حرية – (14/8/2024)
أحمد الصراف
يقول الزميل العراقي رشيد الخيّون: عندما تقرّر القوى الدينيّة المسيسة تطبيق الشريعة، تكون النساء أولى ضحايا القرار، من سن زواجهنَّ وطلاقهنَّ، نشوزهنَّ، حضانة أولادهنَّ، الاستمتاع بهنَّ، ناهيك عما يقع عليهنَّ من جرائم الشرف، وأنظمة لا ترى حتَّى تعليمهنَّ.
ضربت موجة الحجاب المنطقة بُعيد نجاح الثورة الإيرانية، وكانت أجواء المنطقة، نتيجة الحروب الدينية والطائفية، على أتم الاستعداد لتقبّل الظاهرة، التي اتحدّت، لأول مرة، كل قوى الضغط السنية والشيعية، على فرضها، فكانت نتيجتها تغيّرا يشبه الانقلاب في جميع قيم وعادات وتقاليد المجتمع، أصبح فيه المستهجن مرحّباً به والحلال محرّماً، وأصبح الحجاب دليل عفة وطهارة، وأصبح السفور عكس ذلك.
عندما كنّا نعارض أو نحارب الحجاب، كان الرد دائماً بأننا ضد «الحرية الشخصية»، ولم يكن الأمر طبعاً كذلك، فقد كان الحجاب عنوان مرحلة وردّة قيم حادة، ونهج تفكير مختلفاً، فالحرية في اختيار لون السيارة أو شكلها أو قول رأي شخصي، أما الحجاب فكان موقفاً من قضايا ومسائل حادة وخطيرة، وليس فقط قطعة قماش توضع على الرأس، وخير دليل على خطورته استماتة السلطات الإيرانية، طوال 45 عاماً، وغيرها على فرض ارتدائه بمختلف الوسائل من غرامة مالية وجلد وسجن، وما مقتل الإيرانية «ماسا أميني» في المعتقل، واستشهاد الكثير من النساء نتيجة اعتقالهن، وقبلها، إلا دليل على ما للحجاب من رمزية خطيرة، يتطلب الأمر التضحية بالروح للتخلّص منه، حيث يعد النجاح في فرضه الخطوة الأهم في السيطرة على المرأة، والتلاعب بمصيرها!
يقول خيّون إن العراق، مع بداية 2003، وبدء العد التنازلي لسقوط صدام، وإعدامه، عرف تصاعداً في الدَّعوات إلى ارتداء الحجاب، وكانت البداية بقهر طالبات الجامعة، واغتيال البعض منهن وخطف غيرهن. لتعود معارك «السُّفوريين والحجابيين»، التي كانت بدايتها قبل مئة عام، للعلن.
ما لا يود هؤلاء استيعابه أو بلعه أن المرأة حرّةٌ في رأسها وعقلها، تغطيه أم تكشفه، لكن القوى الدينيّة في العراق، المعارضة سابقاً، نفسَها ناشدة الحرية، لكنَّ أول ما ترأس أعضاؤها مجلسَ الحكم (2003)، حتى أفصحت عن إلغاء قانون الأحوال الشَّخصيَّة (188/1959)، وما أن جاء الدور للمدنيين حتى ألغوا الإلغاء، فظلت القوى الدينية تتحين الثَّأر مِن قانون شَرع حقوقاً متقدمة بإنصاف المرأة، وجاء ثأرهم في المادة 41 من الدستور عام 2005، فمعظم العراقيين يحتكمون، في أحوالهم الشخصيَّة، لدى الفقيه، بينما هناك فقهاء يعتقدون أنّ الرسائل الفقهية لا تصلح لمواكبة الزمن، ناهيك عن حياد الدولة، في حماية مواطناتها، مِن أبٍ شرع تزويج ابنته طفلةً، والخطوبة تصح للرضيعة، وجواز الاستمتاع بها، والتخلي عن حماية المرأة من زوج وجد إلغاء الحضانة للأم، حتى العاشرة، نصراً.
لا تملُّ القوى الدينية من استغلال ما تعتبره «ديموقراطية الأكثريّة»، من أجل فرض تشريعاتها على المجتمع، وآخر ذلك لائحة قدمتها قبل فترة قصيرة لإلغاء المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية، الخاصة بالحضانة، بجعل المحاكم المدنية مجرّد مكاتب للتنفيذ، والأمر والنَّهي للوقفين الشيعي والسني، فصارا ليسا لإدارة أمور العبادة، مساجد وحسينيات وعتبات، وإنما أخذَا مكان الدولة.
كانت النية مبيتة عند كتابة الدستور (2005)، والاستنفار للتصويت، استغفالاً لخروج العراقيين من وطأة الحصارٍ والحملة الإيمانيّة، والقادمون من الخارج دخلوا حاملين فؤوس الهدم، ومنها هدم مَدنية الأحوال الشخصيّة، فرئيس لجنة الدستور معممٌ من أصحاب الثأر! وسبق أن شرّعت الحكومة في العهد الملكي قانوناً للأحوال الشخصية، خالفت فيه الشرع الإسلامي، وعرضته على مجلس النواب، فطلب كبار «المقلدين» من أتباعهم من النواب رفض القانون!
يختم رشيد قائلاً: مَن لم يتأثر بالزمن، يعش خارجه، فإرجاع الناس إلى مذاهبهم، تفكيك اجتماعي وطني. فلا يوجد دين حق لا يريد مصالح العباد؟ فهل تزويج الصغيرات، وقضم حضانة الأم، وقتل النساء غسلاً للعار، هي نصرةٌ للإسلام؟