حرية – (17/8/2024)
في عمق غابات الأمازون المطيرة بالضبط في جنوب شرق بيرو، تعيش قبيلة يطلق عليها اسم “قبيلة ماشكو بيرو”، التي يُعتقد أنها أكبر قبيلة غير متصلة بالعالم، إذ يبلغ تعدادها السكاني ما يزيد عن 750 شخصًا.
هذه القبيلة تعيش في عزلة شبه تامة عن العالم الخارجي منذ عقود طويلة، إذ أنها تعتمد على الغابات المحيطة بها، لتحتمي بأشجارها، بعد أن عانى سكانها الكثير من الظلم وأبشع مظاهر التعذيب الممكنة سابقًا.
ولكن مع حلول منتصف عام 2024، خلال منتصف شهر يوليو، تم تسليط الضوء على هذا المجتمع المنعزل مجددًا، عندما نشرت منظمة “Survival International” صورًا ومقاطع فيديو لأفراد القبيلة وهم يخرجون إلى ضفاف نهر في أراضيهم.
ويعود السبب الوحيد لخروج أفراد القبيلة إلى العلن رغم سنوات طوال من العزلة تعرض المنطقة التي يعيشون فيها، لـقطع الأشجار، التي يحتمون بها.
قبيلة ماشكو بيرو.. تاريخ من المذابح والاستعباد
تعرضت قبيلة ماشكو بيرو، شأنها شأن العديد من القبائل الأصلية في منطقة الأمازون، لمآسي كبيرة خلال القرن التاسع عشر، تحديدًا خلال “طفرة المطاط” التي اجتاحت غرب الأمازون.
في ثمانينيات القرن التاسع عشر، غزا بارونات المطاط أراضي ماشكو بيرو، واستعبدوا الآلاف من السكان الأصليين هناك.
وقد عرفت المنطقة جرائم جد بشعة بحق السكان، حيث قتلوا وجلدوا وقيدوا وطردوا واغتصبوا الكثير منهم، وسرقوا غاباتهم التي كانت تشكل ملاذهم وموطنهم الوحيد.
ولكن بعض أفراد القبيلة تمكنوا من الهروب إلى أعماق الغابات المطيرة في بيرو، وهناك بحثوا عن منابع الأنهار النائية، ليختفوا ويعيشوا في عزلة تامة، متجنبين أي اتصال بالعالم الخارجي، بهدف حماية أنفسهم من هذه المآسي الكبرى التي عاشوها.
بالرغم من العزلة.. تهديدات جديدة
رغم عزلة شعب ماشكو بيرو المتواجد في غابات الأمازون، إلا أنهم لم يسلموا من التهديدات المستمرة. في الوقت الحاضر، يتم غزو أراضيهم مرة أخرى، حيث تم بيع جزء كبير من هذه الأراضي لشركات قطع الأشجار.
والآن، أصبح هدير المناشير الكهربائية يملأ أجواء الغابة، حيث تعمل إحدى الشركات الرئيسية، على قطع أشجار الماهوجني وغيرها من الأخشاب الصلبة الثمينة.
وكل هذا تسبب في الإضرار بسكان قبيلة ماشكو التي تعيش في غابات الأمازون، الذين فقدوا الحماية والأمان اللذين كانوا يعيشون فيه، رغبة في الانفصال الكامل عن العالم الخارجي.
انتهاك للقوانين والمعايير الدولية
ما يزيد من تعقيد الوضع، أن شركة “Canales Tahuamanu” التي تقوم بقطع الأشجار في غابات الأمازون، تمكنت من الحصول على شهادة الاستدامة من مجلس رعاية الغابات (FSC)، وهي شهادة تُمنح للشركات التي تلتزم بالمعايير البيئية والاجتماعية الصارمة.
هذه الشهادة تعد انتهاكًا واضحًا للوائح المجلس نفسه، التي تحظر قطع الأشجار في أراضي السكان الأصليين غير المتصلين بالعالم.
هذه الانتهاكات دفعت شعب ماشكو بيرو إلى مغادرة غاباتهم في السنوات الأخيرة، حيث بدأوا يظهرون بشكل متزايد على ضفاف الأنهار، مطالبين بالطعام والإمدادات من مجتمعات شعب Yine المجاورة.
مشاكل سكان قبيلة ماشكو بيرو
رغم أن لغة شعب Yine ترتبط ارتباطًا وثيقًا بلغة ماشكو بيرو، مما يسمح لهم بالتواصل أحيانًا، إلا أن هذا الاتصال يحمل في طياته خطرًا كبيرًا على كلا الطرفين.
فشعب ماشكو بيرو غير المتصلين بالعالم ليس لديهم مناعة ضد الأمراض الشائعة، مما قد يؤدي إلى انتشار أوبئة مميتة بينهم.
كما أن التعديات المستمرة على أراضيهم دفعتهم في بعض الأحيان إلى مهاجمة القرويين القريبين من المنطقة التي يعيشون فيها منذ عدة سنوات، وهو ما يُعتقد أنه رد فعل على هذه التعديات التي يعيشونها خلال السنوات الأخيرة بسبب قطع الأشجار.
ضغوطات وحملات ضد شركات قطع الأشجار
تعمل مجموعة من المنظمات المحلية بالتعاون مع منظمة “Survival International” للضغط على الحكومة البيروفية لتوسيع محمية مادري دي ديوس الإقليمية التي تم إنشاؤها عام 2002 لحماية غابة ماشكو بيرو.
ورغم أن هذه المحمية تغطي ثلث المنطقة، إلا أن مساحات كبيرة من أراضي القبيلة ما زالت دون حماية.
ما زالت هذه المنظمات تضغط أيضًا على مجلس رعاية الغابات لسحب شهادة الاستدامة الممنوحة لشركة قطع الأشجار، والتي تواصل عمليات القطع بالرغم من الضغط الدولي الذي جاء ليمنع هذه الممارسة التي تهدد سكان القبيلة.
وقد أعرب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الشعوب الأصلية عن قلقه العميق بشأن سلامة شعب ماشكو بيرو، خاصة في ظل السلوك العدواني لشركة Canales Tahuamanu والضغط الذي تمارسه ضد المنظمات المحلية.
الخطر الذي يواجه القبيلة
ما زال شعب ماشكو بيرو يعيش في عزلة تامة، معتمدين على الغابات المحيطة بهم كمصدر أساسي للغذاء والمأوى.
ولكن مع استمرار التعديات على أراضيهم من قبل شركات قطع الأشجار، يزداد الخطر على هذا المجتمع المعزول، والذي يواجه تهديدًا مزدوجًا: خطر الأمراض التي قد تجلبها أي محاولة للتواصل مع العالم الخارجي، وخطر فقدان أراضيهم التي تمثل مصدر حياتهم الوحيد.
إن الجهود المبذولة من قبل المنظمات المحلية والدولية لحماية أراضي ماشكو بيرو تظل قائمة، ولكن حتى يتم توقيع المرسوم الرئاسي وتوسيع المحمية، سيبقى مصير هذه القبيلة معلقًا بين يدي الطبيعة والمصالح الاقتصادية.