حرية – (15/8/2024)
في فناء منزلهما في جزيرة فاديوث السنغالية، يجلس مصطفى ندور المسلم مع شقيقه جان بيار المسيحي ويتبادلان المزاح حول ديانة كل منهما، بعد أيام قليلة من خطاب لرئيس الوزراء عثمان سونكو أثار سخط الكنيسة الكاثوليكية.
يقول مصطفى (67 سنة) الذي ولد مسيحياً واعتنق الإسلام لاحقاً وهو يمازح شقيقه الأصغر جان بيار على مرأى عدد قليل من أفراد هذه العائلة ذات المعتقدات المختلطة “يقول لي إنني خنتهم”، فيرد عليه شقيقه المسيحي “لقد ذهبت في رحلة وحان الوقت للعودة إلى ديانتك الأم”.
في السنغال التي تسكنها غالبية ساحقة من المسلمين كان الوئام بين الديانات المختلفة دائماً مثالاً يجب الحفاظ عليه، لكن تصريحات رئيس الوزراء عثمان سونكو الذي وجه تحذيراً إلى المدارس التي تحظر على طالباتها ارتداء الحجاب تسببت في اضطراب في الكنيسة والمجتمع المسيحي الذي شعر بأنه مستهدف.
وقال سونكو في الـ30 من يوليو (تموز) الماضي خلال حفل تكريم الطلبة المتفوقين على مستوى البلاد “لم يعد ممكناً التسامح مع أمور معينة تحدث في هذه البلاد، في فرنسا يتحدثون إلينا باستمرار عن نموذج حياتهم وأسلوبهم، لكن هذا الأمر متروك لهم، هنا في السنغال لن نسمح بعد الآن لبعض المدارس بحظر ارتداء الحجاب”.
والسنغال دولة علمانية بدستورها الموروث من الاستعمار الفرنسي السابق، وكان رئيسها ليوبولد سيدار سنغور الذي حكم البلاد من 1960 إلى 1980 من الأقلية المسيحية، وهي تمارس علمانية تتجسد في الدولة والمسؤولين الدينيين الذين يؤدون دوراً مهماً في استقرار البلاد.
ويُعلم الأطفال في أنواع عدة من المؤسسات، المدارس العامة التي يمكن للجميع الوصول إليها، والمدارس الكاثوليكية الخاصة والمدارس القرآنية وما إلى ذلك، ويرتاد بعض الطلبة المسلمين المدارس الكاثوليكية لأنها مشهورة بجودة تعليمها.
ولا توجد مؤسسة تحظر الحجاب رسمياً، لكن مدرسة كاثوليكية في دكار سبق أن رفضت تسجيل طالبات مسلمات عام 2019 لأنهن محجبات.
في فاديوث، كما هي حال أي مكان آخر من السنغال، يعيش الكاثوليك والمسلمون في وئام وتماسك كبيرين، وتشتهر هذه الجزيرة الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها نحو 8 آلاف شخص وتقع على بعد نحو 120 كيلومتراً جنوب دكار، بمقبرتها المختلطة بين الطائفتين.
في بداية فترة بعد الظهر تدق أجراس الكنيسة في شوارع القرية الضيقة المرصوفة بالمحار، فيما تنتشر هنا وهناك تماثيل لقديسين، وفي الوقت نفسه يتوجه المسلمون إلى المسجد لأداء صلاة الظهر.
ويؤكد رئيس الحي بول ديوغوي وهو مسيحي “نحن مرتبطون بالدم أولاً قبل الدين”.
ويوافقه مصطفى ندور قائلاً “نحن أقرباء، آباء وأخوات، حتى قبل وصول الدين أو الاستعمار” إلى هذه الجزيرة. ويضيف “في كل مرة يكون هناك عيد مسيحي يقدم المسلمون يد العون والمساعدة، والعكس صحيح، فلا حدود لهذا التعايش السلمي بيننا”.
في فاديوث قوبلت تصريحات سونكو، الذي انتخب حزبه على وعد بالانفصال عن النظام القديم وتبني الخطاب السيادي، بإدانة واسعة النطاق من قبل المسيحيين وبعض المسلمين.
ويعترف جان بيار بأنه يشعر بالإحباط بسبب لهجة التهديد التي يستخدمها سونكو، ويؤكد “لم نشهد مثل هذه اللحظات العاصفة إطلاقاً” بين المسيحيين والمسلمين.
وفي رأيه أن رئيس الوزراء كان يستهدف الغرب في تصريحاته تلك، ولا سيما الاستعمار الفرنسي السابق، ومع ذلك، يأمل في ألا تشارك الكنيسة في مثل هذا السجال.
وانتقد جان بيار السلطات الجديدة في البلاد “لأنها متطرفة وتعتقد أن كل ما فعله المستعمر الفرنسي السابق هنا يجب أن يتغير، ولكن عليهم ألا يتعاملوا مع الشعب السنغالي بهذا المنطق”.
تتعايش صلبان ولافتات عليها عبارات من القرآن في المقبرة المختلطة الواقعة على تلة خضراء، حيث يمكن رؤية مجموعة من الزوار المسيحيين يتجمعون أمام قبر تملأه الزهور، وهم يؤدون صلاة جماعية، وعلى مسافة غير بعيدة يتجول آخرون بين قبور الموتى المسلمين.
وقال زائر فرنسي يدعى دومينيك إن هذا المكان “فريد ومفعم بالأمل، إنه مثال بالنسبة إلى العالم لتنوع الأديان والعيش المشترك”.
ويؤكد رئيس الحي ديوغوي أنه يجب الحفاظ على هذا التعايش السلمي بأي ثمن.
ومثل عديد من سكان الجزيرة، يدعو ديوغوي السلطات الجديدة إلى عدم المغامرة والدخول في نقاش ديني يمكن، بحسب قوله، أن يشعل النار في البلاد.