حرية – (13/8/2024)
غمرني الفرح عندما طلب شريكي يدي للزواج. فقد ثبت ذلك التزامنا ببعضنا بعضاً. ورسخ رغبتنا بالبقاء معاً إلى الأبد. أما حفل العرس، فلم أعرف متى سنقيمه، أو إن كنا سنقيمه أساساً. ومع تطور علاقتنا في مواجهة المشهد الاقتصادي الذي ساد مطلع العقد الثالث من الألفية الثالثة، وانقضاء السنوات الأخيرة من ثلاثينياتنا، شعرنا بأن أي “احتفال عظيم” يصغر أمام الإنجازين الملموسين اللذين سنحققهما هذا العام: شراء بيت معاً وإنجاب طفل.
التقينا، جايلز وأنا، عندما كنا بين منتصف إلى آخر الثلاثينيات من عمرنا، وهذا وحده كفيل بضغط قائمة الأمور التي يجب إنجازها في الحياة ضمن إطار زمني ضيق. سوف يكون عمري 37 سنة عندما أنجب طفلي، بينما سيكون هو في الواحدة والأربعين. أرغب في أن أُرزق بأكثر من طفل واحد – إن قدرنا على ذلك. بعد سنتين من لقائنا، أردنا أن نبدأ بمحاولة الإنجاب لأسباب عدة: لأننا لا نعلم كيف ستسير الأمور من ناحية الخصوبة، ولأننا نريد أن يكون لدينا أكبر قدر ممكن من الطاقة باعتبارنا والدين لأطفال أيضاً. ووسط التفكير في الزواج، عشنا تجربة باهظة التكلفة هي شراء أول منزل لنا معاً – وقد استهلكت كل مدخراتي حتى بعدما قللنا التكلفة بالانتقال خارج لندن.
بعد الخطوبة والانتقال إلى منزل جديد والإنجاب في عام واحد، أصبح مجرد التفكير في إقامة زفاف أمراً مرهقاً- حتى لو توافر ثمن إقامته. مررنا بتلك المرحلة الطاحنة التي تحدث عادة في أواخر الثلاثينيات: إذ علينا إنجاز الكثير ولا نملك الوقت الوفير ولا مال قارون لكي نتمكن من الانتهاء من كل شيء. كان من الضروري التخلي عن شيء ما، وبالنسبة إلي كانت حفلة الزفاف هذا الشيء. عندما فاتحت أصدقائي بموضوع إلغاء الزفاف، أدركت بأنني لست الوحيدة في هذا التفكير. فالكثير من الأزواج في الثلاثينيات من عمرهم يعيدون ترتيب مراحل وأحداث حياتهم ويتخلون عن الترتيب التقليدي للأمور.
إيما
ارتبطت إيما البالغة من العمر 34 سنة، بخطيبها منذ أربع سنوات. وقرر الثنائي إنجاب طفل هذا العام ثم شراء منزل معاً، وتأجيل الزفاف إلى موعد يُحدد لاحقاً. وتقول “نحن واثقان من حبنا لبعض. ويمكننا أن نقصد السجل المدني غداً ونقوم بهذه الخطوة. لكن عندما قررنا أولوياتنا في الحياة، كان الزواج آخر نقطة في تلك القائمة”.
تمت الخطوبة بين الثنائي في عام 2022 لكنهما قررا استبدال التخطيط للزفاف بمحاولة الإنجاب بعد ذلك بفترة قصيرة. وتقول لي إيما “أنا أعتبر الخطوبة التزاماً كافياً”. كما أرادا البقاء للعيش في لندن لأسباب متعلقة بالعمل، وهذا يزيد من التكاليف في عملية البحث عن منزل. لكنها غير قلقة بالنسبة إلى تفاصيل الحدث وتوقيته “قد نقرر لاحقاً بأن الوقت لن يحين أبداً لإنفاق المال على زفاف”. ربما يصبح التخطيط ليوم الزفاف احتمالاً مجدداً عندما يبلغ طفلهما سنته الأولى أو أكثر بقليل، كما تقول إيما. لكنها تشير إلى احتمال أن “تتلاحق الأمور، أليس كذلك؟ فلو أردتم إنجاب طفلين، هل تحاولون أن تنظموا الزفاف بعد أول طفل أم تحاولوا أن تحملوا بثاني طفل مباشرة؟”.
