوجه صدام مطلقاً، السفير بن حلي الذي كان معي حينها، قال ان عمرو موسى بدا وكأنه يصرخ بوجه صدام حسين، في إشارة إلى الجدية حين تكرار السؤال عن البرنامج النووي”.
وأردف، “عرضت موضوعا محددا أمام صدام، كان بمثابة المفتاح لحل الاشكاليات وهو قضية المفتشين، لو بدأنا التفاوض فمن الممكن التوصل الى محادثات وتغيير بعض المواقف وتجنب الحرب، وكنا نرغب إخراج العراق من “المتاهة” التي دخل فيها، وخرجت برسالة ايجابية من صدام الى كوفي عنان، وحصلت خطابات متبادلة، ثم فوجئنا بـ”نكسة” إيقاف التفاوض، الأمر الذي جعل الحجة متوفرة أمام الولايات المتحدة”.
وعبر موسى عن اعتقاده بأنه “ربما حجم ماكان يحدث من التعبئة الهائلة، وقرار الحرب المتخذ من الولايات المتحدة، والوقت الضيق، وراء ماجرى من موقف عراقي”.
وأشار إلى أننا “كنا نرى قيام الحرب قاب قوسين أو أدنى في حينها (2002) وكنا نسعى لمناورة من أجل عدم نشوبها، حيث أن قرار الحرب الاميركي كان قائماً، وكانت فرنسا من أشد من دفعوا باتجاه منع الحرب، إلى جانبنا في الجامعة”.
واستدرك عمرو موسى ” كان بالإمكان تجاوز الحرب، طارق عزيز كان يمتلك كما هائلا من المعلومات والدبلوماسية العالية، اضافة الى وزير الخارجية انذاك ناجي صبري، رغم اختلافي البسيط مع الاخير لكن لا يمنع رأيي به، كنت اعرف ظروفهم حينها، لم يكونوا يستطيعون مواجهة صدام حسين أو التعبئة الجماهيرية والآمال المعلقة على خوض الحرب”.
وأوضح الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، “كانت لدى صدام حسين ثقة كبيرة، وأبلغني بأن العراق بجيشه وشعبه سيقفون بوجه التهديدات والله معهم”.
وشدد عمرو موسى على أنه “لم يكن يحمل رسالة أميركية، فقط رسالة الأمم المتحدة، والجامعة العربية”.
وعن انطباعه حول شخصية صدام حسين قال موسى: “قابلته مرّتين، الأولى في قمة بغداد، والثانية خلال المهمة التي كلفت نفسي بها، شخصيته في ظاهرها هدوء وصوته منخفض، وكان مجاملا لي على الأقل كأمين عام لجامعة الدول العربية، تاريخيا تم توصيفه، وصورة صدام في التاريخ هي كما نعرفها جميعاً”.
وعن تفاصيل المهمة التي قادها مضى موسى بالحديث، “كان لا بد لنا في الجامعة العربية من تهدئة وإصلاح الأمور خاصة أن العراق كانت علاقاته متوترة مع الكويت، وواجهنا صعوبة اقناع عدد من كبار مساعدي صدام حسين”.
وكشف عن أن “المبادرة الخليجية الوحيدة حينها هي التي قدمها الشيخ زايد، وهي عبارة عن رسالة الى رئيس القمة التي عقدت في البحرين، لضمان استمرار حياة صدام حسين كرئيس سابق، وخروجه من البلاد، والهدف من رسالة الشيخ زايد تهدئة التوتر القائم وفتح نافذة من الممكن ان يقبلها صدام حسين، وهو مالم يحصل”.
وعن رفضه هدية صدام حسين، اعتبر موسى أن “الحكومة العراقية قدّمت هدية “زائدة عن اللزوم” وهي عبارة عن سيارات “مارسيدس”، واعتذرت عن قبولها نظرا لظروف البلاد آنذاك ووجدت ذلك غير مناسب، وقبلت منه هدية ثانية عبارة عن “عباءة عراقية”، ليس صدام حسين من عرض الهدايا بل شخصا آخر همس بأذني ولا أتذكره”.
ونفى موسى ” وجود أي صلة باجتماعات المعارضة العراقية قبل عام 2003″، قائلاً “ربما أجهزة المخابرات كانت تعمل في هذا الاطار”، لكن الجامعة العربية وخارجية مصر لم يكن لها أي نوع من التواصل.
وفي الحديث عن المساعي الدولية خلال تلك الحقبة قال موسى “علاقتي بالروس كانت جيدة على الدوام، وتاريخ العلاقة الروسية العربية تجعل العالم العربي يحمل للروس ذكريات جيدة، ولا نعتبرهم أعداء من البداية”، مشدداً على أنه “يعي ومازال، بأن اللعب مع الكبار “خطر”، خاصة مع الدول العظمى التي لها مصالح متشابكة، ففي لحظة ما، من الممكن أن تكون أنت مفيدا لهم، وفي لحظة أخرى العكس تماماً، وهذا ما لم أقم به أنا مطلقاً”.