إلى جانب السن والخصوبة، لا شك في أن الكلفة عامل أساسي في هذه المقاربة لموضوع الزواج التي تستند إلى فكرة “إما الآن أو أبداً”. وفقاً لاستطلاع الآراء الوطني حول الزفاف لعام 2024 الذي أجراه موقع تخطيط الزفاف “هيتشد” Hitched، يصل متوسط تكلفة حفل الزفاف في بريطانيا إلى 20700 جنيه استرليني (نحو 25 ألف دولار). وقال 65 في المئة من الأزواج المشاركين في الاستطلاع إنهم ينفقون أكثر من 15 ألف جنيه استرليني على الاحتفال فيما أقر 48 في المئة منهم بأن حالة الاقتصاد أثرت في مخططاتهم أو في ميزانيتهم. ويمكن أخذ فكرة أفضل عن الصورة الأكبر عندما تضع مبلغ 15 ألف جنيه أو أكثر في إطار التقارير الأخيرة التي أفادت بأن من يشتري منزلاً للمرة الأولى يودع بالمتوسط مبلغ 53414 جنيه – أي زهاء 19 في المئة من سعر المنزل.
بالنسبة إليّ وإلى خطيبي، وفيما نعد الأيام كي تمر فترة 16 أسبوعاً ويبصر طفلنا النور، يبدو لنا إنفاق 20 ألف جنيه على يوم واحد أشبه بسرقة اللقمة من فم طفلنا، أو قضم جزء من المنزل الذي يأويه (ناهيك عن شبح تكاليف الحضانة الباهظة في المملكة المتحدة، والتي تأمل كل سيدة حامل أعرفها بأن تسهم حكومة العمال في تخفيفه). الأفضل هو أن يبدأ الإنسان رحلته مع مولوده الجديد بمدخرات وليس وهو يشعر بأن أمواله تبخرت، مهما كانت الصور جميلة مع الفستان الأبيض. تبعاً للاتجاهات الحالية، تنبأ معهد دراسة المجتمع المدني “سيفيتاس” Civitas بأن ثنائياً واحداً فقط من كل 400 شخص بالغ في المملكة المتحدة سوف يتزوج بحلول عام 2062، مقارنة بثنائي واحد لكل 100 شخص بالغ في يومنا هذا- وهذا تراجع بأكثر من 70 في المئة خلال جيلين.
بيث
تعتبر بيث، وهي مرتبطة بعلاقة طويلة الأمد وتبلغ من العمر 39 سنة ولديها ابن بعمر الرابعة بأن “الزواج لم يُطرح أبداً على طاولة البحث”. بعد سنوات قليلة من بدء علاقتها بشريكها الذي ما زالت معه بعد 14 سنة، اشتريا منزلاً قرب مانشستر ورُزقا بطفل في 2020. وتقول “أعتقد بصراحة بأنني لم أفكر في ترتيب الأحداث إطلاقاً. بالنسبة إلينا، كان السؤال هو، ما الذي يعنينا أكثر؟ ما الذي نعرف أنه سيُسعدنا؟”.
تتساءل بيث عن احتمال أن يكون طلاق والديها ووالدي شريكها قد أثر في قرارهما. فمثلي أنا، لا تشعر بأي ارتباط روحاني بالحفل نفسه. وتسأل “إن عرينا الزواج من فكرة الرومانسية أو الفكرة القائلة بأنه تجربة خاصة وفريدة، فما هو؟ نقول دائماً إنه مجرد تخطي يوم أربعاء عادي معاً. عندما تكون الحياة مملة ولم تقم بأي حجوزات لقضاء العطلة وسقف منزلك يرشح، هل ترغب عندها في أن تكون في الغرفة نفسها مع ذلك الشخص؟ هذا هو الزواج بالنسبة إلينا”.
أشعرني هذا الرأي الرومانسي المفاجئ ببعض الرضا إزاء صحة قراري. لكن هل نفوت علينا فرصة؟ أكاد لا أندم أبداً على قرارنا بتخطي مرحلة الزفاف والانتقال “إلى الطفل مباشرة”. لكن أحياناً قليلة، أشعر بوخز الحنين عند حضور حفل زفاف صديقة ومشاهدتها وهي تشع بهجة وليس لديها ما يُقلقها – وتظهر بمظهر امرأة ليست مضطرة أبداً للاتصال بجليسة الأطفال الليلة.
روزي
من ناحية أكثر عملية، تثير صديقتي روزي، 36 سنة، موضوع تشارك الأسماء والحماية المالية. تمت خطوبتها على شريكها في عام 2019، ورُزقا بطفل في عام 2020 وبطفل ثان في 2023، لكنهما لم يتزوجا. وتقول “فيما يدخل ابني البكر المدرسة هذا العام، أدرك بأنه لا يحمل اسم عائلتي. من ناحية إدارية، أريد أن أقوم بهذه الخطوة لكي نتشارك جميعاً اسماً واحداً ولا نواجه أي عقبات بهذا الخصوص”. ومع أن الثنائي سعيد جداً في الوقت الراهن، تضيف روزي “أنا أعي بأنني غير محمية على الإطلاق في حال انفصالنا”.
هنا يدخل عنصر “عقوبة الأمومة”- فكما هي الحال بالنسبة إلى أزواج كثيرين، كان من المنطقي بالنسبة إلى روزي أن تؤخر مسيرتها المهنية لكي يصبح إنجاب الأطفال ممكناً مادياً. “عدت للعمل بدوام جزئي فيما بقي شريكي في عمله بدوام كامل، وهذا وفر علينا عائلياً الكثير من المال من ناحية رعاية الأطفال. كما بقيت في وظيفة منحتني فترة عطلة أمومة وبعض المرونة لكن هذا يعني بأن دخلي ليس مرتفعاً وقد ضحيت بالترقيات وبفرص للتعلم خلال هذا الوقت”. وتقلق من أنه في احتمال انفصالهما “لا أستطيع أن أستعيد المال الذي خسرته بسبب هذه التدابير العائلية”.
وتلفت إيما إلى أن عدم الحاجة إلى ختم الموافقة الذي يمنحه الزواج قد يكون مؤشراً إلى درجة أكبر، وليس أقل، من الأمان العاطفي في العلاقة. ربما لأننا كنساء نستقر في علاقة في الثلاثينيات من عمرنا، نشعر بأننا لسنا مضطرات لإثبات الكثير. وتقول “نلتقي الآن بشركائنا بسن أكبر بكثير من السن الذي التقى فيه آباؤنا – وربما نشعر برضا أكبر لأننا انتظرنا فترة أطول لكي نجدهم؟ كما أننا خضنا تجارب أكثر بكثير في حياتنا. أستعرض الرحلات التي قمت بها خلال السنوات القليلة الماضية وأفكر بأننا ربما كنا قادرين على دفع تكاليف العرس. لكننا اخترنا خوض تجارب حياتية بدل ذلك”.
ونتفق على وجود مكونين أساسيين في هذه الفكرة: الزواج بالمعنى القانوني من ناحية والنفقات الكبيرة التي ترتبها حفلة الزفاف من ناحية أخرى. من وجهة نظري، تتساوى إقامة حفل زفاف كبير مع وضع حوض استحمام ساخن في الحديقة- أعلم بأنه سيكون ممتعاً لنا نحن الاثنين، ولا شك في أن الأصدقاء والعائلة سيتمتعون به كذلك، لكنه يكلف مبلغاً كبيراً وليس أولوية مالية. إنما ربما لم تخفت هالة الزواج كلياً بعد. اتصلت بروزي بعد أسبوع من حديثنا لأكتشف بأننا بحثنا عن الأمر ذاته عبر “غوغل”: أين أجد أقرب مركز سجل مدني؟